حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بينا امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب وهي ترضعه.. " الحديث، وقد سلف في أحاديث الأنبياء وهو أحد من تكلم في صغره كما أسلفناه.
[ ص: 635 ] وقوله: ("وأما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني. وتقول: حسبي الله") أي: هي تزني، ولو خاطبها لقال: تزنين وتسرقين، وقوله: "فتقول: حسبي الله" يريد إذا سمعت بذلك.
وسلف أيضا في بدء الخلق، والركية: البئر والجمع ركي وركايا مطوية وغير مطوية، فإذا لم تطو فهي جب وقليب، فإن طويت فهي بئر. وذكر القزاز أن الركي البئر قبل أن تطوى، فإذا طويت فهي الطوي.
والموق الذي يلبس فوق الخف فارسي معرب. قال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس: البغايا: الإماء، الواحدة بغي، والبغي أيضا: الفاجرة، وهو المراد بهذا الحديث.
ويأتي في اللباس، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، وقال: حسن صحيح. والقصة -بضم القاف ثم صاد مهملة مشددة- شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقال ابن فارس: القصة: الناصية. وسلف كبة من شعر.
وقوله: (أين علماؤكم؟) هو سؤال إنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره فأراد تذكيرهم لا أن يعلمهم، ويحتمل كما قال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي: أن يكون ذلك منه; لأن عوام أهل المدينة أحدثت الزور كما في الرواية الأخرى "إنكم قد أحدثتم زي سوء". وفي رواية: ما كنت أرى أن أحدا يفعله إلا اليهود، وأنه - صلى الله عليه وسلم - بلغه فسماه الزور، ونادى أهل العلم لأجل الموافقة على ما رواه فينزجر من أحدث ذلك من العوام.
[ ص: 637 ] ثم النهي عن ذلك إشارة إلا وصل الشعر، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: الزور أكثر ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق، والتزوير: التمويه بما ليس بصحيح. وهذا التفسير حجة على إبطال قول من قصر التحريم على وصل الشعر، وفيه: تنبيه إلى الرجوع إلى أهل المدينة، وترشيح لمذهب مالك أن إجماع أهل المدينة حجة.
وقوله: "إنما هلكت نساء بني إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" ظاهره التحريم، فارتكبن الحرام وأقروا عليه فاستوجب الكل العقوبة بذلك لما ارتكبوه من العظائم، وفيه: معاقبة العامة بظهور المنكر، وطهارة شعر الآدمي، وتناول الشيء الخطيب في الخطبة ليري الناس إذا كان من أمر الدين.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=15708حرملة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، عن nindex.php?page=showalam&ids=15975سعد بن إبراهيم، عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - مثله.
[ ص: 638 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: أخبرني بعض أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة قال "محدثون": يعني: مفهمون. وقال أبو (مسعود): حديث nindex.php?page=showalam&ids=17000ابن عجلان مشهور بقوله عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، ولا أعلم أحدا تابع nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن nindex.php?page=showalam&ids=12374إبراهيم بن سعد في قوله: عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14171الحميدي: أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب عن nindex.php?page=showalam&ids=12374إبراهيم بن سعد فعندي أنه خطأ.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أن الحكم بن أسلم رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=12374إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة، عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - وأن nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق روياه عن nindex.php?page=showalam&ids=15926زكريا بن أبي زائدة، عن سعد، عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة مرسلا.
واختلف في قوله: "محدثون" فقال ابن وهب: ملهمون، وقال ابن قتيبة: يصيبون إذا ظنوا وحدسوا، وقال ابن التين: يعني: متفرسون، ويستدلون على بعض هدي الرجل. وقال القابسي: تكلمهم الملائكة، واحتج بقوله: (مكلمون) وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فيما حكاه النووي: يجري الصواب على ألسنتهم، وهي متقاربة، وفي حديث آخر: "في كل أمة محدثون" يعني: قوما يصيبون إذا ظنوا، فكأنهم حدثوا بشيء فقالوه.
[ ص: 639 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - (ما سمعت nindex.php?page=showalam&ids=2عمر) يقول: ما أظن هذا إلا هكذا فلا يخطئ.
وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ضرب بالحق على قلب عمر وعلى لسانه" وهذا غالب، وقد بعث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جيشا وأمر عليهم سارية فبينا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - يخطب فجعل يصيح: يا سارية الجبل! فقدم رسول الجيش فقال: هزمنا عدونا، فصيح بنا: يا سارية الجبل فهزمهم الله. فهذا كان غالب حاله، وربما لم يصب كما في مناظرته الصديق في قتال أهل الردة إلى أن قال: فعرفت أنه الحق.
وأتي عمر بامرأة حملت من زنا فأمر برجمها، فقال له معاذ: هذا لك عليها فما لك في بطنها؟ فقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: أعيت النساء أن تأتي بمثل معاذ، [ ص: 640 ] هلك عمر. وأتي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بمجنونة زنت فأمر برجمها، فقال علي: ما لك ولهذه؟ فتذكر وقال: لا شيء، وأرسلها.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي: قد بينا فساد قول من ذهب إلى أن ذلك من صفاء القلب مما يتجلى فيه من اللوح المحفوظ، وأرى ذلك دعوى، ولو كان بالتجلي عند المقابلة بين الصافي الصقيل واللوح المحفوظ لكان مطلعا على جميع المعارف بمقابلة لحظة أو على جملة عظيمة لا مطلعا على كلها، وإنما طريق ذلك أن الله يخلق في القلب الصافي (أو بواسطة) إلقاء الملك إليه الكلمة كما يلقي الشيطان إلى الكاهن، وقد ينتهي الحال إلى أن يسمع الصوت، وقال بعضهم: يرى الملك، ولم أعرف ذلك الآن.
وقول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر: (يا سارية الجبل) منزلة عظيمة وكرامة ظاهرة، وهي في جميع الصالحين مطردة إلى يوم الدين.
قال: وقوله: ("إن كان في أمتي هذه منهم") يشعر بقلة وقوع ذلك وندارته، وليس المراد بالمحدثين من يصيب فيما يظن; لأن هذا كثير في العلماء والأئمة والفضلاء، بل وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حدسه، فتصح إصابته، فترتفع خصوصية الخبر وخصوصية nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بذلك.
ومعنى هذا الخبر قد تحقق ووجد في عمر قطعا، وإن كان - صلى الله عليه وسلم - لم يجزم فيه بالوقوع ولا صرح فيه بالإخبار; لأنه إنما ذكره بصيغة الاشتراط، وقد دل على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة.
[ ص: 641 ] الحديث الخامس:
حديث أبي الصديق الناجي -بكر بن قيس، وقيل: ابن عمرو- عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين رجلا.. " الحديث، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في التوبة، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في الديات وفي آخره: "فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له".. وقتله الراهب الأول كان لقلة علمه وتجرئه على الفتيا بقوله: "لا توبة لك" وهذا جهل منه، وأعان على نفسه إذ أيأس القاتل من التوبة، فلما ساقه الله إلى هذا العالم دله على الخير، وعلى مفارقة الأرض التي أصاب فيها الذنوب، والإخوان المساعدين له على ذلك، ومقاطعتهم، وأن يستبدل بهم صحبة الأخيار، وبهذا يظهر فضل العالم على العابد الذي لا علم عنده; لأنه اغتر فأفتى بغير علم فهلك في نفسه، وكاد أن يهلك غيره.
وأما قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم فالصواب في معناه: جزاؤه إن جازاه. وقد لا يجازي بل يعفو عنه، فإن استحل قتله بغير حق ولا تأويل فهو كافر مخلد في النار إجماعا، وإن لم يستحل وأقدم على ذلك فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدا فيها لكن تفضل الله فأخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها، فلا يخلد هذا، وقد يعفو عنه فلا يدخلها أصلا، وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج منها إلى الجنة. وقيل: الخلود طول المدة والإقامة لا التأبيد، وقيل: المراد بالآية رجل بعينه قتل رجلا له عليه دم بعد أخذ الدية منه ثم ارتد. ويحتمل أن قتله الراهب متأولا إذ قال بغير علم.
وفيه: اختصام الملائكة واطلاع ملائكة الرحمة على ما في قلبه من صحة توبته، وأن ذلك خفي على ملائكة العذاب حتى قالت: "إنه لم يعمل خيرا قط" ولو اطلعت على ما في قلبه من توبته لما صح لها قول ذلك ولا تنازع ملائكة الرحمة، لكن شهادة ملائكة الرحمة على [ ص: 643 ] إثبات، وأولئك على نفي، والمثبت مقدم، فلا جرم أنهما لما تنازعا خرجا عن الشهادة إلى الدعوى بعث الله إليهما ملكا حاكما يفصل بينهما في صورة آدمي، وأخفى ذلك عنهم; ليعلموا أن في بني آدم من يصلح للفصل بين الملائكة إذا تنازعوا.
