(وفي "صحيح مسلم" : nindex.php?page=hadith&LINKID=657336 "والصبر ضياء") والصبر على الأذى من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها عن تطاولها، وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين، وإن كان قد جبل الله النفوس على تألمها من الأذى ومشقته، ألا ترى أنه - عليه السلام - شق عليه تجوير الأنصاري له في القسمة حتى تغير وجهه وغضب، ثم سكن ذلك منه علمه بما وعد الله تعالى على ذلك من جزيل الأجر، واقتدى - عليه السلام - بصبر موسى - عليه السلام - على أكثر من أذى الأنصاري له; رجاء ما عند الله. وللصبر أبواب غير الصبر على الأذى.
[ ص: 465 ] روي عن علي مرفوعا: "الصبر ثلاثة: فصبر على المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة ما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة ما بين تخوم الأرض السابعة إلى منتهى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة ما بين تخوم الأرض السابعة إلى منتهى العرش مرتين" .
وقد روى يزيد الرقاشي عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس - رضي الله عنه - أنه - عليه السلام - قال: "الإيمان نصفان: نصف في الصبر، ونصف في الشكر" .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي: قال (علي) : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. قال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: صدق; وذلك أن الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، فمن لم يصبر على العمل بشرائعه لم يستحق
[ ص: 466 ] اسم الإيمان بالإطلاق. والصبر على العمل بالشرائع نظير الرأس من جسد الإنسان الذي لا تمام له إلا به، وهذا في معنى حديث أنس وجابر أن الصبر نصف الإيمان، وعامة المواضع التي ذكر الله فيها الصبر وحث عليه عباده إنما هي مواضع الشدائد ومواطن المكاره التي يعظم على النفوس فعلها، ويشتد عندها جزعها، كل ذلك محن وبلاء; ألا ترى قوله - عليه السلام - للأنصار: nindex.php?page=hadith&LINKID=651376 "لن تعطوا عطاء خيرا وأوسع من الصبر" .
والصبر في لسان العرب: حبس النفس عن المطلوب حتى تدركه، ومنه نهيه - عليه السلام - عن صبر البهائم، يعني: عن حبسها للتمثيل بها، ورميها كما ترمى الأغراض. ومنه قولهم: صبر الحاكم بيمين فلان. يعني: حبسه عن حلفه.
فإن قلت: هذه صفات توجب التغير وحدوث الحوادث لمن وصف بها، فما معنى (وصفه) بالصبر؟
قلت: معناه: هو يعني الحلم كما أسلفناه، ومعنى وصفه بالحلم هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها. ووصفه تعالى بالصبر لم يرد في التنزيل، وإنما ورد في حديث الباب، وتأوله أهل السنة على تأويل الحلم، هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=13428ابن فورك .