التوضيح لشرح الجامع الصحيح

ابن الملقن - عمر بن علي بن أحمد الأنصاري

صفحة جزء
5394 5726 - حدثنا مسدد، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا سعيد بن مسروق، عن عباية بن رفاعة، عن جده رافع بن خديج قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " الحمى من فوح جهنم، فابردوها بالماء". [انظر: 3262 - مسلم: 2212 - فتح 10 \ 174]


ذكر حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "الحمى من فيح جهنم، فأطفئوها بالماء". وكان عبد الله يقول: اكشف عنا الرجز. (وأخرجه مسلم والنسائي) .

وحديث أسماء: أنها كانت إذا أتيت بالمرأة قد حمت تدعو لها، أخذت الماء فصبته بينها وبين جيبها، وقالت: كان - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن

[ ص: 452 ] نبردها بالماء.
(وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه) .

وحديث عائشة مرفوعا: "الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء".

وحديث رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله، وقال: "من فوح جهنم".

وقد فسرت أسماء بأن إبراد الحمى صب الماء على جسد المحموم، وقد تختلف أحوال المحمومين، فمنهم من يصلح بأن يبرد بصب الماء عليه، وآخر يصلح أن يبرد بشرب الماء.

وزعم بعض العلماء أن بعض الحميات هي التي يجب إبرادها بالماء، وهي التي عنى الشارع، وهي الحارة التي يكون أصلها من الحر. والحديث يراد به الخصوص، واستدل على ذلك بالحديث: "الحمى من فيح جهنم" والفيح عند العرب: سطوع الحر عن صاحب "العين" يقال: فاحت القدر: غلت. وفي كتاب "الأفعال": فاحت النار والحر، فيحا: انتشر.

واستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "فأطفئوها بالماء وأبردوها بالماء" وذلك كله أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بإبراد الحميات الباردة التي يكون أصلها البرد، وإنما أمر بإبراد الحميات الحارة التي يكون أصلها الحر.

فصل:

والفوح والفيح لغتان، يقال: فاحت ريح المسك تفيح وتفوح فيحا وفوحا وفووحا; قاله الجوهري، قال: ولا يقال: فاحت ريح خبيثة .

[ ص: 453 ] فصل:

وقولها: (نبردها)، هو ثلاثي من برد يتعدى ولا يتعدى، تقول: بردت الماء وبردته أنا. قاله الجوهري . ولا يقال: أبردته إلا في لغة رديئة.

فصل:

ينعطف على ما مضى: قال الخطابي : غلط في هذا الحديث بعض من ينسب إلى العلم فانغمس في الماء لما أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن دمه فأصابته علة صعبة كاد أن يهلك، فلما خرج من علته قال قولا فاحشا لا يحسن ذكره، وذلك لجهله بمعنى الحديث وتدبير الحميات الصفراوية بسقي الماء الصادق البرد ووضع أطراف المحموم فيه أنفع العلاج وأسرعه إلى إطفاء نارها، فإنما أمر بإطفاء الحمى و(تبريدها) بالماء على هذا الوجه دون الانغماس فيه وغط الرأس فيه. وحديث أسماء يشبه هذا المعنى، وروي: "فأبردوها بماء زمزم". وهذا من ناحية البركة، وبلغني عن ابن الأنباري أن معنى "فأبردوها بالماء" أي: تصدقوا بالماء عن المريض يشفه الله; لما روي: أن أفضل الصدقة سقي الماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية