ذكر فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر السالف قريبا، وفيه: "وما أحب أن أكتوي" وحديث حصين، ثنا عامر، عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين قال: لا رقية إلا من عين أو حمة. فذكرته nindex.php?page=showalam&ids=15992لسعيد بن جبير فقال: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: قال
[ ص: 397 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "عرضت علي الأمم .. " الحديث. وفيه: "ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا بغير حساب". وفي آخره: "هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون". فقال nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: "نعم". فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ فقال: "سبقك بها nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة".
وقد سلف الكلام عليه قريبا.
فنذكر هنا أمورا:
أحدها: حديث nindex.php?page=showalam&ids=14577عامر الشعبي منقطع، قال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في بعض نسخه: استفدنا من هذا أن حديث عمران مرسل، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مسند.
قلت: وهو مع إرساله موقوف، وإن كان nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود لما رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد، ثنا nindex.php?page=showalam&ids=14213عبد الله بن داود، عن nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول، عن حصين، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، عن عمران رفعه به ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من طريق سفيان عن حصين، ثم قال: ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن حصين، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، عن بريدة ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه عن طريق nindex.php?page=showalam&ids=11960أبي جعفر الرازي عن حصين، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، عن بريدة به مرفوعا. وأخرجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=17249هشيم عن nindex.php?page=showalam&ids=15721حصين موقوفا، ورواه أيضا من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=661081أنه رخص في الرقية من العين والحمة والنملة .
[ ص: 399 ] وعند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا: nindex.php?page=hadith&LINKID=661066 "العين حق، لو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا".
nindex.php?page=showalam&ids=12510ولابن أبي عاصم من طريق ضعيفة: "أكثر ما يحفر لأمتي من القبور العين" .
وعن حية بن حابس، عن أبيه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا شيء في الهامة، والعين حق". قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي: غريب . وقال أبو عمر: في سنده اضطراب .
وفي "الموطأ" عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسترقوا إلا من عين" .
[ ص: 400 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - أن nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق قال ليهودية ترقيني: ارقيها بكتاب الله .
العين: نظر باستحسان ويشوبه شيء من الحسد، ويكون الناظر خبيث الطبع كذوات السموم. نبه عليه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي، ولولا هذا لكان كل عاشق يصيب معشوقه بالعين، يقال: عنت الرجل: إذا أصبته بعينك، فهو معين ومعيون، والفاعل: عائن.
ومعنى قوله: ("العين حق") أي: تصيب بلا شك عاجلا كأنها سابق القدر.
وقد أشكلت إصابة العين على قوم، فاعترضوا على هذا الحديث، فقالوا: كيف تعمل العين من بعد حتى تمرض؟
والجواب: أن طبائع الناس تختلف كما تختلف طبائع الهوام، وأن ذلك يصل من أعينهما في الهواء حتى يصيبه، وقال رجل عيون: إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني.
[ ص: 401 ] وقد عرف أن في الناس من تلسعه العقرب فيموت العقرب، فلا ينكر أن يكون في الناس ذو طبيعة ذات ضر وسم، فإذا نظر إلى ما يعجبه فصل من عينه شيء في الهواء من السم فيصل إلى المرئي فيقتله.
ومما يشبه هذا أن المرأة الطامث تدنو من إناء اللبن فيفسد اللبن، وليس ذلك إلا لشيء فصل عنها فوصل إلى اللبن، وقد تدخل البستان فتضر بكثير من العروش من غير أن تمسها، ويفسد العجين إذا وضع في البيت الذي فيه البطيخ، وثاقب الحنظل تدمع عيناه، كذا قاطع البصل، والناظر إلى العين المحمرة، وقد يتثاءب الرجل فيتثاءب غيره.
وقوله: ("لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين") دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قدر له، وأن العين لا تسبق القدر لكنها من القدر.
وقوله: ("ألا بركت؟ ") به دليل على أن العين لا تضر ولا تعدو إذا برك العائن، فواجب على كل من أعجبه شيء أن يبرك، وإذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة، والتبريك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين، اللهم بارك فيه .
فصل:
ويؤمر العائن بالاغتسال، ويجبر إن أبى; لأن الأمر للوجوب، ولا ينبغي لأحد أن يمنع أخاه ما ينتفع به أخوه ولا يضره هو، لا سيما إذا كان بسببه وهو الجاني عليه.
