وقد سلف واضحا، والنهي عن القران فيه عند العلماء من باب حسن الأدب في الأكل; لأن القوم الذين وضع بين أيديهم هم كالمتساوين في أكله، فإن استأثر أحدهم بأكثر من صاحبه لم يجز له ذلك، ومن هذا الباب جعل أهل العلم النهي عن النهبة في طعام النثر في الأعراس وغيرها؛ لما فيه من سوء الأدب والاستئثار بما لا تطيب عليه نفس صاحب الطعام.
[ ص: 70 ] وقال أهل الظاهر: إن النهي عنه على (التحريم) وفاعله عاص إذا كان عالما بالنهي، ولا نقول: إنه أكل حراما; لأن أصله الإباحة جملة، ودليل الجمهور، إنما وضع بين أيدي الناس للأكل، فإنما سبيله سبيل المكارمة لا على التشاح; لاختلاف الناس في الأكل فبعضهم يكفيه اليسير وبعضهم لا يكفيه أضعافه، ولو كانت سهمانهم سواء لما ساغ لمن لا يشبعه اليسير أن يأكل أكثر من مثل نصيب من يشبعه اليسير، ولما لم يتشاح الناس في هذا المقدار علم أن سبيل هذه المكارمة ليس على معنى الوجوب.