معنى قوله تعالى: إلا الذين تابوا [البقرة:160] أنه يزول فسقهم ولا يسقط الحد عنهم، وتقبل شهادتهم قبل الحد وبعده; لارتفاع فسقه، قاله الجمهور، وقيل: لا تقبل مطلقا.
وقيل: لا تقبل بعد الحد وتقبل قبله. وقيل عكسه.
وتوبته بإكذابه نفسه، أو بالندم والاستغفار، وترك العود إلى مثله، ومحل بسطها التفسير، وقد بسطناها في "شرح منهاج الأصول".
وقال ابن التين: في الآية ثلاثة أقوال:
الأول: هو استثناء من قبول الشهادة، وهو مذهب المديني.
والثاني: الاستثناء من الفسق، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة.
والثالث: الاستثناء من الأحكام الثلاثة.
[ ص: 504 ] فإذا تاب قبلت شهادته، وزال عنه الحد واسم التفسيق.
ذكر هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، قال: وهو خلاف ما ذكره عنه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أولا.
والتعليق الأول رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي، عن سفيان، سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري يقول: زعم أهل العراق أن شهادة المحدود لا تجوز، فأشهد لأخبرني أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة: تب وأقبل شهادتك.
قال سفيان: سمى nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري الذي أخبره فحفظت ثم نسيته، فلما قمنا سألت: من حضر؟ فقال لي: عمر بن قيس هو ابن المسيب، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: فقلت له: هل شككت فيما قال؟ قال: لا، هو ابن المسيب من غير شك.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: فكثيرا ما سمعته يحدث به فيسمي سعيدا، وكثيرا ما سمعته يقول عن سعيد -إن شاء الله- قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي: وقد رواه غيره من أهل الحفظ عن سعيد ليس فيه شك بزيادة: أن عمر استتاب الثلاثة فتاب اثنان فأجاز شهادتهما، وأبى nindex.php?page=showalam&ids=130أبو بكرة فرد شهادته.
وروى أحمد بن شيبان، عن سفيان، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال لأبي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك.
وروى سليمان بن كثير، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن سعيد: أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال لأبي بكرة وشبل ونافع: من تاب منكم قبلت شهادته.
[ ص: 505 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي: nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب لم يأخذه عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إلا بلاغا; لأنه لم يصح له عنه سماع وإن كان رآه وسمع نعيه النعمان، والدليل على أن الحديث لم يكن عند سعيد بالقوي أنه كان يذهب إلى خلافه، روى عنه nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، وعن الحسن أنهما قالا: القاذف إذا تاب توبته فيما بينه وبين ربه جل وعز، ولا تقبل له شهادة، ويستحيل أن يسمع من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر شيئا بحضرة الصحابة ولا ينكرونه عليه، ولا يخالفونه ثم يتركه إلى خلافه.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16142أبو الفرج الأصبهاني في "تاريخه الكبير" بإسناد جيد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري، وأحمد بن عبيد الله بن عمار قالا: ثنا أبو زيد عمر بن شبة، ثنا عفان، ثنا عبد الكريم بن رشيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي قال: لما شهد على nindex.php?page=showalam&ids=19المغيرة بن شعبة عند nindex.php?page=showalam&ids=2عمر استتاب nindex.php?page=showalam&ids=130أبا بكرة وقال: إنما تستتيبني لتقبل شهادتي قال: أجل، الحديث.
nindex.php?page=showalam&ids=14724ولأبي داود الطيالسي: حدثنا قيس بن سالم الأفطس، عن قيس بن عاصم قال: كان أبو بكرة إذا أتاه رجل ليشهده قال: أشهد غيري؛ فإن المسلمين قد فسقوني، فإن قلت: إذا لم يتب فكيف ذكر في الصحيح، وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في "مدخله" بأن الخبر مخالف للشهادة؛ ولهذا لم يتوقف أحد من أهل المصرين في الرواية عنه، ولا طعن أحد على روايته من هذه الجهة مع إجماعهم إلا شهادة المحدود في قذف غير ثابت، فصار قبول خبره جاريا مجرى الإجماع; كما كان رد الشهادة قبل التولية جاريا مجرى الإجماع.
[ ص: 506 ] وما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن عبد الله وغيره من إجازته، قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في "محلاه": ومن طريق علي بن أبي طلحة، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: القاذف إذا تاب فشهادته عند الله في كتاب الله، وصح أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم nindex.php?page=showalam&ids=16523وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16406وابن أبي نجيح nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وحبيب بن أبي ثابت وعمرو بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار وابن قسيط ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة وشريح، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق وبعض أصحابنا.