[ ص: 402 ] والاغتسال ورد في حديث nindex.php?page=showalam&ids=49عامر بن ربيعة ، وهو أنه يغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم صب عليه. وفي رواية: ويديه إلى المرفقين والركبتين . وفي رواية: أن عامرا غسل صدره. وفي أخرى: حسى منه حسوات .
قال أبو عمر: وأحسن شيء في تفسيره ما وصفه nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري راوي الحديث الذي عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : يؤتى بقدح من ماء، فيدخل يده في القدح (ثم يتمضمض في القدح) ويغسل وجهه في القدح، ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمين، ثم بكفه اليمنى على كفه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصبه بها على مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ويغسل قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين، ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة، ولا يضع "القدح به حتى يفرغ. زاد nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة في روايته عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري: وأن يصبه من خلفه صبة واحدة تجري على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض، ويغسل أطرافه وركبتيه وداخلة إزاره في القدح .
قال النواوي: ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، وقد سلف في رواية خلافه.
قال: وداخلة إزاره هو الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن.
[ ص: 403 ] قال: وظن بعضهم أن داخلة إزاره كناية عن الفرج، وجمهور العلماء على ما قدمناه، وإذا استكمل هذا منه صبه من خلفه على رأسه .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي: داخلة الإزار هو إدخاله وغمسه في القدح، ثم يقوم الذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من خلفه على جميع جسده، وقيل: يغسله بذلك، ثم يكفأ الإناء على ظهر الأرض .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض أن غسل العائن وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى، وكذلك باقي أعضائه، إنما هو صبه على ذلك العضو من القدح ليس على صفة غسل الأعضاء من الوضوء وغيره، وكذلك داخلة إزاره إنما هو غمسه في القدح، أي كما سلف، ويستغفل المعين عند صبه عليه. هذه رواية nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري، وفي رواية عقيل عنه الابتداء بغسل الوجه قبل المضمضة، ويغسل طرف قدمه اليمنى من أصول أصابعه، واليسرى كذلك. وداخلة الإزار هي المئزر، والمراد بداخلته ما يلي الجسد منه. وقيل: المراد موضعه من الجسد، فقيل: المراد مذاكيره، وقيل: وركه; إذ هو معقد الإزار .
فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : وقال بعض العلماء: ينبغي إذا عرف واحد بالإصابة بالعين أن يجتنب ويحترز منه، وينبغي للإمام منعه من مداخلة الناس، ويأمره بلزوم منزله، وإن كان فقيرا رزقه ما يكفيه، فضرره أكثر من ضرر آكل الثوم والبصل الذي منعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخول المسجد
[ ص: 404 ] لئلا يؤذي الناس، ومن ضرر المجذومة التي منعها nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - الطواف مع الناس . وما ذكره ظاهر.
فصل:
قال أبو عمر: الرجل الصالح قد يكون عائنا، وأن هذا ليس من باب الصلاح ولا من باب الفسق في شيء، وأن العائن لا ينفى كما زعم بعض الناس .
قلت: (ذكر) القاضي حسين أن نبيا عان قومه .
فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي: لو انتهت إصابة العين إلى أن يعرف ذلك ويعلم من حاله، أنه كلما تكلم بشيء معظما له أو متعجبا منه أصيب ذلك الشيء وتكرر ذلك بحيث يصير ذلك عادة، فما أتلفه بعينه غرمه، وإن قتل أحدا بعينه عامدا لقتله قتل به، كالساحر القاتل بسحره عند من لا يقتله كفرا، وأما عندنا فيقتل على كل حال قتله بسحره أم لا; لأنه كالزنديق .
فصل:
ذهبت الفلاسفة - كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي - إلى أن ما يصيب العين من جهة العائن إنما هو صادر عن تأثير النفوس بقوتها فيه، فأول ما تؤثر في نفسها، ثم تقوى فتؤثر في غيرها. وقيل: إنما هو سم في عين العائن
[ ص: 405 ] يصيب لفحة المعين عند التحديق إليه كما يصيب لفح سم الأفعى من يتصل به .
قلت: ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله، أجرى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر بمشيئة الله وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله [البقرة: 102].
