هذا الحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هنا كما ترى، وأخرجه قريبا في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين القبل والدبر، عن أبي الوليد، عن سفيان به، وقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=650171 "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا"، وأخرجه في البيوع: عن أبي نعيم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري به.
[ ص: 38 ] وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم هنا عن nindex.php?page=showalam&ids=16696عمرو الناقد وغيره، عن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة به.
له ولأبويه صحبة، ولأخيه حبيب بن زيد الذي قطعه مسيلمة عضوا عضوا، فقضى أن عبد الله هو الذي شارك وحشيا في قتل مسيلمة، وهو راوي هذا الحديث، وحديث صلاة الاستسقاء أيضا الآتي في بابه، وغيرهما من الأحاديث كما ستعلمه.
ووهم nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فزعم أنه الذي أري الأذان أيضا، وهو عجيب؛ فإن ذاك nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد بن عبد ربه بن ثعلبة بن زيد الأنصاري، فكلاهما اتفقا في الاسم واسم الأب والقبيلة، وافترقا في الجد والبطن من القبيلة؛ فالأول مازني، والثاني حارثي، وكلاهما أنصاريان خزرجيان؛ فيدخلان في نوع المتفق والمفترق.
وممن غلط nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة في ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في "صحيحه" في باب الاستسقاء. كما ستعلمه هناك إن شاء الله تعالى وقدره.
ثم عبد الله صاحب الترجمة له ثمانية وأربعون حديثا، اتفقا على ثمانية منها، وذاك اشتهر له حديث واحد، وهو حديث الأذان، حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيما نقله nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عنه: لا نعرف له غيره. لكنا ظفرنا [ ص: 39 ] له بحديث ثان وثالث وذكرتهما في تخريجي لأحاديث الرافعي.
قتل صاحب الترجمة في ذي الحجة بالحرة عن سبعين سنة، وكانت الحرة في آخر سنة ثلاث وستين، وهو أحدي، وقال ابن منده nindex.php?page=showalam&ids=11797وأبو أحمد الحاكم وأبو عبد الله صاحب "المستدرك": إنه بدري، وهو وهم.
فائدة:
ليس في الصحابة من اسمه nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد بن عاصم سوى هذا، وفيهم أربعة أخر اسم كل منهم عبد الله بن زيد، منهم صاحب الأذان.
فائدة أخرى:
عبد الله بن زيد هذا هو عم عباد من قبل أمه، وقيل: من قبل أبيه فتنبه له.
وأما عباد بن تميم بن غزية فهو أنصاري مازني مدني ثقة. قال: أعي يوم الخندق وأنا ابن خمس سنين.
[ ص: 40 ] فينبغي إذن أن يعد في الصحابة، وليس فيهم من يسمى عباد بن تميم سواه (إذن) وقد عده الذهبي فيهم، ووقع في بعض نسخ nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه رواية عباد عن أبيه، عن عمه حديث الاستسقاء، وتبعها ابن عساكر، والصواب عن عبد الله بن أبي بكر قال: سمعت عباد بن تميم يحدث أبي عن عمه الحديث.
وأما nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري فسلف التعريف بهما، وليس في الكتب الستة من اسمه nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب سوى هذا الإمام، بل، ولا يحضرني في غيرها أيضا.
nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان: هو ابن عيينة، سلف، وكذا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني.
فائدة:
هذا الإسناد كلهم من رجال الكتب الستة، إلا nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني؛ فإنه من رجال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي فقط، وجميع رجاله مدنيون، خلا nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني؛ فإنه بصري، وخلا سفيان؛ فإنه مكي.
الوجه الثالث:
قول nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، (عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب وعن عباد بن [ ص: 41 ] تميم، عن (عمه)؛ يعني به أن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري رواه عنهما جميعا، أعني: nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، وعباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة: وقوله: "فليقل: كذبت" أراد بضميره، لا بالنطق.
قلت: رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان تؤيد ما قاله، وزعم بعض العلماء أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر الصوت لمن حاسة شمه معلولة، والريح لمن حاسة سمعه معلولة.
