الشرح : أما الآية : فنزلت في بقية من الربا في حق جماعة من الصحابة ، والآية مدنية ، ويدل على تاريخها حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة السالف في الباب قبله ، وحرمت الخمر في شهر ربيع الأول سنة أربع .
[ ص: 163 ] نزلت في الربا وأعم ، فنظرة : أي : تأخير ، فينظر في دين الربا ، أو مطلقا ، أو الإنظار ، في دين الربا نصا ، وفي غيره قياسا ، ميسرة : يسار ، وقيل : الموت ، وأن تصدقوا على المعسر بالإبراء خير من الإنظار إلى الله إلى جزائه أو ملكه ، ما كسبت من الأعمال أو الثواب والعقاب ، لا يظلمون بنقص ما يستحقونه من الثواب ، ولا بزيادة على ما يستحق به من العقاب . وما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أسنده في تفسيره من طريق nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عنه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدها سبع ليال .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أحدا وثمانين يوما .
واعترض nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي فقال : إما أن يكون وهم من بعض الرواة أو اختلافا من القول ، وقد قيل : إن آخر آية نزلت : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله [البقرة : 281] والوهم ; لقربها منها ، وقيل : آخر آية نزلت : لقد جاءكم رسول [التوبة : 128] من آخر سورة براءة ، وفي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بعد هذا ; آخر سورة نزلت براءة ، وآخر آية نزلت خاتمة النساء : يستفتونك الآية [النساء : 176] .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=9473أبي جحيفة من أفراده ، وذكره في باب : ثمن الكلب وغيره ، وفي بعض طرقه زيادة : (كسب الأمة) وفي أخرى : (وكسب البغي) ، وتفرد منه بلعن المصور أيضا .
[ ص: 165 ] وإذا تقرر ذلك :
فقد سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين موكل الربا وآكله في النهي : تعظيما لإثمه ، سوى بين الراشي والمرتشي في الإثم .
[ ص: 166 ] وموكل الربا : هو معطيه ، وآكله : الذي يأخذه . وأمر الله تعالى عباده بتركه والتوبة منه بقوله : اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [البقرة : 278] ، وتوعد تعالى من لم يتب منه بمحاربة الله ورسوله ، وليس في جميع المعاصي ما عقوبتها محاربة الله ورسوله غير الربا ، فحق [ ص: 167 ] على كل مؤمن أن يجتنبه ولا يتعرض لما لا طاقة له به من المحاربة المذكورة ، ألا ترى فهم nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة هذا المعنى حين قالت للمرأة التي قالت لها : بعت من nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم جارية إلى العطاء بثمانمائة درهم ، ثم ابتعتها بستمائة درهم . فقالت لها nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : بئس ما شريت ، أبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لم يتب . ولم تقل [ ص: 168 ] . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[ ص: 169 ] لها : إنه أبطل صلاته ولا صيامه ولا حجه ، فمعنى ذلك -والله أعلم- أن من جاهد في سبيل الله فقد حارب محاربة الله ، ومن أربا فقد أبطل حربه عن الله ، فكانت عقوبته من جنس (ذنبه) .
[ ص: 170 ] وهذه الأشياء المنهي عنها في الحديث مختلفة الأحكام ، فمنها ما هو على سبيل التنزه ككسب الحجام ، ومنها ما هو على سبيل التحريم كثمن الكلب عندنا ، وكره عند المالكية للضعة والسقوط في حقه ، ومنها حرام بين كالربا . وأما اشتراء nindex.php?page=showalam&ids=9473أبي جحيفة الحجام ، ثم قال : (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الدم (بمحجمه) . وتخلص من إعطاء الحجام أجرة حجامته ; خشية أن يواقع نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الدم على ما تأوله في الحديث ، وقد جاء هذا مبينا في باب ثمن الكلب بعد هذا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16733عون بن أبي جحيفة : رأيت أبي اشترى (عبدا) حجاما ، فأمر بمحاجمه فكسرت ، فسألت عن ذلك ، فقال : nindex.php?page=hadith&LINKID=915097نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الدم . وإنما فعل ذلك على سبيل التورع والتنزه ، وسيأتي القول في كسب الحجام بعد هذا .
وقد اختلف العلماء في بيع الكلب ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجوز بيعها ، كلها سواء كان كلب صيد أو حرث أو ماشية أو غير ذلك ، ولا قيمة فيها ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وحماد والحسن .
واختلفت الرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في بيعه ، فقال في "الموطأ" : أكره بيع الكلب الضاري وغيره ; لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن الكلب .
[ ص: 171 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه كان يأمر ببيع الكلب الضاري في الميراث والدين والمغانم ، وكان يكره بيعه الرجل ابتداء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع : وإنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ثمن العقور .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : لا بأس بشراء كلاب الصيد ، ولا يعجبني بيعها .
وكان ابن كنانة وسحنون يجيزان بيع كلاب الصيد والحرث والماشية .
قال سحنون : ويحج بثمنها . وهو قول الكوفيين . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إن قتل كلب الدار فلا شيء فيه ، إلا أن يسرح مع الماشية .
وفي "مختصر nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب" : وفي كلب الصيد قولان . وقال أبو عبد الملك : يجوز في القسم والمواريث دون غيرها . وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : من قتل كلبا لرجل ليس بكلب صيد ولا ماشية فعليه قيمته ، وكذلك السباع كلها . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : الكلب لا يباع في مقاسم المسلمين ، هو لمن أخذه .
