أما قوله : (قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه " ) فذكره بعده مسندا ، وأما قوله : (إذا كان النوح من سنته ) كذا في nindex.php?page=showalam&ids=14299الدمياطي وفي بعض النسخ باب : إذا كان النوح من سنته ، وضبطه بالنون ثم [ ص: 518 ] مثناة فوق ، وقال صاحب "المطالع " : وهو عند أكثر الرواة أي : بما سنه واعتاده ، إذ كان من العرب من يأمر بذلك أهله قال شاعرهم :
إذا مت فابكيني بما أنا أهله . . . وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
وهو الذي تأوله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وهو أحد التأويلات في الحديث ، ولبعضهم بالباء الموحدة المكررة أي : من أجله . وذكر عن محمد بن ناصر السلامي أن الأول تصحيف والصواب الثاني ، وأي سنة للميت ؟
وأما حديث : ( "كلكم راع " ) فسيأتي مسندا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في : (فإذا لم يكن النوح من سنته ) فيأتي في الباب مسندا .
وأما حديث أسامة فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : (حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16508عبدان ) ومحمد : هو ابن مقاتل ، ويأتي في الطب أيضا والنذور والتوحيد ، وأخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وابن ماجه .
[ ص: 519 ] وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : فهو من أفراده ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16799فليح بن سليمان : أراه يعني : الذنب ، وقال في آخر : وليقترفوا [الأنعام : 113] : ليكتسبوا ، وفي رواية للفريابي في "مسنده " : "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله " فلم يدخل عثمان القبر .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12531ابن أبي مليكة nindex.php?page=showalam&ids=11935وأبي بردة عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة فأخرجهما nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا .
إذا تقرر ذلك فالكلام في أمور :
أحدها :
بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - المرسلة ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12996ابن بشكوال وغيره أنها زينب ، والابنة المتوفاة nindex.php?page=showalam&ids=11715أم كلثوم ، ماتت سنة تسع . وفي "تاريخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الأوسط " :
[ ص: 520 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=693764لما ماتت رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله : "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة " فلم يدخل عثمان القبر . قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : لا أدري ما هذا ؟ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشهد رقية ، أي : لأنها ماتت وهو ببدر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : روى nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت nindex.php?page=showalam&ids=11715أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبرها قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=694195 "لا ينزل في قبرها أحد قارف الليلة " فذكر رقية فيه وهم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : يشبه قوله : شهدنا بنتا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أنها كانت ابنة لبعض بناته فنسبت إليه . وابنة عثمان هي أم أبان كما قاله أبو عمر ، لكن له ابنتان كل منهما أم أبان ، فالكبرى أمها رملة بنت شيبة بن ربيعة ، والصغرى أمها نائلة بنت الفرافصة ، فالله أعلم أيهما .
[ ص: 521 ] ثانيها :
إرسال ابنته إليه عند موت ابنها له فوائد : الأولى : بركة موعظته وشهوده . ثانيها : لما ترجو لنفسها من الصبر عند رؤيته . ثالثها : لئلا يظن حاسد أنه ليس لها عنده كبير مكان .
ثالثها :
قولها : (إن ابنا لي قبض ) تريد : قارب ذلك لا جرم ، قال ابن ناصر : حضر . وفي رواية أخرى nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري : احتضر . وفي أخرى له : ابنتي قد حضرت . والابن لا أعلم اسمه ، ومن خط nindex.php?page=showalam&ids=14299الدمياطي اسمه علي ، والبنت اسمها : أميمة . وقيل : أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع . ذكرها ابن بشكوال .
رابعها :
قوله : (فأرسل يقرئ السلام ) هو بضم الياء ، وروي بفتحها . قال ابن التين : ولا وجه له إلا أن يريد : يقرأ عليك . فيحتمل أن يكون فعل ذلك ; لشغل كان فيه ; أو لئلا يرى ما يوجعه ; لأنه كان بالمؤمنين رفيقا ، فكيف بذريته ؟! ولما يرى من وجع أمه ، فلما عزمت عليه رأى إجابتها .