فصل:
لما ذكر أبو بكر الكلاباذي حديث الحارث عن علي - رضي الله عنه - أن جبريل قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق بالعين; فإن العين حق (قال) : يجوز أن يكون معنى العين التي تجري فيها الأحكام والأمور في الخلق، وهو القضاء القديم (والقدرة السابقة) ، فكأنه قال: صدق بالعين وتحقق أن الذي أصاب منها إنما هو (بقدر) الله لا أنه حدث في الوقت. فكأنه قال: صدق بالقدر.
ويجوز أن يكون الناظر إذا نظر إلى شيء فاستحسنه حتى شغل به عن ذكر الله تعالى فلم يرجع إليه ولا إلى رؤية صنيعه أحدث الله تعالى في المنظور علة، ويكون نظر الناظر سببها، فيؤاخذه الله بجنايته بنظره إليه على غفلة من ذكر الله، كأنه هو الذي فعلها به.
وهذا كالضرب من الضارب بالسيف فيحدث الله الجراحة في المضروب وهو يكون الجارح، وإن كان ذلك من فعل الله وليس بفعل
[ ص: 406 ] الضارب، ولكن (لما كان) الضارب منهيا عن الضرب بغير حقه لحقه الوعيد الذي أوعده الله به واستحقه بجنايته وهو الضرب، وكذلك الناظر نهي عن نظره إلى شيء من الأشياء على غفلة، ونسيان ذكر الله، فكانت هذه جنايته، فيجوز أن يحدث الله في المنظور علة (يؤاخذ) الناظر بجنايتها .
قلت: وما فسر به العين بالقدر نظر.
فصل:
(الحمة) بضم الحاء المهملة ثم ميم مخففة ثم هاء; كذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب وقال: وهي سم العقرب. وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : هي كل شيء يلدغ أو يلسع . وقال الفراء: هي السم. وقيل: شوكة العقرب.
قال صاحب "المطالع": وهو غلط، وأصله حمو أو حمى، والهاء عوض من الواو، ولامه ياء.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13247ابن سيده: والحمة، قال بعضهم: هي الإبرة التي تضرب بها الحية والعقرب والزنبور أو تلدغ بها، والجمع: حماة وحمى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ: من سمى إبرة العقرب حمة فقد أخطأ، وإنما الحمة سموم ذوات الشعر كالدبر، وذوات الأنياب والأسنان كالأفعى وسائر الحيات، وكسموم ذوات الإبر من العقارب، وأما البيش وما أشبهه من السموم فليس يقال له: حمة. وههنا أمور لها سموم، ولم نسمعهم يسمون جميع السموم الحمة، وقلنا مثل ما قالوا، وانتهينا إلى حيث انتهوا.
[ ص: 407 ] وقال المطرز في "يواقيته": حمة بالتشديد. وعند كراع: وجمعها حمون وحمات، كما قالوه: برة وبرون وبرات، قال: وكأنها مأخوذة من حميت النار تحمى: إذا اشتد حرارتها.
فصل:
قوله: ("لا رقية إلا من عين أو حمة")، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : يريد لا رقية أولى وأشفى من رقية العين ، وقد أسلفنا عن القزاز: الحمة: السم.
وكذلك قال nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين: يكره الترياق إذا كان فيه الحمى. يعني: سموم الحيات. قال: والذي في الحديث: الحمة كل هامة ذات سم من حية أو عقرب.
قال الجوهري: الحمى: حمة العقرب، سمها وحرها، وهي بالتخفيف، وأما حمة الحر - وهو معظمه - فبالتشديد ، وقيل: الحمة: لدغة الحية. وبخط nindex.php?page=showalam&ids=14299الدمياطي: أي من لدغة ذي حمة وهي السم كالعقرب.
فصل:
وقوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: (فأفاض القوم)، أي: في الكلام واندفعوا إليه.
فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36 [جابر] إباحة الكي والحجامة، وأن الشفاء فيهما; لأنه لا يدل أمته على ما فيه الشفاء لهم إلا ومباح لهم الاستشفاء به والتداوي.
[ ص: 408 ] فإن قلت: ما معنى قوله: "وما أحب أن أكتوي" قيل: معناه - والله أعلم - أن الكي إحراق بالنار وتعذيب بها، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ كثيرا من (فتنة النار و) عذاب النار، فلو اكتوى بها لكان قد عجل لنفسه ألم ما قد استعاذ بالله منه.
