هذا الحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا ، فكان إذا بايع يقول : لا خلابة .
وهذا الرجل هو حبان بن منقذ ، بفتح الحاء المهملة ثم باء موحدة مفتوحة ، شهد أحدا وأصابته آفة في رأسه ، وولد ولده محمد بن يحيى بن حبان ، روى له الجماعة ، وعمه واسع بن حبان أخرجوا له أيضا ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي لابنه حبان . وقيل : إن هذه القصة لمنقذ بن عمرو ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : وهو أصح . وعاش منقذ مائة وثلاثين سنة كما سيأتي .
وفي "الاستيعاب" أنه منقذ ، وذلك محفوظ من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وغيره . nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم ذكره من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في ولده حبان ، ثم قال :
قال nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : وحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال : هو جدي منقذ بن عمرو ، وكان رجلا قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله ، وكان لا يدع التجارة ولا يزال يغبن .
وفي nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني لما عمي قال له - عليه السلام - ذلك . ولابن حزم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق : أن منقذا سفع في رأسه مأمومة في الجاهلية فحلت لسانه .
وفيه : "وأنت بالخيار ثلاثا" .
[ ص: 270 ] وقال الجياني : شج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض الحصون بحجر . قال صاحب "المطالع" : وكان ألثغ لا يعطيه لسانه إخراج اللام ، وكان ينطق به ياء أو ذالا معجمة ، وصحف من قال : لا خيانة .
و (الخلابة) : المخادعة ، فلا خلابة ، أي : لا خديعة ، ولا غش ، ولا كيد ، ولا غبن ونحو ذلك . قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : أي : لا تخلبوني فإنه لا يحل ، فإن اطلعت على عيب رجعت به .
واختلف الفقهاء فيمن باع بيعا غبن فيه غبنا لا يتغابن الناس بمثله ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : إن كانا عارفين بتلك السلعة وبأسعارها في وقت البيع لم يفسخ ولو كثر الغبن ، وإن كانا أو أحدهما غير عارف بتقلب السعر وتغيره وتفاوت الغبن فسخ البيع ، إلا أن يريد أن يمضيه . ومن أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك من اعتبر مقدار ثلث السلعة ، ولم يجد nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في ذلك حدا . ومذهبه إذا خرج عن تغابن الناس في مثل تلك السلعة أنه يفسخ . وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : ليس له أن يفسخ في الغبن وإن كثر ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : وحجتهم هذا الحديث ; لأن من يخدع في عقله بضعف يلحقه الغبن في عقوده ، فجعل له الشارع الخيار لما يلحقه من ذلك ، فلو كان الغبن شيئا يملك به فسخ العقد لما احتاج إلى شرط خيار مع استغنائه عنه .
[ ص: 271 ] قلت : ذلك بأنه - عليه السلام - قال : "لك الخيار" ولم يقل له : اشترط الخيار . وقال له : ("قل : لا خلابة") أي : لا خديعة ، فلو كان الغبن مباحا لم يكن لقوله : "لا خلابة" معنى ، ولم ينفعه ذلك ، فلما كان ذلك ينفعه جعل له الشارع الخيار بعد ذلك ، لينظر فيما باعه ويسأل عن سعره ويرى رأيه فيه ، وإنما جعل ذلك في حبان ليعلمنا الحكم في مثله ، وإنما تعرف الأحكام بما يبينه ، فبين من يغبن في بيعه إذا لم يكن عارفا بما يبيعه . وأيضا فقد جعل الشارع الخيار للمتلقي لأجل الغبن ، واعترضه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم بأن فيه الخيار إلى دخول السوق ، ولعله لا يدخله إلا بعد عام أو أكثر .
قلت : خلاف الغالب ، وأيضا لو ابتاع سلعة فوجد بها عيبا كان له الخيار في الرد لأجل النقص الموجود بها ، فلا فرق بين أن يجد النقص بالسلعة أو بالثمن ; لأنه في كلا الموضعين قد وجد النقص الذي يخرج به عن القصد ، ولا يرد الغبن اليسير ; لاحتماله غالبا .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه سئل عن جاهل باع حجرا أو درة بدرهمين فألفاه ، أي : وجده المشتري ياقوتة فلم ير فيه رجوعا ; لأن الغلط ماض على البائع والمبتاع في المساومة ، وإنما يرد في البيع على المرابحة ، إلا أن يبيعه بائعه على أنه زجاج فألفاه المشتري ياقوتة ، فإنه يرد البيع ، وكذلك لو باعه على أنه ياقوت فألفاه المشتري زجاجا ، يرد أيضا .
