[ ص: 40 ] ابنة عمي وخالتها تحتي . وقال زيد : ابنة أخي . فقضى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - لخالتها . وقال : "الخالة بمنزلة الأم" . وقال nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي : " أنت مني وأنا منك" . وقال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي" . وقال لزيد : " أنت أخونا ومولانا" . [انظر : 1781 - مسلم: 1783 - فتح: 5 \ 303]
ذكر فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء قال : لما صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الحديبية كتب nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كتابا ، فكتب محمد رسول الله . فقال المشركون : لا تكتب : محمد رسول الله ، لو كنت رسولا لم نقاتلك .
الحديث بطوله من طريقيه ، وسيأتي قريبا في الشروط بنحوه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=83المسور ومروان يخبران عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
إذا تقرر ذلك ; فالكلام عليه من وجوه :
أحدها :
الحديبية مخففة الياء ، وتشدد : اسم بئر هناك ، وفي كونها من الحرم قولان : قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : نعم ، وخالفه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
ولا بأس عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن ينحر هدي العمرة في الحرم ، وعندنا الأفضل له المروة والحاج منى ، وكانت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة ست ، وصالح قريشا على سنتين وقيل : ثلاث ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج . وقيل :
أربع ، قاله عروة . وقيل : عشر ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق . وأقام بالحديبية شهرا ونصفا . وقيل : خمسين ليلة .
الثاني :
أصل هذا الباب أن يكتب في اسم الرجل من تعريفه ما لا يشكل على أحد فإن كان اسمه واسم أبيه مشهورين شهرة ترفع الإشكال لم
[ ص: 41 ] يحتج في ذلك إلى زيادة ذكر نسبه ولا قبيلته ، ألا ترى أنه - عليه السلام - اقتصر في كتاب المقاضاة مع المشركين على أن كتب محمد بن عبد الله ، ولم يزد عليه لما أمن الالتباس فيه ; لأنه لم يكن هذا الاسم لأحد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - واستحب الفقهاء أن يكتب اسمه واسم أبيه وجده ونسبه ; ليرفع الإشكال فيه ، فقلما يقع مع ذكر هذه الأربعة اشتباه في اسمه ، ولا التباس في أمره .
وفيه : رجوعه - عليه السلام - إلى اسمه واسم أبيه في العقد ، ومحوه بخطه النبوة ، إنما كان ; لأن الكلام في الصلح وميثاق العقد ، كان إخبارا عن أهل مكة ألا تراهم قالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك ، ولا قاتلناك فخشوا أن ينعقد عليهم إقرارهم برسالته - عليه السلام - فلذلك قالوا ما قالوا هربا من الشهادة بذلك .
الثالث :
قوله : (فقال علي : ما أنا بالذي أمحاه ) . يقال : محوت الشيء أمحوه ، ومحيته محيانا وأمحاه ، مثل : قلى يقلي ، وسقى يسقي ، والذي في القرآن : يمحو الله ما يشاء [الرعد : 39] ومحو الرحمن من الكتاب إنما هو لأنه ربما آل النساخ في ذلك إلى فساد ما كانوا أحكموه من الصلح ، ولئن محي فهو في الصدور باق ، وإباء علي من محوه أدب منه وإيمان ، وليس بعصيان فيما أمره به ، والعصيان هنا أبر من الطاعة له وأجمل في التأدب والإلزام .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وفي كتابه - عليه السلام - : باسمك اللهم ، ولم يأب عليهم أن يكتبه إذا لم يكن في كتابه ذلك نقض شيء من شروط الإسلام ، ولا تبديل بشيء من شرائعه ، وإن كانت سنته الجارية بين أمته أن
[ ص: 42 ] يستفتحوا كتبهم بالبسملة ، وكان فعله ذلك ، والمسلمون يومئذ في قلة من العدد ، وضعف من القوة ، والمشركون في كثرة من العدد ، وشدة من الشوكة فتبين أن نظير ذلك إذا حدثت للمسلمين حالة تشبه حالة المسلمين يوم الحديبية في القلة والضعف ، وامتنع المشركون من الصلح إلا على حذف بعض أسماء الله تعالى وصفاته ، أو حذف بعض محامده ، أو بعض الدعاء لرسوله - عليه السلام - ، أو حذف بعض صفاته ، ورأى القيم بأمر المسلمين أن النظر للمسلمين إتمام الصلح ، أن له أن يفعله لفعله - عليه السلام - في ذلك ، فلو امتنعوا من الصلح على أن يبتدئ الكتاب ، هذا ما قضى وأقر عليه فلان وفلان ، ويحذف منه كل ما يبتدأ به من ذكر أسماء الله وصفاته في ابتداء الكتاب أو يحذف منه ذكر (الخلافة ) : لأنه ليس في ترك ذلك ترك فرض من فرائض الله لا يسع المسلمين تضييعه ; لأنه - عليه السلام - لما أجابهم إلى ما أرادوا من كتاب محمد بن عبد الله لم يكن ذلك مزيلا لصفته من النبوة ، ولا يكون للخليفة إذا لم يوصف بالخلافة دخول منقصة عليه ، ولا زواله عن منزلته من الإمامة ، كما لم يكن في رضى رسول الله أن يكتب محمد بن عبد الله منقصة عن النبوة التي يجعلها الله فيه .