وقد أسلفنا في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة السالف في باب: لا تقبل صلاة بغير طهور. أنه يجوز أن يكون أشار به؛ لكونه أنه الواقع في الصلاة، فإن غيره، كالبول مثلا، لا يعهد فيها.
[ ص: 43 ] الرابعة: معنى الحديث أنه يمضي في صلاته ما لم يتيقن الحدث، ولم يرد تخصيص هذين النوعين من الحدث، وإنما هو جواب خرج حذو سؤال السائل، لا يعني الوضوء إلا من أحدهما.
ودخل في معناه كل ما يخرج من السبيلين؛ من بول، أو غائط، أو مذي، أو ودي، أو دم، وقد يكون بأذنه وقر فيخرج الريح ولا يسمع له صوتا، وقد يكون أخشم فلا يجد الريح. والمعنى إذا كان أوسع من الاسم كان الحكم للمعنى.
الخامسة: قوله: (لا ينفتل - أو لا ينصرف)؛ الظاهر أنه شك من الراوي. ووقع في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: "ولا ينصرف" بحذف الهمزة. وقد أسلفنا رواية أخرى nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري: "لا ينصرف" من غير شك.
السادسة: هذا الحديث كما قدمناه أصل من أصول الإسلام، وقاعدة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها [ ص: 44 ] حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها.
والعلماء متفقون على هذه القاعدة، ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رحمه الله روايتان:
إحداهما: يلزمه الوضوء مطلقا; نظرا إلى الأصل الأول قبل الطهارة، وهو ترتب الصلاة في الذمة، فلا تزال إلا بطهارة متيقنة، ولا يقين مع وجود الشك في وجود الحدث.
والثانية: إن كان شكه في الصلاة لم يلزمه الوضوء، وإن كان خارجها لزمه، وليس هذا وجها عندنا، وإن وقع في (الرافعي) و(الروضة) فلا أصل له كما أوضحته في (شرح العمدة)، و(شرح المنهاج)، وبعض الشراح حكى الأول وجها عندنا أيضا، وهو غريب.
[ ص: 45 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رواية ثالثة رواها ابن نافع أنه لا وضوء عليه كما قاله الجمهور، حكاها nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال عنه.
ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض، ثم nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي عن nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب المالكي أن هذا الشك في الريح دون غيره من الأحداث، وكأنه تبع ظاهر الحديث، واعتذر عنه بعض المالكية بأن الريح لا يتعلق بالمحل منه شيء بخلاف البول والغائط.
وعن بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه إن كان الشك في سبب حاضر كما في الحديث طرح الشك، وإن كان في سبب متقدم فلا.
السابعة: لا فرق في الشك عند أصحابنا بين تساوي الاحتمالين في وجود الحدث وعدمه وبين ترجح أحدهما وغلبة الظن في أنه لا وضوء عليه، فالشك عندهم خلاف اليقين، وإن كان خلاف الاصطلاح الأصولي، وقولهم موافق لقول أهل اللغة: الشك خلاف اليقين.
نعم، يستحب الوضوء احتياطا، فلو بان حدثه أولا فوجهان:
أصحهما: لا يجزئه هذا الوضوء; لتردده في نيته، بخلاف ما إذا [ ص: 46 ] تيقن الحدث وشك في الطهارة فتوضأ ثم بان محدثا، فإنه يجزئه قطعا; لأن الأصل بقاء الحدث، فلا يضر التردد معه.
فرع:
لو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث بالإجماع، وهو داخل في القاعدة السالفة.
فرع:
لو تيقن الطهارة والحدث معا وشك في السابق منهما، فأوجه:
أصحها: أنه يأخذ بضد ما قبلهما إن عرفه، فإن لم يعرفه لزمه الوضوء بكل حال، والمختار لزوم الوضوء مطلقا، ومحل بسط المسألة في كتب الفروع، وقد أوضحتها في "شرح المنهاج" وغيره.
الثامنة: من مسائل القاعدة التي اشتمل عليها معنى الحديث: من شك في طلاق زوجته، أو عتق عبده، أو نجاسة الماء الطاهر، أو طهارة المنجس، أو نجاسة الثوب أو غيره، أو أنه صلى ثلاثا أو أربعا، أو أنه ركع أو سجد أولا، أو نوى الصوم، أو الصلاة، أو الوضوء، أو الاعتكاف، وهو في أثناء هذه العبادات، وما أشبه هذه الأمثلة، فكل هذه الشكوك لا تأثير لها، والأصل عدم الحادث.