وقوله: ("فناء بصدره") أي: مال ونهض مع ثقل ما أصابه من الموت، وقال ابن التين: تباعد نحوها، يقال: نأى ينأى نأيا، وذلك دليل على صحة توبته؛ لاجتهاده في القرب من أهل الخير فأعين على اجتهاده.
وفيه: دلالة على التحكيم، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي خلافا لمن قال أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي خالفه.
وقوله: ("وقال قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له") وفي رواية: "قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له" فيه دلالة أن الحاكم إذا تعارضت عنده الأقوال وتعددت الشهادات، وأمكنه أن يستدل بالقرائن على ترجيح بعض الدعاوى نفذ الحكم بذلك.
[ ص: 644 ] ووحي الله تعالى إلى هذه بالقرب وإلى هذه بالبعد من لطفه به وعنايته.
حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا في الذي اشترى العقار فوجد فيه جرة فيها ذهب وتنازعا فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكح الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في القضاء.
الشرح:
العقار أصل المال. وقيل: المنزل، وقيل: الضياع. وعليه اقتصر ابن التين فقال: العقار ضيعة الرجل. وعبارة nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي: أنه أصل المال من الأرض وما يتصل بها، وعقر الشيء: أصله، ومنه عقر الأرض بفتح العين وضمها. والجرة من الفخار ما يصنع من المدر.
[ ص: 645 ] وفيه: التحكيم، وقد سلف في الحديث قبله. وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة: إن وافق رأيه رأي قاضي البلد نفذ وإلا فلا. وقال شريح: إنه كالقسامة فلا يلزمه حكمه، ثم إن هذا الرجل لم يحكم على واحد منهما إنما أصلح بينهما، وذلك أن هذا المال ضائع إذ لم يدعه أحدهما، ولعلهم لم يكن لهم في زمانهم بيت مال، فظهر لهذا المحكم أنهما أحق به; لزهدهما وورعهما وحسن حالهما، ولما ارتجى من طيب نسلهما وصلاح ذريتهما.
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري خلافا عندهم فيما إذا ابتاع أرضا فوجد فيها شيئا مدفونا هل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؟ وحمله القرطبي على ما يكون من أنواع الأرض كالحجارة والعمد والرخام، وأما ما كان كالذهب والفضة فإن كان من دفين الجاهلية فهو ركاز، وإن كان من دفين المسلمين فهو لقطة، وإن جهل ذلك كان مالا ضائعا، فإن كان هناك بيت مال حفظ فيه وإلا صرف في الفقراء والمساكين، وفيما يستعان به على أمور الدين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين.
قال ابن التين: وإنما أخبر الشارع بذلك ليعتبر به ويزهد في الدنيا. قال nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب: الزاهد من لا يغلب الحرام صبره ولا الحلال شكره، وهذا لعله كان شرعا لهم، ولو ترك عنده ثلاثا لنظر المال، فإن كان من دفين الإسلام فهو لقطة، وإن كان من دفين الجاهلية فقال مالك: هو [ ص: 646 ] للبائع. وخالفه nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم، فقال: إن ما في داخلها بمنزلة ما في خارجها.
وقول مالك أحسن; لأن من ملك أرضا باختطاط ملك ما في باطنها، وليس جهله به حين البيع يسقط ملكه عنه.
الحديث الثامن:
حديث nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وعن أبي النضر (م. الأربعة) -مولى عمر بن عبيد الله- عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، أنه سمعه يسأل nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد: ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الطاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=847800 "الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل -أو على من كان قبلكم- فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه". قال أبو النضر: -أي: واسمه سالم- "لا يخرجكم إلا فرارا منه" وأخرجه أيضا في ترك الحيل كما سيأتي، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الطب، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي في الجنائز، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في الطب، وأهمله ابن عساكر.
[ ص: 647 ] وحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة هذا أخرجه في كتاب القدر وفي كتاب الطب والتفسير أيضا كما سيأتي وقال: "مثل أجر الشهيد" وحديث أسامة أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بألفاظ، ثم قال: وعن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=2546وخزيمة بن ثابت، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث.