الرابع :
قوله : (بجلبان السلاح ) فسألوه : ما جلبان السلاح ؟ قال : "القراب بما فيه" ، وفسر أيضا بالسيف والقوس ونحوه .
[ ص: 43 ] وفي لفظ : "لا يحمل سلاحا إلا سيوفا" ، وقال : "إلا بجلب السلاح "- أنكره كله القزاز ، وقال : أحسب بجلبان السلاح أي : ما ستره .
قال : فلذلك فسر بالقراب بما فيه ، وإنما يراد به : استتاره . وقال الأزهري : القراب غمد السيف .
والجلبان من الجلبة وهي الجلدة التي تجعل على القتب ، والجلدة التي تغشى البهيمة ; لأنها كالغشاء للقراب . ورواه ابن قتيبة بتشديد الباء وضم اللام ، وكذا ضبطه بعض المحدثين قال : وهو أوعية السلاح بما فيها ، وما أراه سمي به إلا كناية ، ولذلك قيل للمرأة الجافية الغليظة : جلبانة .
قال الهروي : والقول ما قاله الأزهري . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الجلبان يشبه الجراب من الأدم يضع الراكب فيه سيفه بقرابه ويضع فيه سوطه ، يعلقه الراكب من واسطة رحله أو من آخره ، تحتمل أن تكون اللام ساكنة وهو جمع جلب ، ودليله قوله في رواية مؤمل عن سفيان : "إلا بجلب السلاح" . قال : وجلب السلاح نفس السلاح ، فجلب الرجل نفس عيبته كأنه يريد به نفس السلاح ، وهو السيف خاصة من غير أن يكون معه أدوات الحرب من لأمة ورمح وجحفة ونحوها ، ليكون علامة للأمن والعرب لا تضع السلاح إلا في الأمن .
قال : وقد جاء (جربان السيف ) في هذا المعنى . قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : الجربان : قراب السيف فلا ينكر أن يكون ذلك من باب تعاقب اللام
[ ص: 44 ] والراء والذي ضبط في أكثر الكتب : بجلب السلاح بضم اللام وتشديد الباء ، وهو يرد التأويل السالف ، وضبط الجوهري وابن فارس جربان بضم الراء وتشديد الباء . قال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : جربان السيف : قرابه ، وقيل : حده .
الخامس :
قوله : (فصالحهم على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام ) .
وقوله : (فمحاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ) أي : بعدما أراه علي الخط . ويحتمل أن يكون يعرفه بكثرة الدربة .
[ ص: 45 ] وقوله : (فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - الكتاب ، فكتب ) أي أمر عليا فكتب كضرب الأمير : أمر به ، وقيل محاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله : (فكتب ) يعني nindex.php?page=showalam&ids=8عليا . قال الشيخ أبو الحسن : ما رأيت هذا اللفظ (فكتب ) إلا في هذا الموضع . وقيل : إنه مختص بهذا الموطن . وقيل : إنه كالرسم ; لأن بعض من لا يكتب يرسم اسمه بيده ; لتكراره عليه . وقيل : كتب .
وقيل : لما أخذ القلم أوحى الله إليه فكتب . وقيل : ما مات حتى كتب . وقيل : كتب على الاتفاق من غير قصد فانتظم ذلك منه .
قال السهيلي : وكتب علي ذلك اليوم نسختين إحداهما مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأخرى مع سهيل وشهد فيها أبو بكر وعمر nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف nindex.php?page=showalam&ids=37وسعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=5وأبو عبيدة بن الجراح nindex.php?page=showalam&ids=80ومحمد بن مسلمة ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك ، وحويطب بن عبد العزى وسيأتي له زيادة في كتابه .
ووقع في بعض نسخ "أطراف" أبي مسعود أنه - عليه السلام - أخذ الكتاب ولم يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله : محمدا ، وكتب : هذا ما قاضى
وقال به nindex.php?page=showalam&ids=12002أبو ذر الهروي ، وأبو الفتح النيسابوري ، وأبو الوليد الباجي وصنف فيه وأنكر عليه .
السادس :
قوله : (فتبعتهم ابنة حمزة ) وفي حديث آخر : أن زيدا أتى بها واحتج حين خاصم فيها لأنه تجشم الخروج بها ، فإما أن يكون في إحدى الروايتين وهم ، أو يكون خرج مرة فلم يأت بها وسيقت إليه في هذه المرة فأتى بها فتناولها علي ، ذكره ابن التين .
وفيه : تناول غير ذات المحرم عند الاضطرار إليه . قاله nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي ، والصحيح أنها الآن ذات محرم ; لأن فاطمة أختها من الرضاعة ، وهي تحت علي فهي ذات محرم إلا أنها غير مؤبدة التحريم .
وفيه : خروج فاطمة في هذه العمرة .
وقولها : (يا عم ) إن قالته لرسول الله فهو عمها من الرضاعة ، وإن قالته لزيد فكان مصاحبا لحمزة مؤاخيا له ، وقد تقوله له ولعلي ولجعفر لسنهم وصغرها .
