هذا الحديث من أفراده، وأبو أمامة اسمه صدي بن عجلان السهمي، بصري ثم حمصي، آخر الصحابة موتا بالشام . وفي إسناده عبد الله بن سالم الحمصي، مات - هو nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك - سنة تسع وسبعين ومائة.
ومراده بقوله: (أو مجاوزة الحد الذي أمر به). معناه: الذي أبيح له، وذلك إذا لم يكن منقطعا إليه، أما إذا انقطع فيحذر مما قاله أبو أمامة.
والسكة: الحديدة التي يحرث بها، ووجه الذل ما يلزم الزارع من حقوق الأرض فيطالبهم السلطان بذلك، وقيل: إن المسلمين إذا أقبلوا على الزراعة شغلوا عن العدو، وفي ترك الجهاد نوع ذل. [ ص: 223 ]
ومعنى الحديث: الحض على معالي الأمور، وطلب الرزق من أشرف الصناعات، لما خشي - عليه السلام - على أمته من الاشتغال بالحرث، وتضييع ركوب الخيل، والجهاد في سبيل الله؛ لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها، فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض، ولزوم المهنة، والوقوع بذلك تحت أيدي السلاطين وركاب الخيل، ألا ترى أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال: تمعددوا، واخشوشنوا، واقطعوا الركب، وثبوا على الخيل وثبا لا يغلبكم عليها رعاة الإبل. أي: دعوا التملك والتدلل بالنعمة، وخذوا خشن العيش؛ لتتعلموا الصبر فيه، فأمرهم بملازمة الخيل والتدرب عليها والفروسية؛ لئلا يملكهم الرعاة الذين شأنهم خشونة العيش، ورياضة أبدانهم بالوثوب على الخيل، فليحذر من الميل إلى الراحة والنعمة، فمن لزم الحرث وغلب عليه، وضيع ما هو أشرف منه؛ لزمه الذل، كما قال - عليه السلام -، ويلزمه الجفاء في خلقه لمخالطته، وهو كذلك.
وقد أخبرنا بما يقوي هذا المعنى حيث قال: "السكينة في أهل الغنم، والخيلاء في أصحاب الخيل، والقسوة في الفدادين أهل الوبر".
وكأنه قال: والذل في أهل الحرث، أي: من شأن ملازمة هذه المهن توليد ما ذكر من هذه الصفات، ومن الذل الذي يلزم من اشتغل بالحرث ما ينوبه من المؤنة لخراج الأرضين، كما سلف.
وفيه: علامة النبوة، وذلك أنه - عليه السلام - علم أنه من يأتي في آخر الزمان من الولاة يجورون في أخذ الصدقات والعشور، ويأخذون من ذلك أكثر مما يجب لهم؛ لأنه لا ذل لمن أخذ منه الحق الذي عليه، وإنما يصح الذل بالتعدي وترك الحق في الأخذ.
وفيه: أن الأموال الظاهرة يخرج حقوقها إلى السلطان .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : هذا لمن يقرب من العدو واشتغل بالحرث، وأما غيرهم فالحرث محمود، قال تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [الأنفال: 60]. ومن القوة: الطعام، والخيل لا تقوم إلا بالزراعة. ومن هو في الثغور المقاربة للعدو لا يشتغل بالحرث، وعلى المسلمين والإمام مدهم بما يحتاجون إليه.