التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
2336 2468 - حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله لهما: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما [التحريم: 4] فحججت معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة، فتبرز حتى جاء، فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال [الله - عز وجل -] لهما: إن تتوبا إلى الله [التحريم: 4]؟ فقال واعجبي لك يا ابن عباس، عائشة، وحفصة. ثم استقبل عمر الحديث يسوقه، فقال: إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد - وهي من عوالي المدينة - وكنا نتناوب النزول على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينزل يوما وأنزل يوما، فإذا نزلت جئته من خبر ذلك اليوم من الأمر وغيره، وإذا نزل فعل مثله، وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. فأفزعني، فقلت: خابت من فعل منهن بعظيم، ثم جمعت علي ثيابي، فدخلت على حفصة فقلت: أي حفصة، أتغاضب إحداكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم حتى الليل؟ ! فقالت: نعم. فقلت: خابت وخسرت، أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتهلكين؟ لا تستكثري [ ص: 652 ] على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، واسأليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة - وكنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال لغزونا، فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء، فضرب بابي ضربا شديدا، وقال: أنائم هو؟ ففزعت فخرجت إليه. وقال: حدث أمر عظيم. قلت: ما هو؟ أجاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم منه وأطول، طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه. قال: قد خابت حفصة وخسرت، كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون، فجمعت علي ثيابي، فصليت صلاة الفجر مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل مشربة له فاعتزل فيها، فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت: ما يبكيك؟ أولم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة. فخرجت، فجئت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل، فكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم خرج، فقال: ذكرتك له، فصمت، فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت - فذكر مثله - فجلست مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر - فذكر مثله - فلما وليت منصرفا، فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمال بجنبه، متكئ على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلمت عليه، ثم قلت: وأنا قائم: طلقت نساءك؟ فرفع بصره إلي، فقال: "لا". ثم قلت وأنا قائم أستأنس: يا رسول الله، لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم، فذكره، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قلت: لو رأيتني، ودخلت على حفصة، فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة - فتبسم أخرى، فجلست حين رأيته تبسم، ثم رفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة، فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس [ ص: 653 ] والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا، وهم لا يعبدون الله، وكان متكئا. فقال: "أوفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا". فقلت: يا رسول الله، استغفر لي. فاعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: "ما أنا بداخل عليهن شهرا". من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله. فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة، أعدها عدا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الشهر تسع وعشرون". وكان ذلك الشهر تسع وعشرون. قالت عائشة: فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة، فقال: "إني ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك". قالت: قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك. ثم قال: "إن الله قال: يا أيها النبي قل لأزواجك إلى قوله: عظيما [الأحزاب: 28 - 29] ". قلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. ثم خير نساءه، فقلن مثل ما قالت عائشة. [انظر: 89 - مسلم: 1479 - فتح: 5 \ 114]

التالي السابق


الخدمات العلمية