[ ص: 47 ] "المدونة " هي أحق من الأب ، وهو مشهور مذهبه ، وقيل : الأب أولى منها .
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : وفيه دلالة على أن أم الصغير ومن كان من قرابتها من النساء أولى بالحضانة من عصبتها من قبل الأب وإن كانت ذات زوج غير الوالد الذي هو منه ، وذلك أنه - عليه السلام - قضى بابنة حمزة لخالتها في الحضانة وقد تنازع فيها ابنا عمها علي وجعفر ومولاها أخو أبيها الذي كان - عليه السلام - آخى بينه وبينه ، وخالتها يومئذ لها زوج غير أبيها ، وذلك بعد مقتل حمزة فصح قول من قال : إنه لا حق لعصبة الصغير من قبل الأب في حضانته ما لم يبلغ حد الاختيار مع قرابته من النساء من قبل الأم وإن كن ذات أزواج .
فإن قلت : فإذا كانت قرابة الأم أحق وإن كن ذات أزواج فهلا كانت الأم ذات الزوج كذلك كان كما كانت الخالة ذات الزوج أحق به .
قيل : فرق بين ذلك قيام الحجة بالنقل المستفيض ورواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن الأم أحق بحضانة الطفل ما لم تنكح وإذا نكحت فالأب أحق بحضانته .
وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده وكل واحدة من المسألتين أصل : إحداهما من جهة النقل المستفيض ، والأخرى من جهة نقل الآحاد العدول ، وغير جائز رد حكم إحداهما على الأخرى ; إذ القياس لا يجوز استعماله إلا فيما لا نص فيه من الأحكام .
وأعظم منها قوله : ("وأنا منك" ) ، وكذا قوله لجعفر وزيد ، ومقالته لزيد هو من قوله تعالى : فإخوانكم في الدين ومواليكم وهو في هذا الموضع لا يصلح أن يكون إلا الانتساب فقط لا الموارثة ، لأنه قد كان نزل في القرآن ترك التبني وترك التوارث به وبالحلف ، ولم يبق من ذلك إلا الانتساب أن ينتسب الرجل إلى حلفائه ومعاقديه خاصة وإلى من أسلم على يديه ، فيكتب كما يكتب النسب والقبيلة غير أنه لا يرثه بذلك .
وفي الحديث أنه قال : (لما قال لزيد : حجل ) قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : هو أن يرفع رجلا ويقف على الأخرى من الفرح . قال : وقد يكون بالرجلين معا إلا أنه قفز .
الثامن :
إن قلت : اشترطوا عليه أن لا يخرج بأحد من أهلها إن تبعه ثم خرجت بنت حمزة ومرت معه .
قلت : إن النساء لم يدخلن في العهد والشرط إنما وقع على الرجال فقط ، وقد بينه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب : الشروط بعد هذا ، وفي بعض طرقه فقال سهيل : وعلى أن لا يأتيك منا رجل هو على دينك إلا رددته إلينا . ولم يذكر النساء فصح بهذا أن أخذه لابنة حمزة كان لهذه العلة .
ألا تراه رد nindex.php?page=showalam&ids=142أبا جندل إلى أبيه وهو العاقد لهذه المقاضاة . وقال
[ ص: 49 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيما سيأتي : يقول الله تعالى : إذا جاءك المؤمنات الآية .
وفيه : نسخ السنة بالقرآن على أحد القولين ، فإن هذا العهد كان يقتضي أن لا يأتيه مسلم إلا رده الله ، فنسخ الله ذلك في النساء خاصة ، على أن لفظ المقاضاة : لا يأتيك رجل . وهو إخراج النساء . وقيل : إنما جاز رد المسلمين إليهم في الصلح ; لقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=105069 "لا يدعوني إلى خطة" إلى آخره . وفي رد المسلم إلى مكة عمارة البيت وزيادة خير من الصلاة بالمسجد الحرام وطوافه بالبيت ، فكان هذا من تعظيم حرمات الله تعالى ، فعلى هذا يكون حكما مخصوصا بمكة وبرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغير جائز لمن بعده كما قال العراقيون . وقيل : إنما رد nindex.php?page=showalam&ids=142أبا جندل واسمه العاص ; لأنه كان يأمن عليه القتل بحرمة أبيه nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو .
وفيه : اختصاص القوم فيما يراه جعالة في علمه ، والحجة في ذلك
[ ص: 50 ] من كل واحد منهم .
وهذه خواتم معجلة على روايات لم يذكرها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وقد ساق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قصة الحديبية مطولة من حديث مروان nindex.php?page=showalam&ids=83والمسور في الشروط فلنشرحها هنا لتصير مجموعة في موضع واحد ، واسم العين الذي بعثه من خزاعة بسر -بالسين المهملة- ابن سفيان بن عمرو بن عويمر الخزاعي . قاله nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في "سيره" ، وهو الذي بعثه أيضا مع بديل بن أم أصرم عام الفتح ليستنفرا خزاعة .
وغدير الأشطاط بطاءين مهملتين ، وبعضهم يقول بالمعجمتين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : هو تلقاء الحديبية . وقيل : وراء عسفان ، وهو جمع شط وهو السنام ، وشط الوادي أيضا جانبه .
