(الجزية): مشتقة من الجزاء على الأمان لهم وتقريرهم، فتجزئ عنه، وعبارة "المحكم": الجزية: خراج الأرض، والجمع: جزى، وقال أبو علي: هما واحد كالمعي والمعى لواحد الأمعاء، والجمع: جزاء، وجزية الذمي منه.
وأما (الموادعة): فإن أراد بها عقد الذمة لهم بأخذ الجزية، والإعفاء بعد ذلك من القتل، فهذا حكم الجزية، والموادعة غيرها، وإن أراد ترك قتلاهم مع إمكانه قبل الظفر بهم، وهو معنى الموادعة في أحاديث الباب ما يطابقها، إلا ما ذكره من تأخر النعمان بن مقرن عن مقاتلة العدو وانتظاره زوال الشمس وهبوب الريح، فهي موادعة في هذا الزمان مع الإمكان للمصلحة، نبه على ذلك ابن المنير، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري العجم بعد المجوس من باب ذكر الخاص بعد العام.
[ ص: 563 ] ومعنى قوله: لا يؤمنون بالله [التوبة: 29] يعني: إيمان الموحدين؛ لأن أهل الكتاب يؤمنون بالله، ويقولون: له ولد، ويؤمنون بالآخرة، ويقولون: لا أكل فيها ولا شرب.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : ولا باليوم الآخر : القيامة.
ولا يدينون دين الحق [التوبة: 29]. قال أبو عبيدة في "مجازه": ولا يطيعون طاعة الحق، يقال: دان فلان لفلان: أطاعه.
وقوله: ( من الذين أوتوا الكتاب ) [التوبة: 29] هم اليهود والنصارى، واختلف في المجوس: هل لهم كتاب؟
والجمهور: لا. وقيل: نعم، فبدلوه فأصبحوا وقد أسري به، وإذا قلنا: لا؛ فالجماعة على أنها تؤخذ منهم الجزية إلا عند (المالكية).
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس عبدة الأوثان، وكل المشركين غير المرتدين وقريش، وفي "مختصر ابن أبي زيد": ونقاتل جميع الأمم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية.
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه: أنها تقبل من أهل الكتاب، ومن سائر كفار العجم، ولا تقبل من مشركي العرب إلا [ ص: 564 ] الإسلام أو السيف، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا تقبل إلا من أهل الكتاب، عربا كانوا أو عجما، وزعم أن المجوس كانوا أهل كتاب؛ فلذلك أخذت منهم، وروي ذلك عن علي، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي في حديث عمرو بن عوف: إنه - عليه السلام - بعث أبا عبيدة إلى أهل البحرين يأتي بجزيتها؛ لأنهم كانوا مجوسا من الفرس، ولم يكونوا من العرب؛ ولذلك قبلت منهم، وأقرهم على مجوسيتهم.
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بآية الباب: من الذين أوتوا الكتاب [التوبة: 29]، (قال): فدل هذا الخطاب أن من لم يؤت الكتاب ليس بمنزلتهم بدليل قوله - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=650379 "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" ولا يجوز أن يكون أهل الكتاب داخلين تحت هذه الجملة؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله؛ لإخباره - عليه السلام - أن هذه الكلمة يحقن بها الدم والمال، فدل أن بغيرها لا يقع الحقن.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن المجوس كانوا أهل كتاب فرفع (كتابهم) غير صحيح؛ لأنه لو كان كذلك لكان لنا أن نأكل ذبائحهم وننكح نساءهم، وهذا لا يقول به أحد.
وقوله: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" يدل أنه لا كتاب لهم، وأيضا فإنهم لو كانوا أهل كتاب فرفع كتابهم لوجب أن يصيروا بمنزلة من لا كتاب له؛ لأن الشيء إذا كان لمعنى فارتفع المعنى ارتفع الحكم.
[ ص: 566 ] قلت: nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لم يستبد به، بل هو مروي، وإلزامه الذبيحة والنكاح لا يرد؛ لأنه ورد استثناؤه كما سلف، وإن نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي أنه منكر، ثم لهم شبهة وهي تقتضي الحقن بخلاف النكاح، فإنه يحتاط له.
وقوله: وهذا لا يقوله أحد: غلط منه، فقد ذكر ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس أن يتسرى بالجارية المجوسية. وعن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار: أنهم كانوا لا يرون بأسا أن يتسرى الرجل بالمجوسية. وذكر ابن قدامة وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور أنه كان يرى بحل نسائهم وذبائحهم.
وقال سليمان: مذمومين. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: عن قهر وذلة.
