وليس لأبي عمرو الشيباني عن زيد في "الصحيحين " غير هذا الحديث الواحد .
وعيسى في إسناده : هو ابن يونس . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عقب حديث زيد أن في الباب : عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ومعاوية بن الحكم .
إذا تقرر ذلك : فالمصلي مناج لربه جل جلاله ، فواجب عليه أن لا يقطع مناجاته بكلام مخلوق ، وأن يقبل على ربه ويلتزم بالخشوع ، ويعرض عما سوى ذلك ، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إن nindex.php?page=hadith&LINKID=651140في الصلاة لشغلا " وقوله تعالى : وقوموا لله قانتين والقنوت في هذه الآية ، كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : الطاعة والخشوع لله تعالى .
ولفظ الراوي يشعر أن المراد به : السكوت ; لقوله : (حتى ) . التي هي للغاية ، والفاء التي تشعر بتعليل ما سبق ، وقيل فيها غير ذلك ، والأرجح حمله على ما أشعر به كلام الراوي ، فإن المشاهدين للوحي والتنزيل يعلمون سبب النزول والقرائن المحتفة به ، وقول الصحابي في الآية : نزلت في كذا ، يتنزل منزلة المسند .
[ ص: 265 ] وقوله : (وأمرنا بالسكوت ) . وفي رواية : ونهينا عن الكلام ، فكل ما يسمى كلاما منهي عنه وما لا يسمى كلاما ، وأراد إلحاقه به فهو بطريق القياس ، فليراع شرطه في مراعاة الفرع للأصل ، واعتبر أصحابنا ظهور حرفين وإن لم يفهما فإنه أقل الكلام ، وقام الإجماع على أن الكلام فيها عامدا عالما بتحريمه لغير مصلحتها ولغير إنقاذ هالك وشبهه تبطل الصلاة ، وأما الكلام لمصلحتها فقال الأربعة والجمهور : تبطل أيضا .
وجوزه nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وبعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وطائفة قليلة ; لأنه في تصحيح ما فيه من أمرها .
واعلم أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم صريحان في أن الكلام كان مباحا في الصلاة ثم حرم .
واختلفوا : متى حرم ؟ فقال قوم : بمكة . واستدلوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ورجوعه من عند nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي إلى مكة . وقال آخرون : بالمدينة . بدليل حديث nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم ، فإنه من الأنصار أسلم بالمدينة ، وسورة البقرة مدنية ، خصوصا هذه الآية ، وقالوا : nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود لما عاد إلى مكة من الحبشة رجع إلى nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي إلى الحبشة في الهجرة الثانية ، ثم ورد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة وهو يتجهز لبدر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : إنما نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة .
[ ص: 266 ] وأجاب الأولون بأن الظاهر تجدد هذا الحال في غيبة nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود الأولى ، فإنه قال : فلما رجعنا من عند nindex.php?page=showalam&ids=888النجاشي . ولم يقل : في المرة الثانية .
وحملوا حديث زيد على أنه إخبار عن الصحابة المتقدمين ، كما يقول القائل : قتلناكم وهزمناكم . يعنون : الآباء والأجداد .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي يحتاج إلى تأريخ ، والتأريخ بعيد كما نبه عليه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي ، وأبدى nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان فيه شيئا حسنا ، فإنه قال : قد توهم من لم يحكم صناعة العلم أن نسخ الكلام في الصلاة بالمدينة ; لحديث nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم ، وليس كذلك ; لأن الكلام في الصلاة كان مباحا إلى أن رجع nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وأصحابه من عند النجاشي فوجدوا إباحة الكلام قد نسخت ، وكان بالمدينة nindex.php?page=showalam&ids=104مصعب بن عمير يقرئ المسلمين ويفقههم ، وكان الكلام بالمدينة مباحا كما كان بمكة ، فلما نسخ ذلك بمكة تركه الناس بالمدينة ، فحكى زيد ذلك الفعل ، لا أن نسخ الكلام كان بالمدينة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : زعم الكوفيون أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وزيد ناسخ لقصة ذي اليدين ، وسيأتي ما فيه في موضعه قريبا ، والآثار متواترة على أن قدوم nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من الحبشة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين لم يرد السلام كان بمكة ، وإسلام nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كان بالمدينة عام خيبر فلا نسخ إذن ، لا يقال : إن حديث زيد ناسخ لحديث ذي اليدين لانتفاء التأريخ ، غير أن زيدا أقدم إسلاما من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ويحتمل أن يكون معنى حديث زيد : فأمرنا بالسكوت . يعني : إلا بما كان من الكلام في [ ص: 267 ] مصلحة الصلاة ، فهو غير داخل في النهي عن الكلام فيها ليوافق حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، فلا تعارض إذن .