والغميم وهو بغين معجمة وميم مكسورة ، وذكر صاحب "المطالع" فيه ضم الغين وفتح الميم ، ورده صاحب "التثقيف" فقال : ويقولون لموضع بقرب مكة : الغميم على التصغير ، والصواب الفتح ، جاء ذكره في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره ، وكذا هو أينما وقع في شعر ابن أبي ربيعة وغيره . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب : الغميم بجانب المراض ، والمراض بين رابغ والجحفة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14065الحازمي : المصغر واد في ديار حنظلة من بني تميم .
والطليعة : التي تخرج لأخذ خبر العدو .
وقترة الجيش : هو غبرة حوافر الدواب . غبرة سوداء ، ومثله ترهقها قترة .
وقوله : (حتى إذا كان بالثنية ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : يعني التي أسفل مكة .
[ ص: 51 ] ومنها : ولما بركت ناقته - عليه السلام - قال الناس : حل حل . وهو زجر الناقة إذا حملها على السير بسكون اللام ، فإذا ثنيت قلت : حل حل بكسر اللام والتنوين في الأولى وسكونها في الآخر كقولهم : بخ بخ ، وصه صه . ويجوز في الثانية كسر اللام كما ضبط في بعض الكتب .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده : هو زجر لإناث الإبل خاصة ، ويقال : حلا وحلي لا حليت ، وقد اشتق منه اسم فقيل : الحلحال في شعر كثير عزة . قال الجوهري : وحوب زجر للبعير .
ومنها : قوله : (ألحت ) -وهو بحاء مهملة مشددة- أي : لزمت مكانها ولم تنبعث . ومنها : خلأت ، وهو بالخاء المعجمة والهمز ، وهو كالحران في الخيل . قال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس والهروي : ألح الجمل وخلأت الناقة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : ولا يقال للجمل خلأ .
وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : الخلأ في النوق مثل الحران في الخيل . فلما قال ذلك وظنوا أن ذلك من خلقها فقال - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=674307 "ما خلأت ، وما ذاك لها بخلق" أي : بعادة ، وهو دال على أن الأخلاق المعروفة من الحيوان يحكم بها على الطارئ الشاذ ، وكذلك في الناس إذا نسب إنسان إلى غير خلقه المعلوم في هفوة كانت منه لم يحكم بها .
[ ص: 52 ] الله أنهم سيسلمون ويخرج من أصلابهم ذرية يؤمنون . هذا موضع التشبيه بحبسها .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : لما رأى - عليه السلام - بروك القصواء علم أن الله -عز وجل- أراد صرفهم عن القتال ليقض الله أمرا كان مفعولا .
ومنها : (الخطة ) ، وهي بضم الخاء المعجمة وبالطاء المهملة : الحالة . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : الخصلة . وقال صاحب "المطالع" : قضية وأمر .
ومنها : قوله : (يعظمون فيها حرمات الله ) يعني البلدة الحرام فيكفون عن القتال فيه تعظيما للحرم .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : يريد بذلك موافقة الله في تعظيم الحرمات ; لأنه فهم عن الله تعالى إبلاغ الأعذار إلى أهل مكة ، فأبقى عليهم لما سبق في علمه من دخولهم في دين الله أفواجا .
ومنها : (الثمد ) وهو : الماء القليل الذي لا مادة له . قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : هو العين . وقيل : هو ما يظهر من الماء زمن الشتاء ويذهب في الصيف . قال بعضهم : لا يكون إلا فيما غلظ من الأرض .
وقوله : (قليل الماء ) . أكده ; لأنه لغة : القليل من الماء كما سلف .
ومنها : قوله : (يتبرضه الناس تبرضا ) . أي يأخذونه قليلا قليلا ، وأصله اليسير من العطاء . وعبارة nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : أنه جمع الماء باليدين . وزعم بعضهم في شرح شعر لبيد أنه القليل من ماء السماء . قال صاحب "العين" : ماء برض : قليل .
[ ص: 53 ] فبرض الماء : جمع البرض منه ، ومنها قوله (فلم يلبثه الناس ) وهو بثاء مثلثة . قال ابن التين : أي لم يتركوهن ، ولبث غير متعد وعداه هنا لأنه رباعي من ألبث يلبث .
وقوله : (حتى نزحوه ) : أي : لم يبقوا منه شيئا ، يقال : نزحت البئر فنزحت لازم ومتعد قاله ابن التين . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : يقال نزحت البئر نقص ماؤها ، وبئر نزوح قليلة الماء ، عن صاحب "العين" .
وقوله (فانتزع سهما من كنانته ) هي : الجعبة التي فيها النبل .
وقوله : (يجيش لهم بالري ) هو بجيم ثم مثناة تحت ثم شين معجمة فاض .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده جاشت تجيش جيشا وجيوشا وجيشانا وكان nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي يقول : جاشت بغير همز : فارت ، وبالهمز : ارتفعت ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : معناه يأتي بالري .