فإن قيل: فهل نجد في الشريعة مثل هذا مما أباحه لأمته ولم يفعله هو؟ قيل: بلى، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أباح لأصحابه أكل الضب وامتنع هو، وبين علة امتناعه منه فقال: "لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه".
ومثله عدم أكله الثوم والبصل والخضرات المنتنة الريح، وأباحها لأمته وقال: "إني أناجي من لا تناجي". وقال مرة: "إنه يحضرني من الله حاضر". فكذلك أباح الكي وكرهه في خاصة نفسه .
فصل:
قوله: ("لا يسترقون") قيل: فيه دليل على كراهة التداوي، وقيل: ليس فيه دليل على منع الرقية، ووجهه أن يكون تركها توكلا على الله ورضا بالبلاء والقضاء، وهذه أرفع الدرجات، وذهب إلى هذا nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء وغيره من الصحابة، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود.
ويحتمل أن يكون كره من الرقية ما كان على مذهب التمائم التي كانوا (في الجاهلية) يعلقونها، والعوذ التي كانوا في الجاهلية يتعاطونها يزعمون أنها تذهب الآفات عنهم، وكانوا يرون معظم السبب في ذلك الجن ومعونتهم، وهذا محظور محرم التصديق به، ويكره أيضا الرقى بالعجمية; لأنه ربما يكون كفرا وقولا يدخله الشرك.
[ ص: 409 ] وقال أبو الحسن القابسي: معنى "لا يسترقون" يريد به الذي كانوا يسترقون به في الجاهلية مما ليس في كتاب الله، وهو ضرب من السحر، فأما الاسترقاء بكتاب الله فقد فعله - صلى الله عليه وسلم - وأمر به، وليس بمخرج عن التوكل; لأن الثقة بالله والاعتماد في الأمور عليه، وتفويض كل ذلك بعد استفراغ الوسع في السعي فيما بالعبد الحاجة إليه في أمر دينه ودنياه، على ما أمر به لا كما قاله بعض الصوفية أن التوكل حده الاستسلام للسباع، وترك الاحتراز من الأعداء ورفض السعي للمعايش والمكاسب، والإعراض عن علاج العلل تمسكا بقوله: "ولا يكتوون .. " الحديث. ومعناه: معتقدين أن الشفاء (والبرء في) الكي وغيره دون إذن الله بالشفاء، وأما من اكتوى معتقدا إذا شفي أن الله هو الذي شفاه فهو المتوكل على ربه.
فصل:
وقوله: ("ولا يتطيرون") الطيرة: التطير من الشيء، وهو أن يرى شيئا يتشاءم به، واشتقاقه من الطير كالغراب ونحوه، وفي بعض الحديث: "ثلاث لا يسلم منهن أحد: الظن، والطيرة، والحسد، فإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ" .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: معنى "لا يسترقون ولا يتطيرون" - والله أعلم - الذين لا يفعلون شيئا من ذلك معتقدين أن البرء إن حدث عقب ذلك كان من عند غير الله، وأنه كان بسبب الكي والرقية، وأن الذي يتطير منه لو لم يتضرر
[ ص: 410 ] من أجله ومضى كان مصيبه - إن أصابه مكروه - من قبل مضيه لا من قبل الله، فأما من انصرف ومضى وهو في كلا حاليه معتقدا أنه لا ضار ولا نافع غير الله، وأن الأمور كلها بيده، فإنه غير معني بقوله: "لا يكتوون ولا يتطيرون".
فصل:
اختلف الناس في التوكل كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري، فقالت طائفة: لا يستحق اسم التوكل حتى لا يخالط قلبه خوف شيء غير الله من سبع عاد وعدو لله كافر (حتى) يترك السعي على نفسه في طلب رزقه; لأن الله تعالى قد ضمن أرزاق العباد، والشغل بطلب المعاش شاغل عن الخدمة.
