فيه من الفقه: أنه يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق; ليعرفهم بذلك من يؤذيه من الناس وينقصه، ولا حرج عليه في مقالته بذلك وتبليغه له، وليس ذلك من باب النميمة; لأن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود حين أخبر الشارع بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنميمة حرام، بل رضي ذلك، وجاوبه عليه بقوله: "يرحم الله موسى" إلى آخره وإنما جاز nindex.php?page=showalam&ids=10لابن مسعود نقل ذلك إليه; لأن الأنصاري في تجويره له استباح إثما عظيما، وركب (حراما جسيما) ، فلم يكن لحديثه
[ ص: 397 ] حرمة، ولم يكن نقله من باب النميمة. وقد قال مالك في الرجل يمر بالرجل يقذف غائبا: فليشهد عليه إن كان معه غيره. وقال في قوم سمعوا رجلا يقذف رجلا فرفعوه إلى الإمام: فلا ينبغي له أن يحده حتى يجيء الطالب ولو كان هذا نميمة لم تجز الشهادة; لأنها كبيرة وهي مسقطة للشهادة .
فصل:
قوله: (فتمعر وجهه). بتشديد العين المهملة، nindex.php?page=showalam&ids=12002ولأبي ذر: (فتمغر) . أي: (تغير) من الغضب.
وفيه من الفقه: أن أهل الفضل والخير قد يعز عليهم ما يقال فيهم من الباطل، ويكبر عليهم، فإن ذلك جبلة في البشر فطرهم الله عليها، إلا أن أهل الفضل يتلقون ذلك بالصبر الجميل، اقتداء بمن تقدمهم من المؤمنين، ألا ترى أنه - عليه السلام - قد اقتدى في ذلك بصبر موسى - عليه السلام - .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قيل له: فلان اغتابك، فكافأه، كما سلف.
وقوله: ("لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر"). قيل: قالوا: هو آدر، فمر يغتسل عريانا ووضع ثوبه على حجر ففر الحجر فتبعه فجاز على بني إسرائيل، فبرأه الله مما قالوا .
[ ص: 398 ] وقيل: قال قارون لامرأة ذات جمال وحسب: هل لك أن أشركك في أهلي ومالي! أن تأتيني إذا كنت في ملأ تقولين: اكفني موسى، فإنه أرادني على نفسي؟. فلما وقفت عليه بدل الله قلبها، فقالت: قال لي قارون كذا. فنكس رأسه، وأيقن بالهلاك. فأخبر موسى، فكان شديد الغضب يخرج شعره من ثوبه فتوضأ وصلى، وجعل يدعو ويبكي ويقول: يا رب أراد فضيحتي، فأوحى الله إليه: أن قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت. فأقبل إلى قارون، (فلما رآه) قال: يا موسى ارحمني، قال: يا أرض خذيه، فساخت به الأرض وبداره إلى الكعبين، فقال: يا موسى ارحمني. فقال: خذيه، فساخت به وبداره، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة .
وقال علي: صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقالت بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان ألين لنا منك وأشد حبا. وأوذي في ذلك، فأمر الله الملائكة فحملته، فمروا على مجالس بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة بموته، حتى علمت بنو إسرائيل أنه مات، فدفنوه فلم يعلم موضع قبره إلا الرخم، فجعله الله أصم أبكم .