ومنها : (صدروا ) أي رجعوا رواء ، وهو من أعلام نبوته وبركته . ومجيئه من غير أن يستأمن قريشا وبينه وبينهم ما لا يخفى جريا على عادة العرب من أن مكة غير ممنوعة ممن قصدها .
ومنها : (بديل بن ورقاء ) وكان من دهاة العرب . قال أبو عمر : أسلم يوم الفتح بمر الظهران وشهد حنينا والطائف وتبوك وكان من كبار مسلمة الفتح ، وقيل : أسلم قبل ذلك . وتوفي في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان : كان سيد قومه .
ومنها : قوله : (نصح النبي - صلى الله عليه وسلم - ) قال ابن التين : ضبط بفتح النون على أنه مصدر من ينصح ، وفي بعض الكتب بضمها على الاسم من نصح . و (تهامة ) : بكسر التاء .
ومنها (أعداد مياه الحديبية ) قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : يعني موضعا بمكة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي nindex.php?page=showalam&ids=12997وابن بطال : هو جمع عد ، وهو جمع الماء الدائم الذي لا ينقطع ، يقال : ماء عد ومياه أعداد ، وأصل الماء موه بدليل جمعه على مياه ، فالهمز إذن بدل من الهاء ، وكذلك يقال في تصغيره : مويه .
ومنها : (العوذ المطافيل ) . قال السهيلي هو جمع عائذ ، وهي الناقة التي معها ولدها يريد أنهم خرجوا بذوات الألبان ليزودوا بألبانها ولا يرجعوا حتى يناجزوك في زعمهم ، وإنما قيل للناقة : عائذ ، وإن كان الولد هو الذي يعوذها لأنها عاطف عليه كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها ; لأنها في معنى نامية وزاكية . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : العوذ . الحديثات النتاج . قال : والمطافيل قيل : الأمهات التي معها أطفالها يريد أن هذه القبائل قد احتشدت لحربه وساقت أموالها .
[ ص: 55 ] وقال ابن التين : تجمع أيضا على عيذان مثل راع ورعيان في "الصحاح" . قلت : وعوذان أيضا ، تقول : هي عائذ بينة العئوذ إذا ولدت عشرة أيام وخمسة عشر يوما ثم هي مطفل بعد ذلك ذكره الجوهري ، وذكر الهروي أنه يقال المطافيل : النساء معهن أولادهن وقال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : هي سبعة أيام عائذ إذا وضعت . قال : والمطافيل : التي معها أطفالها ، زاد وهي قريبة عهد بنتاج .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : العوذ المطافيل : سراة الرجال . قال : وهو ذهل ، وقيل : هي الناقة التي لها سبع ليال منذ ولدت وقيل : عشرة . وقيل : خمسة عشر يوما ، ثم هي مطفل بعد ذلك ، وقيل : النساء مع الأولاد . وقيل : النوق مع فصلانها ، وهذا هو أصلها .
وقوله : (نهكتهم الحرب ) هو بكسر الهاء وفتحها ، أي : أبلغت فيهم . يقال نهكته الحمى إذا نقصته يريد ما كان من بدر وما تكلفوه يوم أحد ويوم الخندق من نفقات الأموال .
ومنها : قوله : "ماددتهم" أي : ضربت معهم مدة للصلح .
ومنها : قوله : "فإن شاءوا" قال ابن التين : وقع في بعض الكتب بالواو بدل الفاء ، وبالأول يستثقل الكلام ، ومعنى "يخلوا بيني وبين الناس" أي : يكفون عن حربي ويتركوني وإياهم فإن ظفرت بهم كانوا قد ربحوا أموالهم وما تأتي عليه الحرب من الأنفس ، وإن ظفر بغيرهم فقد جموا .
وقوله : "جموا" -بالجيم- أي : استراحوا من جهد الحرب ، وهم
[ ص: 56 ] جامون أي : مستريحون وأصله الجمع والكثرة ، ومنه الجم الغفير . وقال ابن التين إنه مأخوذ من الجمام وهي الراحة .
ومنها : "تنفرد السالفة " قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أي : بين عنقي ، والسالفة مقدم العنق ، وقيل : صفحته ، وفي "المخصص" السوالف : الطلى . وفي "المحكم" : أعلى العنق . وأراد حتى أبقى وحدي . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : أراد حتى تنقطع مدتي وأنفرد في قبري . قال : والسالفة قيل : العنق وهو العرق الذي بين الكتف والعنق .
ومنها : قوله : ("ولينفذن الله -عز وجل- أمره" ) أي : ليظهره على الدين كله وإن كرهوا .
ومنها : قوله : ("ألستم بالوالد ، أو لست بالولد" ) أي : أصنع لكم ما يصنع الولد لوالده في النصرة وغيرها .
واسم أم عروة بن مسعود سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف .
ومنها : قوله : ("استنفرت أهل عكاظ" ) أي : دعوتهم إلى نصركم .
وقوله : ("فلما بلحوا" ) هو بباء موحدة وبعد اللام المشددة حاء مهملة ، أي : عجزوا يقال : بلح الفرس إذا أعيا ووقف .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : (بلحوا ) : امتنعوا . يقال : بلح الغريم إذا قام عليك فلم يؤد حقك ، وبلحت البركة إذا انقطع ماؤها .