وقيل: معنى: عن يد : عن إنعام منكم عليهم. وقيل: لا يبعثون بها كفعل الجبابرة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير: يدفعها قائما وآخذها جالس.
[ ص: 567 ] وقوله: ( وهم صاغرون أذلاء)، هو قول أبي عبيدة: أن الصاغر: الذليل الحقير. وقال غيره: هو الذي يتلتل فيعنف به، وقيل: هم بإعطائها أذلة صاغرون.
فصل:
تعليق nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة رواه في "تفسيره"، وهو صواب حسن، وهو فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، وزاد على أهل الشام أقساطا من زيت وخل وضيافة ثلاثة أيام. ورأى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن يسقط عنهم الضيافة، ولا يزاد على فعل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر.
واختلف العلماء في مقدار الجزية؛ فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: أكثرها أربعة دنانير على أهل الذهب، وعلى أهل الورق أربعون درهما ولا حد لأقلها.
وأخذ nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في ذلك مما رواه عن نافع، عن أسلم أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وأهل الورق أربعين درهما. وقال الكوفيون: يؤخذ من الغني ثمانية وأربعون درهما، ومن الوسط أربعة وعشرون، ومن الفقير اثنا عشر، وهو قول أحمد، وأخذوا في ذلك مما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12424إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: أنه بعث عثمان بن حنيف، فوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين، وأربعة وعشرين، واثني عشر.
[ ص: 568 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: ويزاد فيه وينقص على قدر طاقتهم، على قدر ما يرى الإمام. وعنه: أقلها nindex.php?page=showalam&ids=13790كالشافعي، وأكثرها غير مقدر، يجوز الزيادة، ولا يجوز النقصان؛ لأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر زاد على فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقص منه. وروي: أنه زاد، جعلها خمسين، وهو اختيار أبي بكر من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : وقد اختلفت الروايات في هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، فللوالي أن يأخذ بأيها شاء إذا كانوا أهل ذمة، وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه لا غير.
وقال عبد الوهاب بن نصر: في أمره - عليه السلام - أن يأخذ من كل حالم دينارا، يحتمل أن يكونوا لم يقدروا على أكثر منه.
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: أنه لا يزاد على الأربعين درهما، ولا بأس بالنقصان منها إذا لم يطق.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك: وأرى أن ينفق من بيت المال على كل من احتاج من أهل الذمة إن لم يكن لهم حرفة ولا قوة على نفقة نفسه، وينفق على يتاماهم حتى يبلغوا.
[ ص: 569 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : وحدثني مطرف، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قال: بلغني أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كان ينفق على رجل من أهل الذمة حين كبر وضعف عن العمل.
فرع:
والخراج يجب عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أول الحول، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد فقالا: بآخره.
فرع:
لا يؤخذ من صبي ولا امرأة ولا مجنون ولا فقير غير معتمل، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي فيه، ولا يؤخذ من شيخ فان ولا زمن ولا أعمى.
وفي قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يؤخذ منهم، ولا على سيد عبد عن عبده إذا كان السيد مسلما، ولا جزية على أهل الصوامع من أهل الرهبان، خلافا للشافعي.
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز: أنه فرض على رهبان الديارات على كل واحد دينارين.
فصل:
وحديث بجالة من أفراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كما سلف.
وبجالة: هو ابن عبدة، تميمي بصري.
وجزء - بالجيم المفتوحة، والزاي - عامل nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على الأهواز، انفرد به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، كان حيا بمكة سنة سبعين، ووالد جزء هو معاوية بن حصين بن عبادة بن النزال بن مرة بن عبيد بن مقاعس، واسمه: الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، عم nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس.
[ ص: 570 ] قال أبو عمر: لا تصح له صحبة. وقيل: فيه جزي بزاي مكسورة، وسكنها الخطيب.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : وأصحاب الحديث يكسرون جيمه.
ووالد بجالة السالف nindex.php?page=showalam&ids=16513عبدة، بفتح الباء الموحدة، ويقال: ابن عبد، حكاه nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في "ثقاته". وفي "تاريخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ": بجالة بن عبد، أو عبد بن بجالة.
فصل:
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري روى هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن عبد الله، ثنا سفيان، سمعت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قال: كنت جالسا مع nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد وعمرو بن أوس فذكره.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن سعيد nindex.php?page=hadith&LINKID=663882أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر، وأن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أخذها من مجوس السواد، وأن عثمان أخذها من البربر، وقال: كذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن يونس، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب . وأما nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=17124ومعمر فجعلاه: عن nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب، ولم يذكرا سعيدا ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17124 (معمر) عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد.
[ ص: 572 ] وفي "الموطأ": عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ذكر المجوس، فقال nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف... الحديث.
