هذا الأثر يأتي قريبا إن شاء الله في غزوة خيبر مع طريق آخر له، وسلف في آخر المزارعة، والغنيمة لمن شهد الوقعة، وهو قول أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر، وعليه جماعة الفقهاء، ولا يرده قسمه - صلى الله عليه وسلم - لجعفر بن أبي طالب ولمن قدم في سفينة أبي موسى من غنائم خيبر ولم يشهدوها؛ لأن خيبر مخصوصة بذلك؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم غير خيبر لمن لم يشهدها، فلا يجوز أن تجعل خيبر أصلا يقاس عليه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=15351المهلب : وإنما قسم من خيبر لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم في بدء الإسلام، فإنهم كانوا للأنصار تحت منح من النخيل والمواشي لحاجتهم، فضاق بذلك أحوال الأنصار، وكان المهاجرون من ذلك في شغل بال، فلما فتح الله خيبر عوض الشارع المهاجرين ورد إلى الأنصار منائحهم، وقد يحتمل كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي أنه - صلى الله عليه وسلم - استطاب أنفس أهل الغنيمة، وقد روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما ستعلمه عند حديث أبي [ ص: 444 ] موسى بوجوه معه في أسهامهم منها.
وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: (لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها بين أهلها كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر)، فإن أهل العلم اختلفوا في حكم الأرض، فقال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرض ثلاثة أحكام: أرض (سلم) عليها أهلها فهي لهم ملك، وهي أرض عشر لا شيء عليهم فيها غيره، وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم، فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه، وأرض أخذت عنوة، وهي التي اختلف فيها المسلمون، فقال بعضهم: سبيلهم سبيل الغنيمة فيكون أربعة أخماسها حصصا بين الذين افتتحوها خاصة، والخمس الباقي لمن سمى الله.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور، وبه أشار nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام على nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص حين افتتح مصر. قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد: وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك له، وإن رأى أن يجعلها موقوفة على المسلمين ما بقوا، كما فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - في السواد، فذلك له، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وصاحبيه nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري فيما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي . وشذ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في "المدونة" في حكم أرض العنوة وقال: يجتهد فيها الإمام وقال في "العتبية" و"الموازية": العمل في أرض
[ ص: 445 ] العنوة على فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ألا يقسم ويقر بحالها، وقد ألح nindex.php?page=showalam&ids=115بلال وأصحاب له على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في قسم الأرض بالشام، فقال: [اللهم] اكفنيهم. فما أتى الحول وبقي منهم أحد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: ومن أسلم من أهل العنوة فلا تكون له أرضه ولا داره، وأما من صالح على أرضه، ومنع أهل الإسلام من الدخول عليهم إلا بعد الصلح فإن الأرض لهم، وإن أسلموا فهي لهم أيضا، ويسقط عنهم خراج أرضهم وحماحمهم.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب: من أسلم من أهل العنوة أحرز نفسه وماله، وأما الأرض فللمسلمين وماله وكل ما كسب له؛ لأن من أسلم على شيء في يده كان له.
والحجة لقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن الأرض تقسم الأتباع في خيبر، وتأول قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية. [الأنفال: 41] فدخل في هذا العموم الأرض وغيرها فوجب قسمتها. قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر استطاب أنفس الذين افتتحوا الأرض، وأنكر nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد أن يكون استطاب أنفسهم، وذهب الكوفيون إلى أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قسم خيبر، وقال: لولا آخر الناس لفعلت ذلك، فقد بين أن الحكمين جميعا إليه، لولا ذلك ما تعدى سنة رسول الله إلى غيرها وهو يعرفها.
