[ ص: 422 ] ثم ذكر بعده عنها حديثا آخر بنحوه ، وهو حديث صحيح حفيل له طرق ، وقد أفرد بالتأليف ، وقام الإجماع على أن من اشترط في البيع شرطا لا يحل أنه لا يجوز شيء منها ; عملا بهذا الحديث واختلفوا في غيرها من الشروط على مذاهب مختلفة ، فذهبت طائفة إلى أن البيع جائز ، والشرط باطل على نص حديث بريرة ، وهو قول ابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=14152والحكم وابن جرير ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، قالوا : ودل هذا الحديث أن الشروط كلها في البيع تبطل وتثبت البيوع .
وذهبت أخرى إلى جوازهما ، واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر في بيعه واستثنائه حمله إلى المدينة ، روى ذلك عن حماد nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة وبعض التابعين وذهبت ثالثة إلى بطلانها ، واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده : nindex.php?page=hadith&LINKID=4588أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع وشرط ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وولده nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود والكوفيين nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فحملوا هذه الأحاديث التي نزعوا بها على العموم ، ولكل واحد منهما موضع لا يتعداه ، ولها عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أحكام مختلفة ، وقد يجوز عنده البيع والشرط في مواضع ، فإما إجازتهما فمثل أن يشترط المشتري على [ ص: 423 ] البائع شيئا ما في ملك البائع ما لم يدخل في صفقة البيع ، وذلك مثل أن يشتري منه زرعا ويشترط على البائع حصده ، أو دارا ويشترط سكناها مدة يسيرة ، أو يشترط ركوب الدابة يوما أو يومين ، وقد روي أنه لا بأس أن يشترط سكنى الدار الأشهر والسنة ; ووجه إجازته لذلك أن البيع وقع على الشيئين معا ، وعلى الزرع والحصاد ، والحصاد إجارة ، وهي بيع منفعة ، وكذا وقع البيع على الدار غير سكنى المدة وعلى الدابة غير الركوب .
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لا يجيزان هذا البيع كله ; لأنه عندهم بيع وإجارة ولا يجوز ; لأن الإجارة عندهم بيع منافع طارئة في ملك البائع لم تخلق بعد ، وهو من باب بيعتين في بيعة .
ومما أجاز nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيه البيع والشرط : شراء العبد بشرط عتقه ، اتباعا للسنة في بريرة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في رواية الربيع ، ولم يقس عليه غيره من أجل نهيه - عليه السلام - عن بيع وشرط ، وأجاز ابن أبي ليلى هذا البيع وأبطل الشرط ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، وأبطل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة البيع والشرط ، وأخذ بعموم نهيه عن بيع وشرط ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة يقول : إن المبتاع يقول : إذا أعتقه كان مضمونا عليه بالثمن ، وهذا خلاف أصوله ; لأنه كان ينبغي أن يكون مضمونا عليه بالقيمة ، كما قال وقلنا في البيع الفاسد .
ومضى nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف ومحمد على القياس فقالا : لا يكون مضمونا بالقيمة ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وما قالوه خطأ ; لأن البيع إن كان غير جائز [ ص: 424 ] فالعبد في ملك البائع لم يزل ملكه عنه ، وعتق المشتري له باطل ; لأنه أعتق ما لم يملك ، ومما أجاز nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيه البيع وأبطل الشرط ، وذلك شراء العبد على أن يكون الولاء للبائع ، وهذا البيع أجمعت الأمة على جوازه وإبطال الشرط فيه لمخالفته السنة في أن : "الولاء لمن أعتق" فإنه - عليه السلام - أجاز هذا البيع وأبطل الشرط ، وكذلك من باع سلعة وشرط أنه لم ينقد المشتري إلى ثلاثة أيام أو نحوها مما يرى أنه لا يريد تحويل الأسواق والمخاطرة ، فالبيع جائز والشرط باطل عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وأجاز nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون البيع والشرط ، وحمله محمل بيع الخيار إلى وقت مسمى ، فإذا أجاز الوقت فلا خيار له ، وممن أجاز هذا البيع والشرط : nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، ولم يفرقوا بين ثلاثة أيام وأكثر منها ، وأجاز nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة البيع والشرط إلى ثلاثة أيام ، وإن قال : إلى أربعة أيام ، بطل البيع ; لأن الخيار لا يجوز عنده اشتراطه أكثر من ثلاثة أيام ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور .
