حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ من خلقه، قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: نعم، (أما) ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى [ ص: 278 ] يا رب. قال: فهو لك". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "فاقرءوا إن شئتم: فهل عسيتم " الآية.
ثانيها:
حديث أبي هريرة أيضا - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله - عز وجل - : من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته".
قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: معنى وصل الله عبده إذا وصل رحمه بعطفه عليه بفضله، إما في عاجل دنياه أو آجل آخرته، والعرب تقول إذا تفضل رجل على آخر بمال أو وهبه: وصل فلان فلانا بكذا. وتسمى العطية صلة، فتقول: وصلت إلى فلان صلة فلان. وكذلك قوله تعالى في الرحم: "من وصلها". يعني: وصلته بفضلي ونعمي.
وصلة العبد (رحمه) فبعطفه على ذوي أرحامه من قبل أبيه وأمه بتواصل فضله.
فإن قلت: أفما يكون المرء واصلا رحمه إلا بتعطفه عليهم بفضل ماله، قيل: البر (بالأرحام) مراتب ومنازل، وليس (ممن) يبلغ أعلى تلك المراتب يستحق اسم قاطع كما من لم يبلغ أعلى منازل الفضل يستحق اسم الذم، فواصل رحمه بماله يستحق اسم واصل،
[ ص: 279 ] وواصلها بمعونته ونصرته يستحق اسم واصل، وقد بين ذلك قوله - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=941278 "بلو أرحامكم ولو بالسلام" . فأعلم أمته أن المتعاهد لرحمه ولو بالسلام خارج من معنى القاطع وداخل في معنى الواصل، (فواصلها) بما هو أعلى وأكثر أحق أن يكون خارجا من معنى القاطع.
فصل:
والشجنة: أصلها بالكسر والضم، شعبة من غصون الشجر. ومعناه: قرابته مشبكة بعضها ببعض، قاله nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد . وقال غيره: يقال هذا شجر متشجن إذا التف بعضه ببعض، ومنه الحديث المتقدم ذو شجون، أي: يدخل بعضه في بعض.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: [الشجنة] الفعلة من قولهم: شجن فلان على فلان إذا حزن عليه فشجن عليه شجنا، والمعنى: أن الرحم حزينة مستعيذة بالله تعالى من القطيعة .
وقال ابن التين: "شجنة من الرحمن" (مشتقة) منه بمعنى أنها قرابة (من الله) ، مشتبكة كاشتباك العروق، بالضم وبه قرأناه، [ ص: 280 ] وبالكسر وأصله: الغصن من أغصان الشجر يقال فيه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي في "سراجه": وأما قول أبي عبيد: الشجن قرابة مشتبكة، فغير صحيح; لأنه لا قرابة بين الله والعبد، إنما الشجون في المحسوس هي الأغصان في الشجر والعروق في البدن، وفي العقول معاني الحديث الذي يتعلق بعضها ببعض، ففي المحسوس اتصال بعضها ببعض في حيز وتمامها في مكان، وفي العقول ارتباط بعضها ببعض، فارتباطها بالرحمن إنما هو بالدلالة والأمر بحفظها منه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي: هذا الحديث لا يخلو معناه من أحد شيئين: إما أن يراد أن الله يرعى الرحم أو يراد أن الرحم بعض حروف الرحمن، فكأنه عظم قدرها بهذا الاسم.