ومن الحجة في ذلك كما قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12377ابن طهمان، عن nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال: أفاء الله خيبر فأقرهم على ما كانوا وجعلها بينه وبينهم وبعث nindex.php?page=showalam&ids=82ابن رواحة يخرصها عليهم، فثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن قسم خيبر
[ ص: 446 ] بكمالها، ولكنه قسم منها طائفة على ما ذكره عمر، وترك منها طائفة لم يقسمها على ما روى nindex.php?page=showalam&ids=36جابر، وهي التي خرصها عليهم، والذي كان قسم فيها هو الشق والنطاق وترك سائرها، فعلمنا أنه قسم منها وترك، وللإمام أن يفعل من ذلك ما رآه صلاحا.
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في ترك قسمة الأرض بقوله تعالى: وما أفاء الله على رسوله إلى قوله: والذين جاءوا من بعدهم [الحشر: 7 - 10 ] الآية. وقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: هذه الآية قد استوعبت الناس كلهم، فلم يبق أحد إلا وله في هذا المال حق حتى الراعي بعدي. قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد: وإلى هذه الآية ذهب علي ومعاذ، وأشار على nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بإقرار الأرض لمن يأتي بعد.
قال إسماعيل: فكان الحكم بهذه الآية في الأرض أن تكون موقوفة كما تكون الأوقاف التي يقفها الناس أصلها محبوس ويقسم ما خرج منها، فكان معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: لولا الحكم الذي أنزل الله في القرآن لقسمت الأصول. وهذا لا يشكل على ذي نظر، وعليه جرى المسلمون، ورأوه صوابا.
قال إسماعيل: والذين قاتلوا حتى غنموا لم يكن لهم في الأصل أن يعطوا ذلك؛ لأنهم إنما قاتلوا لله لا للمغنم، ولو قاتلوا للمغنم لم يكونوا مجاهدين في سبيل الله تعالى.
قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: إن الرجل يقاتل للمغنم ويقاتل ليرى مكانه، وإنما المجاهد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. فلما كان أصل الجهاد أن يكون خالصا لله، وكان عطاؤهم ما أعطوا من المغانم إنما هو
[ ص: 447 ] بفضل من الله على هذه الأمة، أعطوا ذلك في وقت ومنعوه في وقت، فأعطوا من المغانم ما ليس له أصل يبقى، فاشترك فيه المسلمون كلهم، ومنعوا الأصل الذي يبقى، فلم يكن في ذلك ظلم لهم؛ لأن ثواب الله الذي قصدوه جار لهم في كل شيء ينتفع به من الأصول التي افتتحوها مادامت وبقيت.
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن الكوفيين: أن الإمام إذا أقرهم أرض العنوة أنها ملك لهم يجري عليهم فيها الخراج إلى الأبد أسلموا أو لم يسلموا، وإنما حملهم على هذا التأويل أنهم قالوا: إن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جعل على جريب التمر في أرض السواد بالعراق شيئا معلوما في كل عام، فلو لم تكن لهم الأرض لكان بيع التمر قبل أن يظهر. قال أبو جعفر الداودي : ولا أعلم أحدا من الصحابة يقول بقول أهل الكوفة.
واحتج من خالفهم بأن الأرض كلها كانت لا شجر فيها، فإنما اعتبر ما يصلح أن يزرع فيه البر جعل عليه بقدر ذلك، وإن اكترى ما يصلح أن يزرع الشعير جعل عليه بقدر ذلك، ومن اكترى ما يصلح أن يجعل فيه الشجر جعل عليه بقدر ذلك، على أن الشجر كانت في الأرض يومئذ.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : وقول الكوفيين مخالف للكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى أحل الغنائم للمسلمين، فإذا افتتحت الأرض فاسم الغنيمة واقع عليها، كما يقع على المال، سواء كان رأي الإمام إبقاء الأرض لمن يأتي بعد، فإنما يبقيها ملكا للمسلمين من أجل أنها غنيمة كما فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فمن زعم أن الأرض تبقى ملكا للمشركين فهو مضاد لحكم الله ورسوله، فلا وجه لقوله، وروى nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن يونس عن nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب أن
[ ص: 448 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - افتتح خيبر عنوة بعد القتال، وكانت مما أفاء الله على رسوله فخمسها وقسمها بين المسلمين، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال، فدعاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ويكون ثمرها بيننا وبينكم، وأقركم ما أقركم الله" فقبلوا الأموال على ذلك.