وهو رحمة لهذه الأمة كما صرح به في الحديث، وقد سلف في الجهاد في (باب: الشهادة سبع سوى القتل).
وقول nindex.php?page=showalam&ids=15956أبي النضر: ("لا يخرجكم") مراده أن الخروج الذي منع منه الشارع هو الذي لا يخرجه إلا الفرار منه، فأما إن خرج لتجارة وغيرها غير فار فلا نهي عليه.
وقيل: إنما منع من الخروج فرارا منه؛ ظنا أن الفرار ينجيه من القدر.
[ ص: 648 ] وقوله: " لا تقدموا عليه" يريد: لأن مقامكم بالموضع الذي لا طاعون فيه أسكن لقلوبكم، وفيه المرأة والدار يعرفان بالشؤم فيوافق قدرا من مكروه فيقع في الأنفس أن ذلك من سببهما. وسئل مالك عن البلد يقع فيه الموت وأمراض هل يكره الخروج إليه؟
قال: ما أرى بأسا خرج أو أقام، قيل: فهذا شبه ما جاء به الحديث من الطاعون؟ قال: نعم.
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - المراد به ما لم يمت منه كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي، أما من مات منه فهو شهيد جزما.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الخلاف عن السلف في الفرار من الوباء، وذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري أنه كان يبعث بنيه إلى الأعراب من الطاعون، وعن الأسود بن هلال nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق أنه كان يفر منه.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاصي أنه قال: (تفرقوا) في هذا الرجز في الشعاب والأودية ورءوس الجبال، فبلغ معاذا فأنكره وقال: بل هو شهادة ورحمة ودعوة نبيكم.
[ ص: 649 ] وكان بالكوفة طاعون فخرج المغيرة منها، فيما ذكره المدائني فلما كان في حصاص nindex.php?page=showalam&ids=38ابن عوف طعن فمات. وأما nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فرجع من سرغ ولم يقدم عليه، وذلك لدفع الأوهام المشوشة لنفس الإنسان، وندم على رجوعه.
وتأول من فر أنه لم ينه عن الدخول والخروج مخافة أن يصيبه غير المقدور، لكن مخافة الفتنة أن يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفار إنما كانت بفراره. وهذا من نحو النهي عن الطيرة. وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: هو فتنة على المقيم الفار فيقول: فررت فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمت، وإنما فر من لم يأت أجله، وأقام من حضر أجله.
وقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها -: الفرار منه كالفرار من الزحف.
قال الحسن: خرجوا حذرا من الطاعون فأماتهم الله في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفا.
[ ص: 650 ] غريبة:
وقع في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=16142أبي الفرج الأصبهاني: كانت العرب تقول: إذا دخل بلدا وفيها وباء فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخولها، فإنه إذا فعل ذلك أمن من الوباء.
فصل:
إن قلت: عدم القدوم عليه تأديب وتعليم، وعدم الخروج إثبات التوكل والتسليم وهما ضدان، فأمره بالحذر عنه؟!
قلت: أجاب nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي أنه لما لم يؤمن على القادم عليه أن يظن أنه إذا أصابه أن ذلك على سبيل العدوى التي لا صنع (للمقدور) فيها نهى عن ذلك، فكلا الأمرين يراد لإثبات القدر، وترك التعرض لما يزلزل الباطن.
وقال بعضهم: إنه إنما نهي عن الخروج لأنه إذا خرج الأصحاء وهلك المرضى فلا يبقى من يقوم بأمرهم فخروج هؤلاء لا يقطع بنجاتهم، وهو قاطع بهلاك الباقين، والمسلمون كما جاء في الحديث "كالبنيان يشد بعضه بعضا".
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي: الذي عندي أن الله أذن أن لا يتعرض أحد للحتوف - ولكن هو من باب الحذر الذي أذن فيه; لأن الله صانك أن لا تشرك به فتقول: لو لم أدخل لم أمرض.
