التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
253 256 - حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا معمر بن يحيى بن سام، حدثني أبو جعفر قال: قال لي جابر: وأتاني ابن عمك يعرض بالحسن بن محمد بن الحنفية، قال: كيف الغسل من الجنابة؟ فقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده. فقال لي الحسن: إني رجل كثير الشعر. فقلت: كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر منك شعرا. [انظر: 252 - مسلم: 329 - فتح: 1 \ 368]


ذكر فيه ثلاثة أحاديث:

أحدها: حديث سليمان بن صرد، عن جبير بن مطعم مرفوعا: "أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا". وأشار بيديه كلتاهما.

وقد أخرجه مسلم أيضا.

وسليمان بن صرد صحابي أيضا، قتل سنة خمس وستين، وهو من الأفراد، وكان أحد العباد.

[ ص: 560 ] وقوله: (كلتاهما). كذا في بعض النسخ، وفي بعضها: كلتيهما، ووجه الأول على من يراهما تثنية، ويرى أن التثنية لا تتغير; كقوله:

إن أباها وأبا أباها... قد بلغا في المجد غايتاها

ثانيها: حديث جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثا.

ثالثها: حديثه أيضا: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه، ثم يفيض على سائر جسده. وفي آخره: كان صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك.

وقد سلف في الباب قبله، وفي إسناد الأول مخول بن راشد، وهو النهدي مولاهم. وفي الثاني معمر بن يحيى بن سام، وهو بالتشديد، وقيل: بالتخفيف، وليس له في الصحيح غير هذا الحديث، وهو عزيز، وانفرد به البخاري. وقال أبو زرعة في حقه: ثقة. وقال البخاري: روى عنه وكيع مراسيل.

وأما فقه الباب:

ففيه إفاضة الماء على الرأس ثلاثا، واستحبابه متفق عليه، وألحق به أصحابنا سائر الجسد; قياسا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء، وهو أولى بالثلاث من الوضوء، فإن الوضوء مبني على التخفيف مع تكراره، فإذا استحب فيه الثلاث فالغسل أولى.

[ ص: 561 ] قال النووي: ولا نعلم فيه خلافا إلا ما تفرد به الماوردي، حيث قال: لا يستحب التكرار في الغسل، وهو شاذ متروك.

قلت: قد قاله أيضا الشيخ أبو علي السنجي في "شرح الفروع" فلم يتفرد به.

ونقل ابن التين عن العلماء أنه يحتمل أن يكون هذا على ما شرع في الطهارة من التكرار، وأن يكون لتمام الطهارة; ولأن الغسلة الواحدة لا تجزئ في استيعاب غسل الرأس، قال: وقيل: ذلك مستحب، وما أسبغ أجزأ، وكذا قال ابن بطال: العدد في ذلك مستحب عند العلماء، وما عم وأسبغ أجزأ.

قال: وليس في أحاديث الباب الوضوء في الغسل؛ ولذلك قال جماعة الفقهاء: إنه من سننه.

وفيه: أن الغرفة باليدين جميعا، وعليه يحمل ما في حديث جابر: يأخذ ثلاثة أكف.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثا). الظاهر أنه رد به على قوم يفعلون أكثر من ذلك، ولنا فيه أسوة حسنة.

التالي السابق


الخدمات العلمية