وروى يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قسم خيبر عزل نصفها لنوائبه وما ينزل به، وقسم النصف الباقي بين المسلمين، فلما صار ذلك في يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له من العمال ما يكفونه عملها، فدفعها إلى اليهود ليعملوها على نصف ما يخرج منها، فلم يزل الأمر على ذلك حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحياة أبي بكر، حتى كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وكثر العمال في أيدي المسلمين، وقووا على عمل الأرض، فأجلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر اليهود إلى الشام، وقسم الأموال بين المسلمين إلى اليوم، فهذا كله يرد قول الكوفيين، وتبين أنهم إنما أبقوا في الأرض عمالا للمسلمين فقط، فلما أغنى الله عنهم أخرجوا منها.
ومنعه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15968وسحنون . وقالوا: يرضخ له فقط. وتأوله
[ ص: 449 ] بعضهم على "المدونة". وقال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب: من بلغ خمس عشرة سنة وأثبت وأطاق القتل أسهم له إذا حضر، ومن كان دون ذلك لم يسهم له حتى يقاتل.
واختلف في المرأة إذا قاتلت كالرجل، فجمهور المالكية: لا يسهم لها، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13055لابن حبيب، وعندنا: يرضخ لها فقط. وكذا العبد، وكذا الذمي إذا حضر بلا أجرة وبإذن الإمام، وقد أسلفنا الخلاف عندنا في الأجير، والأظهر أنه يسهم له إذا قاتل، والخلاف عند المالكية أيضا، وحاصلهم عندهم ثلاثة أقوال: إن قاتل فقولان، وقيل: يسهم له إذا حضر وإن لم يقاتل.
فصل:
قيل: أخذت خيبر كلها عنوة وقسم الشارع جميعها، وهو ظاهر قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - في الباب، وقيل: قسم نصفها وأبقى نصفها لنوائبه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: كان بعضها عنوة وبعضها صلحا، وقسم الشارع العنوة وأبقى الصلح لنوائبه.
فصل:
حاصل ما للعلماء في قسمة الأرض تردد عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد: الإمام مخير. وأنكره إسماعيل وقال: كيف يخير الإمام في الأحكام؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : ولا يلزمه قول إسماعيل؛ لأن من قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وكثير من العلماء وإسماعيل أن الإمام يصرف الخمس على ما يرى، فإذا كان له الخيار فيه فالفيء كذلك، غير أن قول أبي عبيد لا يصح لوجه غير هذا؛ لأن الآيات التي في سورة الحشر معناها غير ما ذهب إليه، قال
حاصل ما قيل في المعنى الذي أبقى به nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الأرض إما لأنه استطاب أنفس من حضر، أو تأول قوله: ما أفاء الله على رسوله الآية...، ثم قال: وما هو لهؤلاء وحدهم، ثم تلا: والذين تبوءوا الدار والإيمان إلى المفلحون ثم قال: وما هي لهؤلاء ثم تلا: والذين جاءوا من بعدهم إلى رحيم وقال: ما بقي أحد من المسلمين إلا دخل في ذلك، ورأى أن هذه الآيات ناسخة لقوله: واعلموا أنما غنمتم [الأنفال: 41] الآية. وقد خالف nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير nindex.php?page=showalam&ids=115وبلال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فيما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، وألحا عليه في قسم بعض ما فتح - كما سلف - فأبى عليهما، وما كان هذا سبيله لم ينسخ به ما كان مفسرا قد عمل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ذهب إسماعيل إلى أن آيات الحشر ناسخات لآية الأنفال.
واختلف فيما أبقاه nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وغيره من الأئمة من الأرض، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأكثر العلماء: إنه موقوف لنوائب الإسلام يجري فيه الخراج ولا يباع. وقال بعض الكوفيين: حين أبقى الأرض بأيديهم صارت ملكا لهم، وصار عليهم وعلى الأرض خراج معلوم.