[ ص: 57 ] ومعنى (اجتاح ) : استأصل أهله ، ومنه سميت الجائحة . و (الأشواب من الناس ) يريد : الأخلاط . قاله nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي .
قال : والشوب : الخلط . وروي أوشابا وهو مثله . تقول : هم أوشاب وأشابات إذا كانوا من قبائل شتى مختلفين .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي هم أرذال الناس . وقال القزاز : مثل الأوباش .
وقوله : (خليقا أن يفروا ويدعوك ) أي : حقيقا ذلك . قاله nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس : بكذا أي : ممن يقدر فيه .
وقوله : (امصص بظر اللات ) هو بفتح الصاد الأولى كما قيده الأصيلي وصوبه صاحب "المطالع" من مص يمص وهو أصل مطرد في المضاعف مفتوح الثاني ، وفي رواية أبي الحسن بضمها ، والأول أصح ; لأن ماضيه مص .
قال ابن التين : وهي كلمة تقولها العرب عند المشاتمة والذم ، تقول : ليمصص بظر أمه ، واستعار أبو بكر ذلك في الكلام لتعظيمهم إياها .
والبظر : بالظاء المعجمة قبلها باء موحدة ثم راء . قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : هو فرج المرأة ، وقال ابن التين : هو عند أهل اللغة ما يخفض من فرجها أي يقطع عند خفاضها .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : البظارة ما بين الأسكتين ، وهما جانبا الحياء . وقال أبو زيد : هو البظر . وقال أبو مالك : هو البنظر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : البيظرة :
[ ص: 58 ] ما تقطعه الخاتنة من الجارية ، ذكره في "المخصص" .
وقال في "المحكم" : البظر ما بين الأسكتين ، والجمع بظور وهو البيظر والبظارة ، والبظارة ، الأولى عن أبي غسان ، وامرأة بظراء : طويلة البظر ، والاسم : البظر ، ولا فعل له ، والمبظر : الخاتن كأنه على السلب ، ورجل أبظر : لم يختن .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة : (أما والذي نفسي بيده لولا يد . . ) إلى آخره قال ذلك وهو كافر ; لأنهم كانوا يعرفون الله وبعض صفاته ويجهلون بعضها ، وكانوا يسمون عبد الله ، كذا ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي وأنكر هذا بعضهم ، وقال : إذا جهل بعض صفات الله لم يعرفه ، وأسلم nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بعد ذلك ، وأرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قوم فقتلته ، ويقال : إن مثله كمثل الذي قال : يا ليت قومي يعلمون الآية [يس : 26] ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي .
وقوله : (لم أجزك بها ) أي لم أكافئك بها ، من جزى يجزي .
وفيه : دلالة أن الأيادي يجب على أهل الوفاء مجازتها ، والمعاوضة عليها ، ومس nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة لحية سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاريا على عادة العرب يستعملونه كثيرا ، يريدون بذلك التحبب والتواصل ، وحكي عن بعض العجم فعل ذلك أيضا وأكثر العرب فعلا كذلك أهل اليمن ، وكان المغيرة يمنعه من ذلك إعظاما لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإكبارا لقدره ; إذ كان إنما يفعل ذلك الرجل بنظيره دون الرؤساء ، وأين نظيره ؟! ولم يمنعه - عليه السلام - من ذلك تألفا واستمالة لقلبه وقلب أصحابه .
[ ص: 59 ] والمغفر : شيء يعمل من سرد الدروع تستر الرأس إلى الكتفين .
وقوله : (كلما أهوى بيده ) يقال : أهوى الرجل بيده إلى الشيء ليأخذه .
ونعل السيف : ما يكون أسفل القراب من حديد أو فضة ، ويستدل بهذا على جواز قيام الناس على رأس الإمام بالسيف ; مخافة العدو، وأن الإمام إذا جفا عليه أحد لزم ذلك القائم تغييره بما أمكنه .
وقوله : (أي غدر ) : يريد المبالغة في وصفه بالغدر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : وفي لين nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة وبديل لقريش دلالة على أنهم كانوا أهل إصغاء وميل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة : (أرأيت إن استأصلت قومك ) فيه : دلالة على أنه - عليه السلام - كان يومئذ معه جمع يخاف منه nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة على أهله الاستئصال لو قاتلهم ، وخوف nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة إن دارت الدائرة -والعياذ بالله- على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يفر عنه من تبعه من أخلاط الناس ; لأن القبائل إذا كانت متميزة لم يفر بعضها عن بعض ، فإذا كانوا أخلاطا فر كل واحد عن الآخر ، ولم ير على نفسه عارا ، والقبيلة بأصلها ترى العار وتخافه ، ولم يعلم nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أن الذي عقده الله به من قلوب المؤمنين من محض الإيمان فوق ما تعتقده القرابات لقراباتهم .
ولذلك رد عليه nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق ، وهكذا يجب أن يجاوب من جفا على سروات الناس ، وأفاضلهم ، ورماهم بالفرار .