[ ص: 522 ] خامسها :
"إن لله ما أخذ وله ما أعطى " أي : له الخلق كله ، وبيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ; لأنه لما خلق الدواة واللوح والقلم أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، لا معقب لحكمه .
سادسها :
قوله : (ونفسه تتقعقع كأنها شن ) الشن : السقاء البالي ، وضبطه بعضهم بكسر الشين ، وليس بشيء ، وقعقعته : صوته عند التحريك ، وذلك ما يكون من المحتضر من تصعيد النفس ، وفي رواية : كأنها شنة .
وقوله : ( "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده " ) وفي لفظ : "في قلوب من شاء من عباده " وقد صح أن الله تعالى خلق مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين وجعل في عباده رحمة ، فبها يتراحمون ويتعاطفون وتحن الأم على ولدها ، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى التسعة والتسعين ، فأظل بها الخلق ، حتى إن إبليس -رأس الكفر- يطمع لما يرى من رحمة الله -عز وجل- .
سابعها :
قوله : (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ) . الظاهر -والله أعلم- أن المراد : جالس بجانبه ، واستدل به ابن التين على إباحة الجلوس على [ ص: 523 ] القبر ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت وعلي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وعطاء : لا تجلس عليه . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والجمهور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=674733 "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " .
ونقله النووي في "شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " عن الأصحاب ، وتأوله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وخارجة بن زيد على الجلوس لقضاء الحاجة ، وهو بعيد .
فرع :
لا يوطأ أيضا إلا لضرورة ويكره أيضا الاستناد إليه احتراما .
[ ص: 524 ] ثامنها :
(فرأيت عينيه تدمعان ) : هو بفتح الميم ، قال ابن التين : المشهور في اللغة أن ماضيه : دمع بفتح الميم ، فيجوز في مستقبله تثليث العين ، وذكر أبو عبيدة لغة أخرى أن ماضيه : مكسور العين فيتعين الفتح في المستقبل ، وفعله - صلى الله عليه وسلم - هذا دال على أن النهي عن البكاء إنما هو عن الصياح كما سيأتي .
تاسعها :
فيه استحباب إدخال القبر الرجال ولو كان الميت امرأة ; لأنه يحتاج إلى قوة ، وهم أحرى بذلك ، وأيضا لا يخشى عليهم انكشاف العورة ، وقد أمر الشارع nindex.php?page=showalam&ids=86أبا طلحة أن ينزل في القبر المذكور .
ومعنى : "لم يقارف " بالقاف السابقة ثم بالفاء اللاحقة في آخره ، وقد أسلفنا عن فليح أنه قال في الأصل بعد هذا : أي : لم يذنب . وقيل : لم يجامع أهله ، وهو أظهر ، وإنما أراد بعد الطهارة لما يرجى في ذلك للمنزولة في قبرها ، وعلل أيضا بأنه حينئذ يقرب بالتلذذ بالنساء ، والمدفونة امرأة ، فخاف عليه أن يذكره الشيطان ما كان فيه تلك الليلة ، ويقال : إن تلك الليلة بات عثمان عند بعض جواريه فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك ، فمنعه من النزول في قبرها ; لأنه لم ينظر في نفسه انقطاع صهارته من سيد الخلق في الصورة ، ولا تألم لفراق زوجته ، ولا استحب حكاية هذا ، وهو من حسن لطفه أنه لم يؤاخذ أحدا بما فعل ولكن يعرض ، وهكذا كان دأبه - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 525 ] فرع :
لو تولى النساء حل ثيابها في القبر فحسن ، نص عليه في "الأم " .
العاشرة :
فيه دلالة على أنه ليس بذي محرم منها ، وإن لم يكن ذو محرم فيختار منهم من يدليها ، قاله ابن التين ، قال : وقد يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - نزل في قبرها واستعان بمن دلاها معه .
الحادية عشرة :
حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وابنه : "إن الميت يعذب ببكاء الحي " وإنكار nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بقولها : رحم الله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وابنه ، ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، ولكنه قال : "إن الله ليزيد الكافر ببكاء أهله عليه عذابا " . وقالت : حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام : 164] .