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12090أبو علي الحنفي عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، فقال: عن أبيه، عن جده؛ وهو منقطع أيضا؛ لأن علي بن حسين لم يلق nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ولا عبد الرحمن.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في "تفسيره" عن علي: كان المجوس أهل كتاب، وكانوا متمسكين به... الحديث.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : روي عن علي: أنهم كانوا أهل كتاب، وفيه ضعف؛ لأنه يدور على أبي سعيد البقال سعيد بن المرزبان.
قلت: ليس هو في طريق nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد، فإنه رواها عن الحسن الأشيب، ثنا يعقوب بن عبد الله، ثنا جعفر بن أبي المغيرة، عن nindex.php?page=showalam&ids=396عبد الرحمن بن أبزى قال: قال علي... فذكره.
فصل:
في حقيقة المجوس، ذكر أبو عمر في كتاب "القصد والأمم" أنهم من ولد ود بن سام بن نوح، وقال علي بن كيسان: هم من ولد فارس بن عامور بن يافث، قال أبو عمر: وقال ذلك غيره، وهو أصح ما قيل فيهم، وهم ينكرون ذلك ويدفعونه ويزعمون أنهم لا يعرفون نوحا ولا ولده ولا الطوفان، وينسبون ملكهم من جيومرت الأول، وهو عندهم آدم.
[ ص: 573 ] وقد نسبهم قوم من علماء الإسلام والأثر إلى أنهم من ولد سام، وكان فيهم الصابئة، ثم تمجسوا وبنوا بيوت النيران.
وقال المسعودي: فارس أخو بيط ولدا ناسور بن سام بن نوح.
ومنهم من زعم أنهم من ولد هيدرام بن أرفخشذ بن سام؛ لأنه ولد بضعة عشر رجلا، كلهم كان فارسا شجاعا، فسموا الفرس بالفروسية.
وقال آخرون: إنهم من ولد يوان صاحب شعب يوان أحد نزه الدنيا إيران بن ود بن سام.
وعند nindex.php?page=showalam&ids=14369الرشاطي: فارس الكبرى بن ليومرت.
ويقال: جيومرت. وحابر معرب. وتفسير ليومرت: الحي الناطق الميت، بن أميم بن ود بن سام.
فمن نسب الفرس الأولى إلى سام بهذا نسبها، ومن نسبها جملة إلى يافث قال: هم ولد جيومرت بن يافث.
وذكر صاعد في كتابه: "طبقات الأمم": أن ليومرت هذا يزعم الفرس أنه آدم.
قال: وذكر بعض علماء الأخبار أن الفرس في أول أمرها كانت موحدة على دين نوح إلى أن أتى برداسف المشرقي إلى طهمورت ثالث ملوك العراق بمذهب الصابئة، فقبله منه واقتصر الفرس على الشرع به، فاعتقدوه نحو ألف سنة وثمانمائة سنة إلى أن تمجسوا جميعا، وسببه: أن زرادشت الفارسي ظهر في زمن بشتاسب ملك الفرس، فدعا الناس إلى المجوسية، وتعظيم النار، وسائر الأنوار، والقول بتركيب العالم من النور والظلمة، واعتقاد القدماء الخمسة التي هي عندهم: - الباري تعالى عما يقولون - وإبليس والهيولي [ ص: 574 ] والزمان والمكان، وغير ذلك من البدع، فقبل ذلك بشتاسب وقاتل الفرس عليه حتى انقادوا جميعا إليه، ورفضوا دين الصابئة، واعتقدوا بأن زرادشت نبي مرسل، وذلك قبل ذهاب ملكهم على يد الفاروق بقريب من ألف وثلاثمائة سنة.
وقال إبراهيم بن الفرج في "البغية شرح لحن العامة": الفارسي منسوب إلى فارس، وهي أرض وقد بنتها السوس، وهي أمة كانت بعد النبط.
وزعم بعض العلماء أنهم من ولد يوسف بن يعقوب بن إبراهيم. وذكر ابن عبدون في كتابه "الزهر": أنهم من ولد حارس بن ناسور بن سام، وأنه ولد له بضعة عشر رجلا كلهم كان فارسا شجاعا؛ فسموا الفرس بذلك.
قال: وزعم قوم أنهم من ولد طوط من ابنتيه دريني وراعوشا.
وزعم بعضهم أنهم من ولد إيران بن أفريدون.
قال: ولا خلاف بين الفرس أنهم من ولد ليومرت، وهذا هو المشهور، وإليه يرجع بنسبها، كما يرجع بالمروانية إلى مروان، والعباسية إلى العباس.