وقالت أخرى: حده الثقة به، والاستسلام لأمره، والإيقان بأن قضاءه عليه ماض، واتباع سنته (وسنة رسوله، ومن اتباع سنته) سعي العبد فيما لا بد له منه، ومن مطعم ومشرب وملبس; لقوله
ومن سببه أن يحترز من عدوه كما فعل الشارع يوم أحد من مظاهرته بين درعين وتغفره بالمغفر; ليتقي به سلاح المشركين، وإقعاده الرماة على فم الشعب; ليدفعوا من أراد إتيانه، وكصنيعه الخندق حول المدينة تحصينا للمسلمين وأموالهم مع كونه من (الثقة و) التوكل والثقة بربه بمحل لا يبلغه أحد، ثم كان من أصحابه ما لا يجهله أحد من تحولهم عن منازلهم مرة إلى الحبشة وأخرى إلى المدينة; خوفا على أنفسهم من مشركي مكة وهربا بدينهم أن يثبتوهم عنه بتعذيبهم إياهم.
وقد أحسن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري حين قال - للمخبر عن عامر بن عبد الله أنه نزل مع أصحابه في طريق الشام على ماء حال الأسد بينهم وبين الماء، فجاء عامر إلى الماء فأخذ منه حاجته، فقيل له: لقد خاطرت بنفسك! وقال: لأن تختلف الأسنة في جوفي أحب إلى أن يعلم الله أني أخاف شيئا سواه - : قد خاف من كان خيرا من عامر، موسى - عليه السلام - حين قيل له: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين [القصص: 20، 21] وقال أيضا: فأصبح في المدينة خائفا يترقب [القصص: 18] وقال حين ألقى السحرة حبالهم وعصيهم: فأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى [طه: 67، 68] قالوا: فالمخبر عن نفسه بخلاف ما طبع الله عليه نفوس بني آدم كاذب، وقد طبعهم الله على الهرب مما يضرهم، وقد أمر الله عباده بالإنفاق من طيبات ما كسبوا.
[ ص: 412 ] وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه [البقرة: 173] فأحل للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمر الله باكتسابه والاغتذاء به، ولم يأمره بانتظار طعام ينزل عليه من السماء، ولو ترك السعي في طلب ما يتغذى به حتى هلك كان لنفسه قاتلا، وقد كان سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتلوى من الجوع ما يجد ما يأكله، ولم ينزل عليه طعام من السماء، وهو أفضل البشر، وكان يدخر لنفسه قوت سنة حتى فتح الله عليه الفتوح.
قالوا: وقد كوى - صلى الله عليه وسلم - جماعة من أصحابه، كوى أبا أمامة أسعد بن
[ ص: 413 ] زرارة من الذبحة، وكوى nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ من كلمة يوم الخندق، وكوى nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب على أكحله حين أصابه السهم يوم أحد، وكوي nindex.php?page=showalam&ids=86أبو طلحة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله: أقسم علي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لأكتوين.
واكتوى nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت سبعا في بطنه، واكتوى من اللوقة nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية nindex.php?page=showalam&ids=13وعبد الله بن عمرو، وذلك كله ذكره nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري بأسانيد صحاح، قال: فبان أن معنى الحديث ما قلناه، وأن الصواب في حد التوكل الثقة بالله والاعتماد عليه كما أسلفناه أولا .
فصل:
سلف في باب أول الطب من هو المسبوق.
وعن "مسند ابن سنجر" من رواية أم قيس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه انتهى بها إلى البقيع فقال: "يا أم قيس، يبعث من هذه المقبرة سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، كأن وجوههم القمر ليلة البدر". فقام nindex.php?page=showalam&ids=5735عكاشة .. الحديث) .
فصل:
قال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي: في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: كيف تعرف من لم تر من أمتك؟ قال: "أرأيت لو كان لأحد خيل"؟ وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هذا أنه لم يعرف أمته; فإن فيه: " .. فإذا فيه سواد قد ملأ الأرض، قيل: هذه أمتك". فكيف (وجه) خروج الحديثين مع صحة إسنادهما؟
[ ص: 414 ] فنقول: إن السواد الذي في الأفق الثاني غير مدرك الطرف إلا السواد والكثرة، ولا يدرك الأعيان والأشخاص حتى إذا صاروا منهم بحيث يدرك الطرف أشخاصهم عرفهم بالعلامة التي ذكرها، وقد يرى الرجل شخصا ثانيا فيكلمه ولا يعلم أخاه، فإذا صار بالمحل الذي يتبينه عرفه حينئذ.