وزعم nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر أن هذا خاص بحبان ، وأن الغبن بين المتبايعين [ ص: 272 ] لازمه ، ولا خيار للمغبون بتسببها ، سواء قلت أو كثرت ، وهو أصح الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وقال البغداديون من أصحابه : للمغبون الخيار بشرط أن يبلغ الغبن ثلث القيمة . وكذا حده أبو بكر بن موسى من الحنابلة . وقيل : السدس ، وعن داود : العقد باطل . ويؤيد الخصوص رواية nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن حبان ، عن طلحة بن يزيد بن ركانة أنه كلم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في البيوع ، فقال : ما أجد لكم شيئا مما جعله سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبان ، ورواية nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة أيضا عن حبان بن واسع ، عن أبيه ، عن جده ، قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب الحديث ، لكنهما ضعيفان .
وتمسك بهذا الحديث من لا يرى الحجر على الكبير ، لا سيما وقد جاء في بعض طرقه أن أهل هذا الرجل سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحجر عليه لما في عقوده من الغبن ، فلم يحجر عليه ، وأمره بقوله : "لا خلابة" .
قلت : قد يقال : إن الحجر عليه يؤخذ منه ; لأنهم سألوه ما أنكر عليهم ، وقد قال له : "قل : لا خلابة ، ولك الخيار ثلاثا" . ويروى : "واشترط الخيار ثلاثا" .
[ ص: 273 ] ويجوز أن يكون تركه لكونه يسيرا لا يحجر بمثله .
قال الدودي : أسفر لنفسه فدله على وجه يختص به ، ولم يضرب على يديه . وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي بأنه يحتمل أن تكون الخديعة كانت في العيب أو في الغبن أو في الكذب أو في الثمن أو في العين .
وليست قضية عامة فتحمل على العموم ، وإنما هي خاصة في عين وحكاية حال . وعند المالكية خلاف في الحجر على من يخدع في بيعه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان : نعم . وقال غيره : لا ; عملا بهذا الحديث ، واستدل به على أن بيع السفيه إذا لم يكن عليه وصي على الجواز حتى يضرب على يده ، لإجازة الشارع ما تقدم من بيوعه .
وعورض بأنه يحتمل أن يكون بائعه غير معروف أو غائبا . وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : يفسخ بيعه وإن لم يضرب على يديه ، وخالفه جميع أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : من قال حين يبيع أو يبتاع : لا خلابة ، فله الخيار ثلاث ليال بما في خلالهن من الأيام ، إن شاء رد بعيب أو بغيره أو بخديعة أو بغيرها بغبن أو بغيره ، وإن شاء أمسكه ، فإذا انقضت الليالي الثلاث بطل خياره ولزمه ، ولا رد إلا من عيب إذا وجد ، فإن قال لفظا غير : لا خلابة بأن يقول : لا خديعة ، أو لا غش ، أو لا كيد ، أو لا غبن ، أو لا منكر ، أو لا عيب ، أو لا ضرر ، أو على السلامة ، أو لا داء ، أو لا غائلة أو لا خبث ، أو نحو هذا لم يكن له الخيار المجعول لمن قال : لا خلابة ; لكن إن وجد شيئا مما بايع على أن لا يعقد بيعه عليه بطل البيع ، وإن لم يجده لزم البيع .
[ ص: 274 ] وحكى ابن التين قولا أن معنى : لا خلابة في صفة النقد ، وفي وفاء الوزن والكيل ، قال : ويحتمل أن يأمره بذلك على وجه الإعذار لبائعه . وقيل : إنه - عليه السلام - جعل له ذلك علامة يثبت له بها الخيار ثلاثا . واحتج به على جواز اشتراطه للبائع والمشتري والأجنبي ; لإطلاق الحديث .
وفيه : ما كان القوم عليه من أداء الأمانة لمن عاملهم والنصح لمن استنصحهم .