وعند nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: والمجوس لا يعرفون موسى ولا عيسى ولا أحدا من أنبياء بني إسرائيل، ولا محمدا، ولا يقرون لأحد منهم بنبوة.
فصل:
وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - : فرقوا بين كل محرم من المجوس، فيحتمل وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى لم يأمر بأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب، وأهل الكتاب لا ينكحون ذوات المحارم، فإذا استعمل فيهم قوله - عليه السلام - :
ثانيهما: أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=2عمر غلب على المجوس عنوة، ثم أبقاهم في أموالهم عبيدا يعملون بها والأرض للمسلمين، ثم رأى أن يفرق بين ذوات المحارم من عبيده الذين استبقاهم على حكمه، واستحياهم باجتهاده، وأن ذلك كان منعقدا في أصل استحيائهم واستبقائهم، ويكون اجتهاده في تفريقه بين ذوات محارمهم مستنبطا من قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=707752 "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" أي: ما كان أهل الكتاب يحملون عليه في حريمهم ومناكحتهم، فاحملوا عليه المجوس.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي لما ذكر قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر هذا: لم يأخذ به مالك.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أراد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أنهم يمنعون من إظهار هذا للمسلمين وإفشائه في مشاهدهم، وأن يفشوها كما يفشي المسلمون أنكحتهم إذا عقدوها، قال: وهذا كما شرط على النصارى أن لا يظهروا صليبهم؛ لئلا يفتن بهم ضعفة المسلمين، ولا يكشفون عن شيء مما يستخلونه من باطن كفر، وفساد مذهب.
[ ص: 576 ] وفيه: التبشير بالإسهام لهم؛ لقوله: "أبشروا وأملوا"، ومعنى ذلك: أملوا أكثر ما تطلبون من العطاء؛ لأنهم لم يعرفوا مقدار ما قدم به أبو عبيدة، فبشرهم بأكثر مما يظنون.
عمرو بن عوف هذا بدري كما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري، وكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وابن سعد فيمن شهد بدرا من المهاجرين، وهو مولى سهيل بن عمرو، مات في خلافة عمر - رضي الله عنه - .
فائدة:
فيه أيضا: التحذير من فتنة الدنيا، فإن من طلب منها فوق حاجته لم يجده، ومن قنع حصل له ما يطلب، وما الدنيا إلا كما قيل:
إن السلامة من سلمى وجارتها ألا تمر على حال بواديها
فصل:
في إسناد حديث جبير بن حية: nindex.php?page=showalam&ids=17116المعتمر بن سليمان، قيل: إنه وهم، وصوابه المعتمر بن الرق؛ لأن عبد الله بن جعفر راويه عنه لا يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=17116المعتمر بن سليمان، كذا رأيته بخط nindex.php?page=showalam&ids=14299الدمياطي .
nindex.php?page=showalam&ids=15937وزياد بن جبير اتفقا عليه، وانفرد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بأبيه جبير بن حية،
[ ص: 577 ] وسعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية بن مسعود الثقفي البصري.
وقوله فيه: (بعث عمر الناس في أفناء الأنصار) قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : هم طوائف لم يكونوا من فخذ واحد.
فصل:
وأما مشاورة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر الهرمزان فبعد أن أسلم، وكان رجلا بصيرا بالحرب له دربة ورأي في المملكة وتدبيرها؛ فلذلك شاوره nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، مع أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كان يعرف مما أشار عليه، وثقته من نفسه أنه يشعر له إن غشه.
وفيه: أن المشاورة سنة لا يستغني عنها أحد، ولو استغنى عنها كان الشارع أغنى الناس عنها؛ لأن جبريل كان يأتيه بصواب الرأي من السماء، ومع ذلك فإن الله أمره بها حيث قال: وشاورهم في الأمر [آل عمران: 159] ولو لم يكن الأمر فيه إلا استئلاف النفوس وإظهار الموافقة والثقة بالمستشار، ولعلهم أن يبدوا من الرأي ما لم يكن ظهر، وأما العزيمة والعمل فإلى الإمام، لا يشركه فيه أحد؛ لقوله تعالى: فإذا عزمت فتوكل على الله [آل عمران: 159] فجعل العزيمة إليه، وجعله مشاركا في الرأي لغيره.
[ ص: 578 ] وفيه: كلام الوزير دون رأي الإمام، كما كلم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر يوم حنين لأبي سفيان، وكما كلم nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق في قصة سلاح قتيل nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة .
وقوله: (وكنا في شقاء شديد) ففيه: وصف أنفسهم بالصبر والثبات على مضض العيش.