وفي "سنن nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور": أنا nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم، ثنا nindex.php?page=showalam&ids=15721حصين قال: رأيت رجلا جلد حدا في قذف بالزنا فلما فرغ من ضربه أحدث توبة، فلقيت أبا الزناد فأخبرته بذلك، فقال: الأمر عندنا إذا رجع عن قوله واستغفر ربه قبلت شهادته. وأراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بما نقله عن بعض الناس nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة، وقد حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بإسناده من طريق nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج، عن nindex.php?page=showalam&ids=16566عطاء الخراساني عنه أنه قال: شهادة القاذف لا تجوز وإن تاب.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: وصح ذلك أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق في أحد قوليهما، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب في أحد قوليه، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد في أحد قوليه، وعكرمة في أحد قوليه، وشريح nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان بن [ ص: 507 ] سعيد، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه، ثم قال بعد: وأما nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة فما نعلم له سلفا في قوله إلا شريحا وحده، فقد خالف جمهور العلماء في ذلك، وهو غريب منه مع جلالته.
وأخرجه أبو سعيد النقاش في كتاب "الشهود" تأليفه من حديث جراح، ومحمد بن عبيد الله العرزمي وسليمان بن موسى، عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب، وأخرجه أحمد بن موسى بن مردويه في "مجالسه" من حديث المثنى عن عمرو، عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث (يزيد بن أبي زياد الدمشقي)، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة. فذكرته مرفوعا مثله.
[ ص: 508 ] ثم قال: غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد، ويزيد يضعف في الحديث.
وفي "علل الرازي": قال أبو زرعة: هذا حديث منكر ولم يقرأه علينا.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، فذكر مثله مرفوعا، وهو ضعيف بسبب يحيى بن سعيد الفارسي وغيره.
وعتب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة التزوج بشهادة محدودين، قد يجاب عنه بأن حالة التحمل لا يشترط فيها العدالة، كما ذكر عن بعض الصحابة أنه تحمل في حال كفره ثم روى بعد إسلامه.
وعتبه عليه أيضا بأنه أجاز شهادة المحدود والعبد والأمة، برؤية هلال رمضان؛ فقد يقال: إنه أجراه مجرى الخبر، وهو يخالف الشهادة في المعنى; لأن المخبر له يدخل في حكم ما شهد به.
وقول nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري: (وكيف تعرف توبته وقد نفي الزاني سنة، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه حتى مضى خمسون ليلة؟).
[ ص: 509 ] هذان قد أسندهما كما سيأتي.
(التقدير).
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: باب: شهادة القاذف والسارق والزاني وباب: وكيف تعرف توبته؟ وكثيرا ما يفعله البخاري يردف ترجمة على ترجمة وإن بعد ما بينهما.
وأراد بقوله: (وكيف تعرف توبته؟) إلى آخر الكلام، الاحتجاج لقول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه ليس من شرط توبة القاذف تكذيب النفس، وتخطئتها، والرد على من خالفه في أنه من شروط التوبة.
ووجه ذلك أنه - عليه السلام- بعث معلما للناس وأمرهم بالتوبة من ذنوبهم، ولم يأمرهم بأن يعلموا بأنهم كانوا على معاصي الله، بل أمرهم بسترها.
واستدل nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أن القاذف يكون تائبا بصلاح الحال دون إكذابه لنفسه، أو اعترافه أنه عصى الله، أو خالف أمره بلسانه حين لم يشترط ذلك على الزاني في مدة تغريبه، ولا كعب بن مالك وصاحبيه في الخمسين ليلة، فإن ادعى اختصاص توبة القاذف بذلك، فالبيان لازم عليه.
وقال ابن المنير: المشكل في هذا توبة القاذف المحق إذا لم يكمل النصاب. أما الكاذب في القذف فتوبته بينة، فأما الصادق في قذفه كيف يتوب فيما بينه وبين الله تعالى؟
[ ص: 510 ] وأشبه ما في ذلك عندي أن المعاين للفاحشة لا يجوز أن يكشف صاحبها إلا إذا تحقق كمال النصاب معه، فإذا كشفه حيث لا نصاب فقد عصى الله، وإن كان صادقا فيتوب من المعصية في الإعلان لا من الصدق.
وأما حديث السارقة فأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم والأربعة.