فصل:
قول nindex.php?page=showalam&ids=15956أبي النضر السالف: ("لا يخرجكم) إلا فرارا منه") كذا هو [ ص: 651 ] بالنصب، ويجوز رفعه، واستشكلهما nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي; لأنه لا يفيد بحكم، ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار وهذا محال، وهو نقيض المقصود من الحديث، لا جرم قيده بعض رواة "الموطأ": الإفرار منه بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة يوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح; لأنه لا يقال: أفر رباعيا، وإنما: يقال: فر، ومصدره فرار ومفر، قال تعالى: أين المفر قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلط، قال بعضهم: إنها زائدة كما تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد أي: أن تسجد، وقال بعض النحويين: (إلا) هنا للإيجاب; لأنها تعوض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا، فأباح الخروج لغرض آخر. والأقرب أن تكون زائدة، والصحيح إسقاطها كما قد صح في الروايات الأخر.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض: خرج بعض محققي العربية لرواية النصب وجها فقال: منصوب على الحال، قال: فلفظة (إلا) هنا للإيجاب لا للاستثناء، قال: وتقديره لا تخرجوا (إذا) لم يكن خروجكم إلا فرارا منه.
فائدة:
الطاعون وزنه فاعول من الطعن غير أنه عدل عن أصله، ووضع دالا على الموت العام بالوباء، وهي قروح تخرج في الجسد فتكون في المراق أو الآباط أو الأيدي أو الأصابع وسائر البدن، ويكون معه [ ص: 652 ] ورم وألم شديد وتخرج تلك القروح مع لهب، ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة، ويحصل معه خفقان القلب والقيء. وقال الخليل: الوباء هو الطاعون، وقيل: هو كل مرض عام يقع بكثير من الناس نوعا واحدا، بخلاف سائر الأوقات فإن أمراضهم فيها مختلفة، فقالوا: كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونا، وجمعه طواعين.
ونقل ابن التين عن nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي أنه حبة تخرج في الأرفاغ، وفي كل طي في الإنسان ثم قال: والصحيح أنه كالوباء.
وقيل: هي إيم الله بكسر الهمزة، واختلف في ألف "ايمن" هل هي ألف وصل أو ألف قطع. واسم هذه المرأة فاطمة بنت الأسود ابن عبد الأسد بنت أخي أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وكان ذلك في غزوة الفتح، وقتل أبوها كافرا يوم بدر، وكان حلف ليكسرن [ ص: 653 ] حوض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاتل حتى وصل إليه، فأدركه حمزة وهو يكسره، فقتله، فاختلط دمه بالماء.
وسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الحاكي والمحكي عنه، وكأنه أوحي إليه بذلك قبل وقوع قصته يوم أحد، ولم يعين له ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما وقع له ذلك تعين أنه (هو) المعني بذلك، نبه عليه nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي.
[ ص: 654 ] قال ابن التين: وفيه أنه كان يرجو إنابتهم كاستغفار إبراهيم لأبيه، ودعاء نوح قومه، فلما تبين لابنه أن أباه لا يؤمن تبرأ منه، ولما أخبر الله نوحا أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن قال: رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا [نوح: 26] ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قريش حين عتوا وسمى قوما قتلوا يوم بدر.
وقال: "كيف يفلح قوم دموا وجه نبيهم" فأنزل الله تعالى: ليس لك من الأمر شيء [آل عمران: 128] فعلم أن منهم من يؤمن.
وقال معاذ: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة قال سمعت عقبة بن عبد الغافر، سمعت nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد سلف الكلام عليه قريبا في ثاني حديث في هذا الباب، أعني [ ص: 655 ] باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ويأتي في الرقاق والتوحيد، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم.
و("رغسه") براء مهملة مفتوحة ثم غين معجمة ثم سين مهملة ثم هاء أي: كثر ماله، فالرغس البركة والنماء والخير، ورجل مرغوس: كثير الخير، ورغسه الله: أكثر ماله وبارك له، وتقول: كانوا قليلا فرغسهم الله أي: كثرهم، وروي (راسه الله) وهو غلط كما قاله ابن التين، فإن صح فهو بشين معجمة، والريش والرياش: المال.
وقيل: رغس كل شيء أصله، فكأنه جعل له أصلا من كل مال.
وقوله: ("في يوم عاصف") أي: عاصف ريحه.
وقوله: ("فتلقاه") هو بالقاف عند أبي ذر، قال ابن التين: ولا أعلم للفاء وجها إلا أن يكون أصله من تلففته رحمته، أي: كفرته وغشيته فلما اجتمع ثلاث فاءات أبدلت الآخرة (ألفا).
ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بعده حديث حذيفة وعقبة مثله، وسلفا.
