حدثنا أبو نعيم، ثنا مسعر، حدثني ابن جبر قال: سمعت أنسا يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل -أو كان يغتسل- بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد.
الكلام عليه من أوجه:
أحدها:
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وأبو داود، والنسائي.
ثانيها:
مسعر هو ابن كدام الكوفي. مات بعد الخمسين ومائة، وليس في الصحيحين سواه.
[ ص: 346 ] وفي أبي داود: مسعر بن حبيب الجرمي الثقة.
وابن جبر هو عبد الله بن عبد الله بن جبر. وقيل: جابر بن عتيك الأنصاري، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في "تاريخه": لا يصح: جبر، إنما هو: nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، كذا قال، وقد سلف في إسناده جبر. وقال ابن منجويه: أهل المدينة يقولون: nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، والعراقيون يقولون: جبر، ولا يصح: جبر إنما هو: nindex.php?page=showalam&ids=36جابر.
قال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود: ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى، حدثني جبر بن عبد الله، فقلبه.
الصاع: مكيال يسع أربعة أمداد، يذكر ويؤنث. المد: رطل وثلث.
وعند أهل العراق رطلان. وفيه حديث عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس، وقال به بعض أصحابنا في مد الوضوء دون مد الزكاة.
فائدة:
يطلق الصاع أيضا على المطمئن من الأرض، وعلى وجه الأرض.
[ ص: 348 ] خامسها:
قوله: (يغسل- أو يغتسل). الظاهر أن هذا الشك من nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري; لأن الطرق إلى ابن جبر ليس فيها ذلك.
وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع، عن nindex.php?page=showalam&ids=17074مسعر. وعن أبي نعيم عبد الله بن محمد الطحان، وغيره، ويجوز أن يكون رواه nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري على الشك ولغيره بدونه.
سادسها:
الإجماع قائم على أن ماء الوضوء والغسل غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا أسبغ وعم. قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: وقد يرفق الفقيه بالقليل فيكفي، ويخرق الأخرق بالكثير فلا يكفي. واستحب العلماء أن لا ينقص في الغسل والوضوء عما ذكر في الحديث. وأبعد بعض المالكية فقال: لا يجزئ أقل من ذلك، حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان القرطي. وعن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن أن المغتسل لا يمكن أن يعم [ ص: 349 ] جسده بأقل من مد.
وتصرف الشيخ عز الدين بن عبد السلام فجعل للمتوضئ والمغتسل ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يكون معتدل الخلق كاعتدال خلقه - صلى الله عليه وسلم - يقتدي به في اجتناب التنقص عن المد والصاع.
الثانية: أن يكون ضئيلا ونحيف الخلق بحيث يعادل جسده جسده - صلى الله عليه وسلم - فيستحب له أن يستعمل من الماء ما يكون نسبته إلى جسده كنسبة المد والصاع إلى جسده صلى الله عليه وسلم.
الثالثة: أن يكون متفاحش الخلق طولا وعرضا وعظم البطن ونحافة الأعضاء؛ فيستحب أن لا ينقص عن مقدار يكون بالنسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والإباضية زعموا أن قليل الماء لا يجزئ. والشريعة المطهرة [ ص: 350 ] حجة على من خالف.