وقوله : (ألست أسعى في غدرتك ) يريد أن nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة كان يصلح على قوم المغيرة ، ويمنع منهم أهل التنكيل الذين قتلهم المغيرة ; لأن أهل المغيرة بقوا بعده في دار الكفر ، وكان المغيرة خرج مع نفر من بني
[ ص: 60 ] مالك إلى المقوقس ، ومع القوم هدايا قبلها منهم المقوقس ، ووصلهم بجوائز ، وقصر بالمغيرة ; لأنه ليس من القوم ، فجلسوا في بعض الطريق يشربون ، فلما سكروا وناموا قتلهم المغيرة جميعا ، وأخذ ما كان معهم ، وقدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلم ، فقال له أبو بكر : ما فعل المالكيون الذين كانوا معك ؟ قال : قتلتهم ، وجئت بأسلابهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتخمس أو ليرى فيها رأيه ؟ فقال - عليه السلام - : "أما المال فلست منه في شيء" ، يريد في حل ; لأنه علم أن أصله غصب ، وأموال المشركين وإن كانت مغنومة عند القهر فلا يحل أخذها عند الأمن ، وإذا كان الإنسان مصاحبا لهم ، فقد أمن كل واحد منهم صاحبه ، فسفك الدماء وأخذ الأموال عند ذلك غدر ، والغدر بالكفار وغيرهم محظور .
فلما بلغ ثقيفا فعل المغيرة تداعوا للقتال ، ثم اصطلحوا على أن يحمل عنه عروة بن مسعود عم المغيرة ثلاثة عشر دية .
والنخامة : ما يصعد من الصدر إلى الفم ، ومن الرأس .
وابتدروا أمره : استبقوا إليه .
وقوله : (يقتتلون على وضوئه ) . قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : قصد بما يتوضأ به من الماء ، ويحتمل أنه يريد : أنه كان يتوضأ في إناء ليتبركوا به ، ولئلا يضيع ما فيه منفعة .
وقوله : (خفضوا أصواتهم عنده ) . هذا كقوله تعالى : لا ترفعوا أصواتكم الآية [الحجرات : 2] .
قوله : (ما يحدون إليه النظر ) أي : ما يتأملونه ، ولا يديمون النظر
[ ص: 61 ] تعظيما له .
وكان أبو بكر وعمر بعد أن نزلت الحجرات لا يكلمه أحدهما إلا كالمناجي له حتى ربما استفهم أحدهما لشدة الإخفاء .
وقوله : (فقال رجل من بني كنانة ) كانت بنو كنانة ممن يمالئ قريشا على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودخلوا في عهد قريش ، كما أن خزاعة دخلت في عهد المسلمين ، وكان في بعض المدة عدا رجل من كنانة على آخر من خزاعة ، فعلمت قريش أن العهد انتقض ، فأرسلوا أبا سفيان ليجدد العهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وظنوا أنه لم يعلم بقتل الخزاعي ، وكان الوحي جاءه بذلك ، فلم يفصح لأبي سفيان بنقض العهد ، ولا أن يجدد ، بل قال له : "يكفي العهد الأول" ، وهذا من المعاريض .
فمشى أبو سفيان إلى أبي بكر وعمر ليكلماه بذلك فأجاباه بغلظ ، وإلى فاطمة وابنيها فأبوا ، فأتى الناس والنبي - صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانيهم ، فقال : إني أجرت بين الناس ، فقال - عليه السلام - ، وأراد أن يوهمه : "أسمع ما تقول أبا سفيان ؟ " ، ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما فعل فعلموا أنه لم يفد شيئا .
وقوله : "سهل أمركم ؟ " هو تفاؤل - عليه السلام - باسم سهيل ، إذ كان يحب الفأل الحسن ، وكان تفاؤله حقا ; لأنه يلقى في روعه ، وفي إنكار سهيل كتب البسملة ، ويمين المسلمين : (والله لا نكتب ) فيه -كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال - أن أصحاب السلطان يجب عليهم مراعاة أمره . وتركه - عليه السلام - إبرار قسمهم ، وقد أمر به أمر ندب مما يحسن ويجمل .
فإذا كان الحلف في أمر يؤدي إلى انخرام المقاضاة والصلح كهذا
[ ص: 62 ] فلا يندب إلى بره ، مع أن ما دعا إليه سهيل لم يكن إلحادا في أسمائه تعالى ، وكذا ما أباه من كتابة (رسول الله ) ليس إلحادا في الرسالة .
فلذلك أجابه - عليه السلام - إلى ما دعاه ، ولم يأنف سهيل من هذا ; لأنه كان متكلما عن أهل مكة لا سيما وفي بعض طرقه : هذا ما قاضى عليه أهل مكة رسول الله . فخشي سهيل أن ينعقد في مقالتهم الإقرار برسالته . وليس في انتمائه إلى أبيه ما ينفي رسالته .
وقول سهيل : (لا تكتب إلا باسمك اللهم ) أول من قالها أمية بن أبي الصلت ، كما قال السهيلي ، ومنه تعلمتها قريش وتعلمها هو من الجن فيما ذكره المسعودي .