ومما يبطل فيه عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك البيع والشرط ، وذلك مثل أن يبيعه جارية على أن لا يبيعها ولا يهبها ، وعلى أن يتخذها أم ولد ، فالبيع عنده فاسد ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
واعتلوا في فساد البيع بفساد الشرط فيه ، وذلك عدم تصرف المشتري في المبيع وكما لا يجوز عند الجميع أن يشترط المبتاع على البائع عدم التصرف فيما اشتراه وهذا عندهم معنى نهيه عن بيع وشرط .
وأجازت طائفة هذا البيع وأبطلت الشرط ، هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي والحسن وابن أبي ليلى ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ، وقال حماد الكوفي : البيع جائز والشرط لازم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وقد أبطل الشارع ما اشترطه أهل بريرة من الولاء [ ص: 425 ] وأثبت البيع ، فمثال هذا أن كل من اشترط في البيع شرطا خلاف كتاب الله وسنة رسوله أن الشرط باطل والبيع ثابت ; استدلالا بحديث بريرة ، واشتراط البائع على المشتري أن لا يبيع ولا يهب شروطا ينبغي إبطالها وإثبات البيع ; لأن الله تعالى أحل وطء ما ملكت اليمين ، وأحل للناس أن يبيعوا أملاكهم ويهبوها فإذا اشترط البائع شيئا من هذه فقد اشترط خلاف كتاب الله ، وهو مثل اشتراط موالي بريرة ولاءها لهم ، فأجاز - عليه السلام - البيع وأبطل الشرط ، فكذلك ما كان مثله ، ومما يبطل فيه عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والكوفيين البيع والشرط بيع الأمة والناقة واستثناء ما في بطنها ، وهو عندهم من بيوع الغرر ; لأنه لا يعلم مقدار ما يصلح أن يحط من ثمنها قيمة الجنين ، وقد أجاز هذا البيع والشرط nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي والحسن ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ; واحتجوا بأن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أعتق جارية واستثنى ما في بطنها .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وهذا البيع معلوم ولا يضرهما أن يجهلا ما لم يدخل في البيع ، ولا أعلمهم يختلفون أنه يجوز بيع جارية قد أعتق ما في بطنها ، ولا فرق بين ذلك ; لأن المبيع في المسألتين جميعا الجارية دون الولد .
وما أحسن الحكاية المشهورة في ذلك أنبأنا بها غير واحد عن nindex.php?page=showalam&ids=14299الدمياطي الحافظ ، منهم المعمر ناصر الدين محمد بن علي الحراوي ، أنا أبو القاسم بن أبي السعود ، أنا أبو الرضا محمد بن [ ص: 426 ] بدر بن عبد الله السنجي ، أنا أبو الحسن علي بن محمد العلاف ، أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر الحمامي ، ثنا جعفر بن محمد بن [ ص: 427 ] الحجاج ، ثنا عبد الله بن أيوب بن زاذان الضرير ، ثنا محمد بن سليمان الذهلي ، ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث بن سعيد قال : قدمت مكة فوجدت بها nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة ، فسألت nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة فقلت : ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا ؟ فقال : البيع باطل والشرط باطل . ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال : البيع جائز والشرط باطل . ثم أتيت nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة فسألته فقال : البيع جائز والشرط جائز .
[ ص: 429 ] قال الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس : هذا حديث غريب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16438ابن شبرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر وهذا الحديث تفرد به nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث بن سعيد .
قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : وحديث بريرة أصل في العقوبة بالأموال ; لأن مواليها أبوا الوقوف عند حكم الله وحكم السنة ، فلما عرفت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإبائهم واستمرارهم على خلاف الحق باشتراطهم ما لا يجوز ، قال لها : "اشترطي لهم ذلك" فإن ذلك غير نافعهم ولا ناقض لبيعهم ، فعاقبهم في المال بعشر ما وضعوا من الثمن ، من أجل اشتراط الولاء واستبقائه لهم ولم يعطهم قيمة عقوبة .
[ ص: 430 ] قال أبو عبد الله : فلو وقع اليوم مثل هذا وباع رجل جارية على أن يتخذها المشتري أم ولد وعلى أن لا يبيعها ولا يهبها ، ثبت البيع ورجع البائع بقيمة ما وضع .
ولنذكر نبذة من فوائده وألفاظه :
ففيه : جواز كتابة الأمة ، وكرهها القاضي في "معونته" لما روي عن عثمان أنه قال : لا تكلفوا الأمة الكسب فتكتسب بفرجها وفيه : تنجيم الكتابة خلافا للمالكية ، والإعانة عليها ، ويدل على أن الخير في الآية الصلاح والعفة لا المال .
وفيه : جواز السؤال للضرورة . لقولها : أعينيني .
وفيه : أخذ المكاتب للزكاة : وهو المعني بقوله وفي الرقاب [التوبة : 60] خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك .
وفيه : جواز بيع المكاتب ، وقد يقال : إنها عجزت نفسها ، وأجازه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، ومنعه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
وفي تعجيز المكاتب ثلاثة أقوال عند المالكية : ثالثها : ما في "المدونة" : نعم ، إلا أن يكون له مال ظاهر .
[ ص: 431 ] وقوله : ("واشترطي لهم الولاء") قد أسلفنا أنه أعل بتفرد nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك به عن هشام ، وأنه لم يتابع ، وقال يحيى بن أكثم : هذا لا يجوز عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يتوهم أنه يأمر بغرور أحد . وليس كما قال ، فقد تابعه عليه nindex.php?page=showalam&ids=11804أبو أسامة وجرير ، وقد سلف تأويله وأن (لهم) بمعنى عليهم ، أو أنه من باب : اعملوا ما شئتم [فصلت : 40] على التهكم ، أو أنه لم يعبأ بقولهم ، ولا رآه قادحا في البيع ، أو أن هشاما نقله على المعنى ، أو أنه قد يخرج الحكم بخاص يتعلق به ، ثم يرتفع السبب ويرتفع الحكم ، فإن الجاهلية كانت تعتقد ذلك ، فأراد - عليه السلام - أن يمنعهم منه وينهاهم عنه ، فأمرهم بفعله ، ثم منعه ليكون أبلغ في منعه ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . أو معنى "اشترطي لهم الولاء" أي : لا يلزمك ، ويدل له رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في بعض طرقه "اشتريها وأعتقيها ، ودعيهم يشترطون ما شاءوا" ، وروي "أشرطي" رباعي أي : بيني ، [ ص: 432 ] أو خصت به nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، أو لم يكن الشرط في العقد ، فهذه تأويلات ، وخطبته - عليه السلام - على رءوس الأشهاد أبلغ في النكير وأوكد في التنفير .
وفيه : دليل على nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس القائل بأن المكاتب حر بنفس الكتابة ، لانتقال الولاء إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وعندنا وعند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أنه عبد ما بقي عليه درهم ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : يعتق بأداء نصف كتابته .
وفيه : أن المسئول لا يجب عليه أن يعطي سائله إذا لم يخف عليه هلكة من موت أو أسر .
وفيه : أن العدة لا تلزم ; لأنه - عليه السلام - لم يلزمها ما شرطت لهم ، ورد ذلك عليهم .