وفيه ("ثم أوروا نارا") أي: اقدحوا وأشعلوا، وفيه: ("فذروني في اليم في يوم حار أو راح") كذا للمروزي nindex.php?page=showalam&ids=13722والأصيلي nindex.php?page=showalam&ids=12002وأبي ذر (حاز) بتشديد الزاي المعجمة يحز بحره وبرده، وعند nindex.php?page=showalam&ids=2737أبي الهيثم (حار) بالراء، وأشار بعضهم إلى تفسيره بالشدة أي: بشدة ريحه.
[ ص: 656 ] وجاء في بعض الروايات "في يوم حان" بالنون، وللنسفي (حار أو راح) على الشك قاله عياض، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بعده عن عبد الملك، وقال ("في يوم راح") واقتصر ابن التين على رواية (حان) بالنون، ثم نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس: (الحنون): ريح [تحن] كحنين الإبل، قال: فعلى هذا يقرأ "في يوم حان" بتشديد النون يريد حان ريحه، وتبعه بعض شيوخنا فاقتصر عليه في شرحه وأهمل ما ذكرناه.
ثم ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بعده حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه -: "كان رجل يداين الناس.. " الحديث، من طريقين عنه، وقد سلف قريبا تأويله، وفي البيوع أيضا.
ثم ذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: "عذبت امرأة في هرة.. " وقد سلف أيضا.
[ ص: 657 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=12139أبو مالك الأشجعي عن nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=15883ربعي، عن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة قوله.
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14704الطرقي أن nindex.php?page=showalam&ids=15020عبد الله بن مسلمة لم يسمع من nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة غير هذا الحديث وسيأتي أيضا في الأدب.
ومعنى الحديث: أن الحياء أمره ثابت منذ زمان النبوة الأولى، فإنه ما من نبي إلا وقد ندب إلى الحياء وبعث عليه، ولم يبدل فيما بدل منها.
وذلك أنه أمر قد علم صوابه، وبان فضله، ولم ينسخ فيما نسخ من شرائعهم.
وقوله: ("فاصنع ما شئت") هو أمر معناه الخبر -يقال: استحى يستحي، واستحيا يستحيي- لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، وإن لم تكن له بقية.
وحكوا فيه أوجها:
أحدها: إذا لم تستحي من العتب وتخشى العار، فافعل ما تحدثك به نفسك قبيحا كان أو حسنا، لفظه أمر، ومعناه التوبيخ.
الثاني: أن يحمل (على) الأمر على بابه، تقول: إذا كنت آمنا في فعلك أن تستحي منه بجريك على الصواب، وليس من الأفعال التي يستحى منها فاصنع ما شئت، وعبارة ابن التين: إذا لم ترتكب ما تستحي منه مما ينهى عنه فاصنع ما شئت.
[ ص: 658 ] ثالثها: معناه الوعيد، أي: افعل ما شئت تجازى به لقوله تعالى: اعملوا ما شئتم .
رابعها: لا يمنعك الحياء من فعل الخير.
خامسها: أنه على طريق المبالغة في الذم، أي: تركك الحياء أعظم مما تفعله.
ثم ذكر بعده حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما -: nindex.php?page=hadith&LINKID=653226 "بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة" تابعه عبد الرحمن بن خالد. يعني: تابع يونس، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، عن سالم، عنه، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في الزينة، وأخرجه هو nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضا ووقع في ابن عساكر من أن nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أخرجه من طريق سالم، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، والذي وجد فيه عن سالم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة.
ومعنى يتجلجل: يتحرك في الأرض، والجلجلة حركة مع صوت، أي: يسوخ فيها حين يخسف به، قاله النضر بن شميل، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد: كل شيء خلطت بعضه ببعض فقد جلجلته، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13417ابن فارس: جلجلت [ ص: 659 ] الشيء إذا حركته بيدك، وقيل: يتجلجل يهوي، وقيل: التجلجل أن يسيخ في الأرض مع اضطراب شديد وتدافع من شق إلا شق، وزعم بعضهم أن هذا الرجل قارون.
فائدة:
عبد الرحمن بن خالد هذا هو أبو خالد الفهمي مولى الليث بن سعد من فوق، روى عنه الليث، وكان واليا لهشام على مصر سنة ثماني عشرة، وعزل سنة تسع عشرة، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة.
وشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بشر بن محمد: هو أبو محمد المروزي، مات سنة أربع وعشرين ومائتين.
ثم ذكر بعده حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه -: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد كل أمة أوتوا الكتاب.. " الحديث، سلف في الصلاة.