وقوله : ("مؤمن يجاهد في سبيل الله " ) ليس على عمومه ، فلا يريد أنه أفضل الناس ; لأنه أفضل منه من أوتي منازل الصديقين وحمل الناس على الشرائع والسنن وقادهم إلى الخير ، وسبب لهم أسباب المنفعة دينا ودنيا ، لكن إنما أراد -والله أعلم - أفضل أحوال عامة الناس ; لأنه قد يكون في خاصتهم من أهل الدين والعلم والفضل والضبط للسنن من هو أفضل منه .
وقوله : ("والله أعلم بمن يجاهد في سبيله " ) يريد والله أعلم بعقد نيته إن كانت لله خالصة وإعلاء كلمته ، فذلك المجاهد في سبيل الله إن كان في نيته حب المال والدنيا واكتساب الذكر منها فقد شرك في سبيل الله سبيل الدنيا .
وقوله : ("كمثل الصائم القائم " ) يدل على أن حركات المجاهد (ونومه ) ويقظته حسنات ، وإنما مثله بالصائم ; لأنه ممسك لنفسه عن الأكل والشرب واللذات ، وكذلك المجاهد ممسك لنفسه على محاربة العدو وحابس نفسه على من يقاتله .
[ ص: 330 ] وقوله : ("مع ما نال من أجر أو غنيمة " ) إنما أدخل (أو ) هنا ; لأنه قد يرجع مرة بالأجر وحده ومرة به والغنيمة جميعا ، فأدخل (أو ) ليدل على اختلاف الحالين ، لا أنه يرجع بغنيمة دون أجر بل أبدا يرجع بالأجر كانت غنيمة أو لم تكن ، نبه عليه nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال .
وحكى ابن التين nindex.php?page=showalam&ids=11963والقرطبي أن (أو ) هنا بمعنى الواو الجامعة على مذهب الكوفيين ، وقد سقطت في nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود وفي بعض روايات nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وقال ابن أبي صفرة : تفاضلهم بالأجر وتساويهم في الغنيمة دليل قاطع أن الأجر يستحقونه (بنياتهم ) ، فيكون أجر كل واحد على قدر عنائه ، وأن الغنيمة لا يستحقونها بذلك لكن بتفضل الله عليهم ورحمته لهم ; لما رأى من ضعفهم فلم يكن لأحد فضل على غيره إلا أن يكون يفضله قاسم الغنيمة فينفله من رأسها ، كما نفل أبا قتادة ،
[ ص: 331 ] أو من الخمس كما نفلهم في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، والله يؤتي (فضله ) من يشاء ، وإدخاله الجنة يحتمل أن يدخلها إثر وفاته تخصيصا للشهيد أو بعد البعث ، ويكون فائدة تخصيصه أن ذلك كفارة لجميع خطايا المجاهد ولا يوزن مع حسناته ، ذكره ابن التين .