وقوله فيه: (حدثنا إسماعيل: حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن يونس.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث: حدثني يونس، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة) هذا التعليق -أعني تعليق nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث- أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود عن محمد بن يحيى بن فارس، عن nindex.php?page=showalam&ids=16442أبي صالح عبد الله بن صالح، عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث، عن يونس، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ ابن حيان في كتاب القطع والسرقة من حديث عبد الله بن الجهم: حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة، عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة، قال nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في "علله": رواه nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أتي بامرأة استعارت حليا فقطع يدها.
nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب، عن نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مرفوعا، قال أبي: لم يرو هذين الحديثين غير nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر.
فأما حديث أيوب؛ فإن الناس يحدثون عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع عن صفية: أتي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بسارق.
ليس فيه ذكر العارية.
[ ص: 511 ] وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري؛ فإنه أراد عندي حديث عروة، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن رجلا أقطع نزل على أبي بكر، فجعل يطيل الصلاة بالليل، قال: وكان nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد يختلف إلى أبواب جماعة، فخرج واحد إلى اليمن،
فحدث، عن nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب بأحاديث وكأنه ليس من حديث أيوب.
قلت: وهذه المرأة اسمها فاطمة بنت الأسود، ووجه إدخال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة في الباب؛ لقولها فيه: (فحسنت توبتها); لأن فيه دلالة أن السارق إذا تاب وحسنت حاله، قبلت شهادته.
وأما حديث زيد بن خالد فوجه إدخاله هنا أنه - عليه السلام- لم يشترط عليه بعد الحد والتغريب شيئا، ولو كان شرطا فمقبول شهادته لذكره، وإنما ذكر قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة؛ ليلزمهم التناقض في قولهما أن القاذف لا تجوز شهادته وهم يجيزونها في مواضع، وأجاز nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري شهادة العبد إذا جلد قبل العتق.
وهذا تناقض; لأن من قذف فقد فسق، وليس العتق توبة، وهو لو قذف بعد العتق وتاب لم تجز شهادته عنده، وكذلك أجاز قضايا المحدود في القذف، وهذا تناقض; فكيف تجوز قضايا المحدود ولا تجوز شهادته؟ وكذلك يلزم أبا حنيفة التناقض في إجازته النكاح بشهادة محدودين، وإنما أجاز ذلك; لأن من مذهبه أن الشهود في النكاح خاصة على العدالة، وفيما سوى ذلك على الجرحة، وهذا تحكم.
وهذا غلط; لأن الشاهد على هلال رمضان لا يزول عنه اسم شاهد، ولا يسمى مخبرا، فحكمه حكم الشاهد في المعنى; لاستحقاقه ذلك بالاسم.
وأيضا؛ فإن الشهادة على هلال رمضان حكم من الأحكام، ولا يجوز أن يكون يقبل في الأحكام إلا من تجوز شهادته في كل شيء، ومن جازت شهادته في هلال رمضان ولم تجز في القذف فليس بعدل، ولا هو ممن يرضى; لأن الله تعالى إنما تعبدنا بقبول من نرضى من الشهداء.
وأوضح الخلاف في مسألة القاذف nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال أيضا؛ حيث قال: اختلف العلماء في شهادة القاذف، هل ترد شهادته قبل الحد أم لا؟ فروى nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه لا ترد شهادته; حتى يحد، وهو قول [ ص: 513 ] الكوفيين، وقال الليث والأوزاعي والشافعي: ترد شهادته وإن لم يحد، وهو قول ابن الماجشون.
حجة من أجازها قبل الحد; بأن الحد لا يكون إلا بأن يطلبه المقذوف ويعجز القاذف عن البينة، فإذا لم يؤمن عليه أن يعترف بالزنا أو تقوم عليه بينة، فلا يفسق القاذف ولا يحد; لأنه على أصل العدالة حتى يتبين كذبه.
وحجة nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه بالقذف يفسق; لأنه من الكبائر، ولا تقبل شهادته حتى تصح براءته، بإقرار المقذوف له بالزنا أو قيام البينة عليه.
وهو عنده على الفسق; حتى تتبين براءته ويعود إلى العدالة، وهو قبل الحد شر حالا منه حين يحد; لأن الحدود كفارات للذنوب، وهو بعد الحد خير منه قبله، فكيف أرد شهادته في خير حالتيه، وأجيزها في شرها؟
قال: واختلفوا إذا حد وتاب؛ فقال جمهور السلف: إذا تاب وحسنت حالته قبلت شهادته.
وممن روي عنه سوى ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري -في قول nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر- عطاء، واختلف فيه عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد.
وممن قال: إن شهادته لا تجوز أبدا وإن تاب، شريح والحسن [ ص: 514 ] nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري والكوفيين وقالوا: توبته فيما بينه وبين الله. قال: وأما المحدود في الزنا والسرقة والخمر، إذا تابوا قبلت شهادتهم.