ودل حديث زيد على النوع المنهي عنه من الكلام في الصلاة ، وهو قوله : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم أحدنا صاحبه لحاجته .
والأمة مجمعة على تحريم هذا النوع من الكلام في الصلاة على مثل ذلك .
دل حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنهم كانوا يسلمون بعض على بعض في الصلاة ، الحديث . فبان في الحديثين النوع المنهي عنه من الكلام في الصلاة لمصلحتها ، وهذا تأويل أولى ; لئلا تتضاد الأحاديث . وقال ابن التين : الكلام نوعان : سهو ، وعمد ، فالعمد مبطل إذا لم يكن لإصلاحها ، والسهو لا يبطلها ويسجد له ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تبطل صلاته بالكلام سهوا إلا لفظ السلام ، دليلنا خبر ذي اليدين ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - تكلم ، وعنده أنه فرغ منها فلما تبين له بنى ، فإن قلت : هذا عند إباحة الكلام ، بدليل أن ذا اليدين تكلم عامدا ، وكذلك أبو بكر وعمر ولم يستأنفوا . فالجواب أن تحريم الكلام مكي ، وقصة ذي اليدين مدنية . فإن قلت لي : إنما هو التحريم الأول . قلت : لا يعرف التحريم إلا مرة .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم محمول على الجهر بالقراءة ، وفيه بعد ، وكلام ذي اليدين بناه على أنها قصرت وأن فعله لم يقع سهوا ، وإنما وقع استظهارا ، ولو ثبت الكلام فهو لمصلحة الصلاة وإجابة الشارع .
[ ص: 268 ] ولنختم الكلام بفوائد ملخصة :
فحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، وزيد ، وكذا جابر كما سيأتي قريبا دالة على تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لمصلحتها أم لا ، وقد سلف . وتحريم رد السلام فيها باللفظ ، وهو إجماع وأنه لا تضر الإشارة ، بل يستحب رده بالإشارة ، وبهذه الجملة قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأكثرون ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور .
وقال جماعة من العلماء : يرد نطقا ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر والحسن nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وإسحاق .
وقيل : يرد في نفسه . وقال عطاء nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ومحمد : يرد بعد السلام ، وهو قول أبي ذر nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يرد لفظا ولا إشارة بكل حال . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وجماعة : يرد إشارة لا نطقا ، ومن قال : يرد نطقا لم تبلغه الأحاديث .
[ ص: 269 ] وأما ابتداء السلام عليه ، فمذهبنا أنه لا يسلم عليه ، فإن سلم لم يستحق جوابا . وعن مالك روايتان : الكراهة والجواز .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : يرده في نفسه . وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف : لا يرد في الحال ، ولا بعد الفراغ .
وقوله : ( "إن في الصلاة شغلا " ) يعني : إن المصلي يشتغل بصلاته ، ولا يعرج على سلام ولا غيره . واكتفي بذكر الموصوف عن الصفة ، فكأنه قال : شغلا كافيا أو مانعا من الكلام وغيره .
واعلم أن شيخنا علاء الدين ذكر هنا في شرحه الكلام على الصلاة الوسطى في أوراق عدة ، وليس محل الكلام فيها ، ولا تعلق له بالباب وإن وقع في الآية ، وقد أفرده بالتأليف الحافظ شرف الدين الدمياطي فكفى ، وقد لخصته في أوراق ، وأشرت إليه في موضعه .