وقوله : (إذ أتاه nindex.php?page=showalam&ids=142أبو جندل : إنا لم نقض الكتاب بعد ) يقتضي أن من صالح أو عاهد على شيء بالكلام أنه بالخيار في النقض في المجلس .
وقوله : (فأجره لي ) .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي فيما نقله nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي : بالراء . وبالزاي أليق ، وكذا قال ابن التين : أنه يروى بهما ، فمن رواه بالراء فهو من الأمان . قال تعالى : فأجره حتى يسمع كلام الله [التوبة : من الآية 6] ومنه أيضا : وهو يجير ولا يجار عليه [المؤمنون : من الآية 88] .
وقول مكرز : (أجزناه لك ) أي : أمناه لك إذ لم يفعل سهيل ، وكان سهيل من أشراف قريش ، ومعنى (أجزه ) بالزاي ، أي : أجز لي فعلي فيه ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي .
وقوله : (الدنية ) يعني : الدون .
[ ص: 63 ] وقوله : ("إني رسول الله ولست أعصيه " ) تنبيها nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر . أي : إنما أفعل هذا من أجل ما أطلعني الله عليه من حبس الناقة ، وإني لست أفعل ذلك برأيي وإنما هو بوحي ، وما كان من nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لرسول الله ولأبي بكر .
فيه : أن للمؤمنين استفهام الأنبياء عما تلجلج في نفوسهم ; ليزال ما في نفوسهم ، ويزدادوا يقينا .
ألا ترى أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حمل كلامه في دخول البيت على عمومه ، فأخبره الشارع أنه لم يعده بذلك في هذا العام ، بل وعدا مطلقا ، ويؤخذ منه أن من حلف على فعل ولم يعين وقتا أن وقته أيام حياته ، وانظر إلى فضل أبي بكر على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في جوابه بما أجابه سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء ، وهو دال على توقد ذهنه ، وحسن قريحته ، وقوة إيمانه .
والغرز للرجل بمنزلة الركاب للسرج فكأنه استعار ذلك ، أي : تمسك بركابه واتبعه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي في رواية أخرى : (بعروة الله ) أي : بدل (بغرزه ) .
وقول عمر : (فعملت لذلك أعمالا ) يشير كما قال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي إلى الاستغفار والاعتذار .
[ ص: 64 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : يعني أنه كان يحض الناس على ألا يعطوا الدنية في دينهم بإجابة سهيل إلى رد nindex.php?page=showalam&ids=142أبي جندل إليهم ، ويدل على ذلك إتيانه أبا بكر ، وقوله له مثل ذلك .
وأبو بصير بالباء الموحدة المفتوحة ثم صاد مهملة مكسورة ، اسمه عتبة بن أسيد بن جارية بن أسيد ، وقيل : عبيد بن أسيد حالف بني زهرة .
وقوله : ("مسعر حرب " ) هي كلمة تعجب ، يصفه بالإقدام في الحرب ، والإيقاد لنارها ، واشتقاقه من سعرت النار إذا أوقدتها ، والمسعر الخشبة التي تسعر النار .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : هي كلمة تقال عند المدح والذم والإعجاب .
و (ويل ) مكسور اللام ، وموصول ألف (امه ) ، قال ابن التين : كذا رويت هذه اللفظة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : إعرابه : ("ويل امه مسعر حرب" ) ، فانتصب على التمييز ، ولم يرد الدعاء بإيقاع الهلكة عليه ، وإنما هو على ما جرت به عادة العرب على ألسنتها كـ"تربت يداك " ونحوه ، وقتل أبي بصير أحد الرسل بعد أن أرسله رسول الله معه ، فليس عليه حراسة المشركين ممن يدفعه إليهم ، ولا عليه في ذلك دية ; لأن هذا لم يكن في شرطه ولا طالب أولياء القتيل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقود من أبي بصير .
وظاهر الحديث -كما قال السهيلي - رفع الحرج عنه ; لأنه - عليه السلام - لم يثرب بل مدحه فقال : "ويل امه مسعر" ، وفي رواية : "محش حرب " ;
[ ص: 65 ] لأن أبا بصير دفع عن نفسه ودينه ، ومن قتل دون واحد منهما فهو شهيد ، قال : لم يزل أصحابه يكثرون حتى بلغوا ثلاثمائة وكان كثيرا ما يقول :
هنا لك الله العلي الأكبر من ينصر الله فسوف ينصر
قال : فلما جاءهم الفرج من الله ، وكلمت قريش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤيهم إليه لما ضيقوا عليهم ، ورد كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأبو بصير يجود بنفسه ، فلما قرأ الكتاب سر به ثم قبض والكتاب على صدره ، فبني عليه مسجد ، فلما فهم من قوله : "لو كان له أحد" خرج حتى أتى سيف البحر بكسر السين المهملة ، أي : شاطئه وهو موضع ، كما قاله الداودي .
وقوله : (وامتعضوا ) هو بضاد معجمة ، أي : كرهوا ، وروي بتشديد الميم ، وصحف من قاله بالظاء المعجمة ، واقتصر nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال في أول الشروط على قول صاحب "العين" : معض الرجل وامتعض إذا غضب للشيء ، وأمعضته وأمعضه ومعضته إذا أنزلت به ذلك .