أصل الهبة من هبوب الريح؛ أي: مروره، وحقيقتها التمليك بلا عوض شرعا في الحياة. وحقيقة ما ذكره البخاري أنه هدية، فإنها ما نقل إلى مكان الموهوب له على وجه الإكرام، فكل هدية هبة ولا عكس، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا، nindex.php?page=showalam&ids=13948وللترمذي في أوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=664426 "تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدور ولا تحقرن جارة .. " إلى آخره، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ساقه عن عاصم بن علي: أنا nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب، عن nindex.php?page=showalam&ids=15985المقبري، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى القطان nindex.php?page=showalam&ids=17000وابن عجلان وأبو معشر، عن سعيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من غير ذكر أبيه.
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا.
[ ص: 275 ] إذا عرفت ذلك، فالكلام على الحديثين من أوجه:
أحدها:
في إعراب: "يا نساء" أوجه ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض، أصحها وأشهرها: بنصب "النساء" وجر "المسلمات" على الإضافة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي: وبهذا رويناه عن جميع شيوخنا بالمشرق، وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، والموصوف إلى صفته، والأعم إلى الأخص؛ كمسجد الجامع، وجانب الغربي. وهو عند الكوفيين جائز على ظاهره، وعند البصريين يقدرون فيه محذوفا؛ أي: مسجد المكان الجامع، وجانب المكان الغربي، ويقدر هنا: يا نساء الأنفس المسلمات، أو الجماعات، وقيل: تقديره: يا فاضلات المسلمات، كما يقال:
هؤلاء رجال القوم؛ أي: ساداتهم وأفاضلهم.
ثانيها: رفعهما على معنى النداء والصفة؛ أي: يا أيها النساء المسلمات. قال nindex.php?page=showalam&ids=11927الباجي: كذا يرويه أهل بلدنا.
ثالثها: رفع "النساء" وكسر التاء من "المسلمات" على أنه منصوب على الصفة على الموضع، كما يقال: يا زيد العاقل برفع "زيد" ونصب "العاقل.
واقتصر ابن التين على أن قال: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، مثل قوله: وحب الحصيد .
وقال ابن بطال: هو على غير الإضافة، التقدير: يا أيها النساء [ ص: 276 ] المسلمات، ومثله: يا رجال الكرام، فالمنادى هنا محذوف وهو "أيها"، و"النساء" في تقدير النعت لـ"أيها" و"المؤمنات" نعت "النساء". وحكى nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه: "يا فاسق الخبيث، ومذهبه أن "فاسق" وشبهه يعرف بـ(يا) كتعريف زيد في النداء، وكذلك "يا نساء" ها هنا، فيخرج على مذهبه أن يجوز نصب نعته، كما جاز: "يا زيد العاقل"، فيجوز على هذا: "يا نساء المسلمات".
ومن رواه بالإضافة ونصب "النساء"، فيستحيل أن يكون "المسلمات" هنا من صفات النساء; لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه، وإنما يضاف إلى غيره مما يبينه به ويضمه إليه، ومحال أن يبينه بنفسه أو يضمه إليه. هذا مذهب البصريين.
وقد أجازه الكوفيون -أعني: إضافة الشيء إلى نفسه- واحتجوا بآيات من القرآن تتخرج معانيها على غير تأويلهم منها قوله تعالى: ولدار الآخرة ، و دين القيمة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وغيره: معناه: دار الحال الآخرة، أن للناس حالتين: حال الدنيا، وحال الآخرة، ومثله: صلاة الأولى، والمراد: صلاة الفريضة الأولى والساعة الأولى; لأنها أول ما فرض منها، ومعنى: دين القيمة: دين الملة القيمة؛ ولهذا وقع التأنيث لكنه يخرج "يا نساء المسلمات" على تقدير بعيد، وهو أن يجعل نعتا لشيء محذوف كما سلف في "المسلمات" كأنه قال: "يا نساء الأنفس المسلمات" والمراد بالأنفس: الرجال، وفيه بعد لفساد المعنى; لأنه صلى الله عليه وسلم إنما خاطب النساء بذلك على وجه الفضيلة لهن والتخصيص، وعلى هذا الوجه لا فضيلة لهن في ذلك إلا أن يراد بالأنفس الرجال والنساء معا،
[ ص: 277 ] فيكون تقديره: يا نساء من الأنفس المؤمنات، على تقدير إضافة البعض إلى الكل، كما تقول: أخذت دراهم مال زيد، ومال زيد واقع على الدراهم وغيرها.
الثاني:
الفرسن -بفاء مكسورة ثم راء ساكنة ثم سين ثم نون- وأصل الفرسن للإبل، وهو موضع الحافر من الفرس، ويقال لموضع ذلك من البقر والغنم: الظلف. قال ابن دريد: وهو ظاهر الخف والجمع: فراسن.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده: هو طرف خف البعير، أنثى، حكاه سيبويه في الثلاثي، ولا يقال في جمعه: فرسنات، كما قالوا: خناصر ولم يقولوا: خنصرات.