وفيه نظر من وجوه بينها nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي :
أحدها : أن الذي روته nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة حديث وهذا حديث ، ولا تناقض بينهما ، لكل واحد منهما حكمه .
ثانيها : أنها أنكرت برأيها ، وقول الشارع عند الصحة لا يلتفت معه إلى رأي أحد .
ثالثها : أن ما ذكرته لا يحفظ عن غيرها ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر محفوظ عنه وعن ابنه والمغيرة ، وهم أولى بالضبط .
وقد اختلف العلماء في معنى تعذيبه ببكاء أهله عليه على أقوال :
[ ص: 527 ] أصحها : وهو تأويل الجمهور على أنه محمول على من أوصى به ، كما كانت العرب تفعله ; لأنه بسببه وهو منسوب إليه ، وإليه ذهب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في قوله : إذا كان النوح من سنته -يعني : أنه يوصي بذلك- أو من سببه بها على ما سلف ، وهو قول الظاهر ، وأنكروا قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وأخذوا بالأحاديث السالفة .
ثالثها : كانوا يعددون في نواحهم جرائم الموتى ويظنونه محمودا كالقتل وشن الغارات ، فهو يعذب بما ينوحون به عليه ، وقيل : يقال للميت إذا ندبوه : أكنت كذاك ؟ فذاك التوبيخ عذاب .
رابعها : إن قوله : ( "ببكاء " ) أي : عند بكاء أهله يعذب بذنبه ، قال القاضي حسين : يجوز أن يكون الله قدر العفو عنه ، إن لم يبكوا عليه ،
خامسها : أنه محمول على الكافر وغيره من أصحاب الذنوب ، صححه الشيخ أبو حامد .
سادسها : أنه مخصوص بشخص بعينه ، ذكره القاضي أبو بكر بن
الطيب احتمالا ، وذهبت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إلى أن أحدا لا يعذب بفعل غيره ، وهو إجماع للآية السالفة ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام : 164] .
وقوله : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) [الأنعام : 164] وكل حديث أتى فيه النهي عن البكاء فمعناه : البكاء الذي يتبعه الندب والنياحة عند العلماء ، فإنه إذا يسمى بكاء ; لأن الندب على الميت كالبكاء عليه ، فإن البكاء بالمد : الصوت . وبالقصر : الدمع ، كما نص عليه أهل اللغة : الخليل والأزهري والجوهري وغيرهم .
والإشكال في تعذيب الحي بذلك للنهي عنه ، وأما تعذيب الميت فقد علمت ما فيه ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي عن بعض أهل العلم أن معظم عذاب المعذب في قبره يكون عند نزوله لحده ، وما ذهبت إليه nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أشبه بدلائل الكتاب ، وما زيد في عذاب الكافر باستيجابه لا بذنب غيره ; لأنه إذا بكي عليه تذكر فتكاته وغاراته ، فهو مستحق للعذاب بذلك ، وأهله يعدون ذلك من فضائله ، وهو يعذب من أجلها ، فإنما يعذب بفعله لا ببكاء أهله عليه ، هذا معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه . وهو موافق لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى . وقد اختلف في معنى هذه الآية ، فقيل : إنه المذنب [ ص: 529 ] لا يؤخذ غيره بذنبه . وقيل : لا يعمل المرء بالإثم اقتداء بغيره كما قال الكفار : إنا وجدنا آباءنا على أمة [الزخرف : 22] . وإذا أول الحديث السالف ، خرج عن معنى ما أنكرته ، ولكن تأويل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في قوله لصهيب : أتبكي علي ؟ ثم ذكر الحديث يدل على أن الحديث محمول على ظاهره لا كما فهمت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، على أن nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي قال : قول nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : إن الله ليزيد الكافر . إلى آخره ردا لقولها : ولا تزر وازرة وزر أخرى وما أرى هذا محفوظا عنها ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الله أضحك وأبكى ، يعني : أنه لم يذكر ذلك إلا بحق ، وأنه أذن في الجميل منه ، فلا يعذب على ما أذن فيه ، ويؤيد ذلك قوله : "إنما هي رحمة يضعها الله في قلوب عباده " .