وقد استثنى من هذه القاعدة بضع عشرة مسألة:
منها: من شك في خروج وقت الجمعة قبل الشروع فيها - قيل: أو فيها- ومن شك في ترك بعض وضوء أو صلاة بعد الفراغ لا أثر له [ ص: 47 ] على الأصح، ومنها عشر ذكرهن ابن القاص - بتشديد الصاد المهملة- من أصحابنا: الشك في مدة خف وأن إمامه مسافر أو وصل وطنه أو نوى إقامة، ومستحاضة شفيت، وغسل متحيرة، وثوب خفيت نجاسته، ومسألة الظبية، وبطلان التيمم بتوهم الماء، وتحريم صيد جرحه فغاب فوجده ميتا.
قال القفال: لم يعمل بالشك في شيء منها; لأن الأصل في الأولى الغسل، وفي الثانية الإتمام، وكذا في الثالثة والرابعة إن أوجبناه، والخامسة والسادسة اشتراط الطهارة ولو ظنا أو استصحابا، والسابعة بقاء النجاسة، والثامنة لقوة الظن، والتاسعة للشك في شرط التيمم وهو عدم الماء، وفي الصيد تحريمه إن قلنا به. وقول ابن القاص أقوى في غير الثامنة والتاسعة والعاشرة كما قاله النووي، وليس هذا موضع بسطه.
التاسعة: فيه حجة كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي لمن أوجب الحد على من وجدت منه رائحة (المسكر) وإن لم يشاهد شربه، ولا شهد عليه الشهود، ولا اعترف به.
[ ص: 48 ] العاشرة: (فيه مشروعية سؤال العلماء عما يحدث من الوقائع، وجواب السائل.
الحادية عشرة: فيه أيضا كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي في "شرحه": ترك الاستحياء) في العلم، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلمهم كل شيء، وأنه يصلي بوضوء صلوات ما لم يحدث.
ومن تراجم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عليه باب: من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات، ووجهه أنه نهى عن العمل بمقتضى الوسواس; لأن يقين الطهارة لا يقاومه الشك، ففيه تنبيه على ترك الوسواس في كل حال، وأدخله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في معرفته في باب: عدة زوجة المفقود.
وقد أسلفنا عن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه أدخله أيضا في باب: من لم ير الوضوء إلا من المخرجين.
واعترض عليه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي فقال: لا معنى للاستدلال به في ذلك، ولا في نقض تيمم المصلي، وإن كان قد أولع به أهل الجدل من أصحابنا; لأنه ليس مما قصد بالجواب والسؤال، ولا هو واقع تحت الجنس من معقول (الباب).
قلت: ونختم الكلام على الحديث بما روينا عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول قال: جاء رجل إلى nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فقال: شربت البارحة نبيذا فلا أدري أطلقت امرأتي أم لا. فقال له: المرأة امرأتك حتى تستيقن أنك طلقتها.
قال: فتركه ثم جاء إلى nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري، فسأله. فقال: اذهب فراجعها، فإن كنت قد طلقتها فقد راجعتها، وإلا فلا تضرك المراجعة.
فتركه وجاء إلى شريك فقال له: اذهب فطلقها ثم راجعها.
فتركه وجاء إلى nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر فسأله فقال: هل سألت أحدا قبلي؟ قال: نعم. وقص القصة، فقال في جواب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة: الصواب قال لك، وقال في جواب سفيان: ما أحسن ما قال، ولما بلغ إلى قول شريك ضحك مليا.
ثم قال: لأضربن لهم مثلا: رجل مر بمثعب يسيل دما، فشك في ثوبه هل أصابته نجاسة؟ قال له nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: ثوبك طاهر حتى تستيقن، وقال سفيان: اغسله، فإن كان نجسا فقد (طهرته) وإلا فقد زدته طهارة، وقال شريك: بل عليه ثم اغسله.