وقوله: (نعرف أباه وأمه) أراد به شرفه ونسبه؛ لأن الأنبياء لا تبعث إلا من أشراف قومهم، فوصف شرف الطرفين من الأب والأم.
وقول النعمان للمغيرة: (ربما أشهدك الله مثلها) يريد: ربما قد شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما سلف مثل هذه الأحوال الشديدة، وشهدت معه القتال فلم يندمك ما لقيت معه من الشدة، ولم يحزنك لو قتلت معه؛ لعلمك بما تصير إليه من النعيم وثواب الشهادة.
تقول: إنك كنت في ذلك على الخير والإصابة؛ يغبطه ما تقدم من كلامه، ويعتذر إليه فيما يريد أن يقول بما شاهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويذكر أن النعمان قاتلهم، وكثرت جراحات المسلمين وأصيب منهم، فبات المسلمون يتضررون بما نالهم من الجراح، وبات الكفار على الخمر، وقد أحضروا أموالا كثيرة ونعما، فقام النعمان خطيبا حين أصبح فقال: أيها الناس، إن من ترون قد حضروا عليهم أموالا ونعمة، وأنتم قد حضرتم الإسلام وصرتم بابا للمسلمين، فإن أصبتم دخل عليهم من الباب، فالله في الإسلام.
[ ص: 579 ] فقام رجل منهم فقال: قد سمعنا مقالتك أيها الأمير، ولسنا برادين عليك ولا مخالفين لك، فانظر أي طرفي النهار؟ قال النعمان: إذا هبت الأرواح ونزل النصر من السماء وأنا هاز للراية، إذا رأيتم ذلك فأسبغوا الوضوء وصلوا الظهر ثم أنا هازها، فإذا رأيتم ذلك فليسرج كل أحد منكم فرسه ويستوي عليه، ولينظر مواجهة عدوه، ثم إذا هززتها الثالثة، فاحملوا على بركة الله، فلما فاء الفيء صنع ما قال ثم حمل في الثالثة وبيده الراية، فجعل يطعن بها، وتقاتلوا فكان أول قتيل، فمر به أخوه فألقى عليه ثوبه؛ لئلا يعرف فيفشل الناس، وأخذ الراية وحمل، ففتح الله للمسلمين.
ويذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب أنه قال: إني لأذكر يوما نعى لنا عمر النعمان بن مقرن على المنبر.
و (الأرواح) جمع ريح؛ لأن أصله: روح وسكنت الواو، وانكسر ما قبلها فقلبت ياء، والجمع يرد الشيء إلى أصله.
[ ص: 580 ] وقوله أولا: (فأسلم الهرمزان)، وكان أسره nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري، كان سيدا فبعث به مع nindex.php?page=showalam&ids=9أنس إلى عمر، لما قدم عليه استعجم، فقال له عمر: تكلم. فقال: أكلام حي أم ميت؟ فقال عمر: تكلم فلا بأس - وبدرت الكلمة من عمر من غير تأول - فقال: كنا وإياكم نستعبدكم ونملككم معاشر العرب فأخلى الله بيننا وبينكم، فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان؛ فتغيظ عمر وقال: قاتل الله البراء بن مالك، وهم به؛ فقال له nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : يا أمير المؤمنين، تركت خلفي شوكة شديدة وعدوا كثيرا، إن قتلته يئس القوم من الحياة، وكان أشد لشوكتهم، وإن استحييته، طمع القوم، فقال: يا ( nindex.php?page=showalam&ids=9أنس )، استحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور، فلما خشيت أن يبسط عليه قلت له: لا سبيل لك عليه، فقال: ولم، أعطاك؟، أصبت منه؟ (قلت: لا)، ولكنك قلت له: تكلم فلا بأس. قال: لتأتين بمن يصدق ما تقول أو لا بد من عقوبتك، ولم يحفظ عمر ما قال وكان الزبير قد حضر لمقالته فصدق nindex.php?page=showalam&ids=9أنسا، فأسلم الهرمزان.
وكانت الروم قاتلت الفرس في أول الإسلام، فعلم من ذلك الهرمزان ما علم، فضرب له مثلا وهو صحيح، عقله nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعمل عليه، وإنما جعل كسرى الرأس؛ لأنه أعظم ملكا وأكثر أتباعا وأوسع بلدا، ومثل بالجناحين، ولم يذكر الرجلين، وأراد بهما من سوى هؤلاء الثلاثة للأمم، ومبادرة المغيرة بالكلام للترجمان، إما أن يكون
[ ص: 581 ] أذن له أمير الجيش النعمان، أو بادره لما عنده من ذلك من العلم، وليطفئ النعمان المقالة ولا يكلف الأمير مخاطبة الترجمان.