حجة nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي حديث الباب ، فإن النهي فيه عام .
حجة المخالف أن الله تعالى لما أباح لنا الذي علمناه أفاد لنا ذلك إباحة التصرف فيها بالإمساك والبيع وغير ذلك ، وما قالوه هو عين النزاع .
قالوا" : وما في الآية بمعنى : الذي ، التقدير : الذي أحل لكم من الطيبات والذي علمتم من الجوارح مكلبين ، وهذا قول جماعة من السلف . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : أنه جعل القيمة في كلاب الصيد ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء مثله ، وقال : لا بأس بثمن الكلب السلوقي . وعن nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي مثله .
[ ص: 172 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب : في قتل المعلم القيمة . وأوجب nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فيه أربعين درهما ، وفي كلب ماشية شاة ، وفي كلب الزرع فرقا من طعام ، وفي كلب الدار فرقا من تراب - أي : تراب المعدن دون الرماد .
ويقضى على صاحب الكلب بأخذه كما يقضى على الآخر بدفعه ، وأجاز عثمان الكلب الضاري في المهر ، وجعل فيه عشرين من الإبل على من قتله .
وأما النهي عن ثمن الدم فهو على التنزيه على المشهور ، وبه قال الأكثرون ، وهو مشهور مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، فإنه - عليه السلام - أعطاه أجرة ، ولو كان حراما لم يعطه ، وقال لمحيصة : "اعلفه ناضحك ، وأطعمه رقيقك" .
ونقل ابن التين عن كثير من العلماء أنه جائز من غير كراهة ، كالبناء ، والخياطة ، وسائر الصناعات ، والنهي عن ثمن الدم السائل الذي حرم الله تعالى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=9473أبو جحيفة : أجرة الحجام من ذلك . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ; لأنه قرنه بمهر البغي ، وهو حرام ، فكذا هو . قالوا : ولأن عمله غير معلوم ، وكذا مدة عمله ، فالإجارة فاسدة . وقال آخرون : إنه [ ص: 174 ] يأخذها على أخذ الشعر ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : إذا رأى الشعر قبله . وقال الآخرون : يجوز للمحتجم إعطاؤها ، ولا يجوز للحجام أخذها . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة . فإن الشارع أعطاها مع أنه قال : " إن كسبه خبيث" وفي رواية : "سحت" ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير إلا أنه قال : يعلفها ناضحه ومواشيه ولا يأكله ، فإن أكله كان حراما . وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وبه قال فقهاء المحدثين : يحرم على الحر دون العبد ; لحديث : "اعلفه ناضحك ورقيقك" رواه حرام بن محيصة ، عن أبيه مرفوعا .
[ ص: 175 ] قالوا : ولا يجوز للحر أن يحترف بالحجامة ، وإن كان غلامه حجاما لم ينفق على نفسه من كسبه ، وإنما ينفقه على العبيد وعلى بهائمه . والقصد بالحجام : الذي يحجم ليس الذي يزين الناس .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : أن أجرة الحجام إنما كرهت ; لأنه مما يعين به المسلم أخاه إذا احتاج إليه ، فلا ينبغي له أن يأخذ من أخيه على ذلك أجرا .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب : أن قريشا كانت تتكرم في الجاهلية عن كسب الحجام ; فلذلك جاء فيه النهي على وجه التكرم والأنفة عن دقائق الأمور . وروى ربيعة أنه قال : كان للحجامين سوق على عهد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، ولولا أن يأنف رجال لأخبرتك عن آبائهم أنهم كانوا حجامين .
وقال يحيى بن سعيد : لم يزل المسلمون مقرين بأجر الحجامة ولا ينكرونها .
وحاصل الخلاف : كراهة التنزيه ، التحريم مطلقا ، الفرق بين الحر والعبد ، يجوز الإعطاء دون الأخذ . قول nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
فصل :
قوله : (ونهى عن الواشمة والموشومة) ; أي : عن فعل الواشمة .
والوشم : أن يغرز ظهر كف المرأة ومعصمها بإبرة ، ثم يحشى بالكحل و (النئور) فيخضر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : فيسود موضعه إذا حشي بالإثمد ، وهو من عمل الجاهلية ، وفيه تغيير لخلق الله .
[ ص: 176 ] والموشومة : التي يفعل ذلك بها ، وفي حديث آخر : "الموتشمة" ، وفي آخر : "المستوشمة" . وفسر العتبي في حديث آخر "لعن الواشمة" : أي : التي تنتحل .
فصل :
وقوله : (وآكل الربا) : قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : هو الذي يأكله ، كان هو المربي أو غيره . وقال القزاز : هو الذي يعمل به ويأكل منه ، وموكله : الذي يزيد في المال ; لأنه هو الذي جعل له ذلك وأطعمه إياه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي موكله : الذي يطعمه غيره ، وهذا من قوله تعالى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان [المائدة : 2] . قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : وإنما سوى في الإثم بين آكله وموكله وإن كان أحدهما هو الرابح مغتبطا والآخر منهضما ; لأنهما في الفعل شريكان ، ولله حدود لا تتجاوز في حال العدم والوجد .
فصل :
قوله : (ولعن المصور) : ظاهره العموم ، وخفف منه ما لا روح فيه كالشجر . وجاء أنه يقال لهم يوم القيامة : "أحيوا ما خلقتم" . وسيأتي باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك ، والنهي عن كسب الإماء ; لأنه رذيلة .