وقال في "المخصص": هو عند سيبويه (فعلن). لم يحك غيره في الأسماء ولا علمه صفة. وقال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد: السلامى: عظام الفرسن كلها.
وقال في "الجامع": هو للبعير بمنزلة الظفر من الإنسان.
وقال في "المغيث": هو عظم قليل اللحم وهو للشاة والبعير بمنزلة الحافر للدابة، وقيل: هو خف البعير.
[ ص: 278 ] وقال الجوهري: ربما استعير للشاة، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12758ابن السكيت وأنشد:
أشكو إلى مولاي من مولاتي ... تربط بالحبل أكرعاتي
فاستعار الأكارع للإنسان كما استعار الفرسن للشاة.
قال ابن السراج: والنون زائدة، ووضعها nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل في كتاب "الإبل" فأحسن فقال في الفرسن: أم القردان من ظاهر وباطن، وفي كل فرسن ست سلاميات ومنسمان، والأظل والخف: هو الجلدة الغليظة التي في باطن فرسنه. وفي الفراسن ستة أشياء عددها. والفرسن أسفل الرجل من البعير، ثم الوظيف، ثم الذراع، ثم العضد، ثم الكتف، وعبارة nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي: الفرسن ما دون الرسغ من يدي البعير وهي مؤنثة والجمع: الفراسن.
الثالث:
فيه الحض على التهادي والمتاحفة ولو باليسير; لما فيه من استجلاب المودة وإذهاب الشحناء واصطفاء الجيرة، ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة المقيمة للأرماق، وأيضا فإن الهدية إذا كانت يسيرة فهي أدل على المودة وأسقط للمؤنة، وأسهل على المهدي لإطراح التكليف، وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ما كان عليه إليك من الزهد في الدنيا والصبر على التعلل وأخذ البلغة من العيش وإيثاره الآخرة على الدنيا; لأنه قد خير بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وأن يكون نبيا عبدا ولا يكون ملكا، فهذه سنته وطريقته.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وفيه الحض على الصدقة، ويحتمل أن يكون نهيا للمعطاة عن الاحتقار، ولا يحقر المهدى إليه ولا المهدي; لأن في احتقاره انقطاعا عن المعروف، وربما لم يكن الكثير كل وقت، فإذا تواصل اليسير كان كثيرا.
قولها: (الأسودان: التمر والماء)؛ هو من باب التغليب؛ كالأبيضين الماء واللبن وغير ذلك.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده: فسره أهل اللغة بالماء والتمر، وعندي أنها إنما أرادت: الحرة والليل، قيل لهما: الأسودان لاسودادهما; وذلك لأن وجود التمر والماء عندهم شبع وري وخصب لا شصب، وإنما أرادت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن تبالغ في شدة الحال، وتنتهي في ذلك بأن لا يكون معها إلا الليل والحرة، أذهب في سوء الحال من وجود التمر والماء، وضاف مزبدا المدني قوم فقال لهم: ما لكم عندنا إلا (الأسودان). فقالوا: إن في ذلك لمقنعا؛ التمر والماء. فقال: ما ذلك أردت والله، إنما أردت الحرة والليل. وقيل: إن الأسودين الماء واللبن، وجعلهما بعض الرجاز: الماء والفث، وهو ضرب من البقل يختبر، فيؤكل فقال:
[ ص: 280 ]
الأسودان أبردا عظامي ... الماء والفث دوا أسقامي
والمنائح: جمع منيحة، قال الفراء: منحته أمنحه وأمنحه: وهي الناقة والشاة يعطيها الرجل لآخر يحلبها ثم يردها، وزعم بعضهم أن المنيحة لا تكون إلا ناقة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد: المنيحة عند العرب على وجهين: أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له، وأن يمنحه ناقة أو شيئا هبة، أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها.
وقال الحربي: العرب تقول: منحتك الناقة، وأنحلتك الوبر، وأعومتك النخلة، وأعمرتك الدار، وهذه كلها هبة منافع يعود بعدها مثلها.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: ويقال لعطية ركوب الدواب، ولبس الثياب: عارية، مشددة ومخففة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب: ويقال للعبد: أخدمتك، ومن المنحة قرض الذهب والورق، ويقال لما وقف مؤبدا: حبس. وأكثر العرب يجعلها للعارية دون الهبة، وهو تأويل قوله: "المنيحة مردودة".
[ ص: 281 ] وقال التوزي في "شرح شعر أبي (...) ": أصلها العارية، ثم استعمل حتى صارت كل هبة منيحة.
وقال اللحياني: لا تكون إلا المعارة للبن خاصة، وقيل: كل شيء يقتصد به قصد شيء فقد منحته إياه، كما تمنح المرأة وجهها المرأة.
وقول القزاز: قيل: لا تكون المنيحة إلا ناقة، ولا تكون شاة، والأول أعرف.