واحتج الكوفيون في رد شهادة القاذف; بعموم ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا [النور: 4] وقالوا: إن الاستثناء في قوله إلا الذين تابوا [النور: 5] راجع إلى الفسق خاصة لا إلى قبول الشهادة.
وقال آخرون: الاستثناء راجع إلى الفسق والتوبة جميعا، إلا أن يفرق بين ذلك بخبر يجب التسليم له، وإذا قبل الكوفيون شهادة الزاني والمحدود في الخمر والقاذف إذا تابوا، والمشرك إذا أسلم، وقاطع الطريق، ثم لا تقبل شهادة من شهد بالزنا فلم تتم الشهادة فجعل قاذفا.
وقام الإجماع على (أن) التوبة تمحو الكفر، فوجب أن يكون ما دونه أولى، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي: يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته؟!
واحتجوا بأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جلد الذين قذفوا المغيرة واستتابهم وقال: من تاب قبلت شهادته. وكان هذا بحضرة جماعة من الصحابة من غير نكير، ولو كان تأويل الآية ما تأوله الكوفيون لم يجز أن يذهب علم ذلك عن الصحابة، ولقالوا لعمر: لا يجوز قبولها أبدا.
ولم يسعهم السكوت عن القضاء بتحريف تأويل الكتاب فسقط قولهم.
[ ص: 515 ] واختلف قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه، هل تقبل شهادته في كل شيء، فروى عنه ابن نافع أن المحدود إذا حسنت حاله قبلت شهادته في كل شيء، وهي رواية ابن عبد الحكم عنه، وهو قول ابن كنانة، ورواه أبو زيد عن nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ، وذكر الوقار عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه لا تقبل شهادته، فيما حد فيه خاصة، وتقبل فيما سوى ذلك إذا تاب، وهو قول مطرف nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون، وروى العتبي عن nindex.php?page=showalam&ids=12322أصبغ nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون مثله، والقول الأول أولى; لعموم الاستثناء ورجوعه إلى أول الكلام وآخره، ومن ادعى تخصيصه فعليه الدليل.
واختلف nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في توبة القاذف ما هي؟
فقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: توبته أن يكذب نفسه.
روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، واختاره إسماعيل بن إسحاق، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: توبته أن يزداد خيرا.
ولم يشترط إكذاب نفسه في توبته؛ لجواز أن يكون صادقا في قذفه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب: وكان المسلمون احتجوا في هذا على nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة; ألا ترى أنهم يروون عنه الأحاديث ويحملون عنه السنة، وهو لم يكذب نفسه وقد قال له nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: ارجع عن قذفك المغيرة ونقبل شهادتك.
وإنما قال له ذلك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر -والله أعلم-؛ استظهارا له كمال التوبة والرجوع عما قال في القذف، وإن كان يجتزأ بصلاح حاله عن تكذيب نفسه في قبول شهادته.
[ ص: 516 ] خاتمة في تلخيص ما مضى: في الآية التي ذكرها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ثلاثة أحكام: جلده، وترك قبول شهادته، وتفسيقه.
وللعلماء فيها ثلاثة أقوال أسلفناها:
أحدها: قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر هذا أن الاستثناء من قبول الشهادة، وهو قول أهل المدينة، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك.
واختلف مذهبه أنه هل تسقط شهادته بنفس القذف؟ وهو مذهب عبد الملك، أو حين يعجز عن إثبات ذلك، قاله nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم.
واختلف أيضا إذا قبلناها، هل تقبل في كل شيء؟-قاله nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم- أو لا تقبل في القذف؟ قاله مطرف nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون.
والقول الثاني: أن الاستثناء من الفسق، وأنه إن تاب لا تقبل شهادته، وهو قول الكوفيين، وهو ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن بعض الناس، وهو الكوفي، وهي مناقضة بينة.
والثالث: أن الاستثناء من الثلاثة، فإذا تاب قبلت شهادته.
واختلف في صفة توبته: فقيل: هو أن يزيد خيرا على ما كان. قاله مالك، وقيل: هو أن يكذب نفسه، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر.
وفائدة قوله تعالى: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا [النور: 4] أي: مقدار مدة حياته، ومقدار انقضاء وقته، فالمعنى: لا تقبل ما دام قاذفا. قال ابن التين: وهذا من جهة المعنى في اللغة وكلام العرب يوجب قبول شهادته.
وحديث زيد بن خالد حجة على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في التغريب أنه لا يجب إلا إذا رآه الإمام. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي به في المرأة والعبد، وخالف nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك فيهما. قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي: وما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من تغريب الزاني وجلده ليس من طريق الشهادة.