هذا الباب ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال في أواخر (شرحه) بعد الفتن، -ولا أدري لم فعل ذلك - ومعنى الآية: إن شئت (فضلا مني) كقوله تعالى: فيكشف ما تدعون إليه إن شاء [الأنعام: 41].
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -: ليس من عبد يدعو الله إلا استجاب له، وإن كان الذي دعا به رزقا له في الدنيا، أعطاه إياه، وإن لم يكن له رزقا في الدنيا ادخر له.
وهذا من حسن نظره - عليه أفضل الصلاة والسلام -; حيث اختار أن تكون دعوته فيما ينبغي، ومن فضل كرمه أن جعلها لأمته شفاعة للمذنبين، فكأنه - عليه السلام - هيأ النجائب للمنقطعين; ليلحقهم بالسابقين. نبه عليه nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي.
وقوله: ("دعا بها في أمته") يحتمل وجهين: أن يكون دعا بها لنفسه. وهو فيهم، أو دعا بها فيهم إما لصلاحهم، أو لهلاكهم.
[ ص: 178 ] ومعنى: "لكل نبي دعوة" أي: أفضل دعائه، وكذا قوله: (كل نبي سأل سؤالا". والسؤال: ما يسأله المرء، قال تعالى: قد أوتيت سؤلك يا موسى [طه: 36] قرئ بالهمز وتركه. ولهم دعوات غير ذلك: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ألا تهلك أمته بالسنين فأعطيها، وسأل ألا يسلط عليهم عدوهم، وسأل ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعها، وجعل بأسهم بينهم كفارات.
وقوله: " (لكل نبي دعوة مستجابة") هذه دعوة تخص كل نبي لدنياه، مثل قول نوح - عليه السلام -: لا تذر على الأرض [نوح: 26]، ومثل قولة زكريا - عليه السلام -: فهب لي من لدنك وليا [مريم: 5]، ومثل قول سليمان: وهب لي ملكا [ص: 35] فاختباؤه - عليه السلام - دعوته لأمته; رأفة بهم ورحمة عليهم لوقت شدتهم واحتياجهم وانقطاع أعمالهم، قال nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز: لأنا أخوف من أن أحرم الدعاء من أن أمنع الإجابة. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة: لو يسر كفار جهنم إلى الدعاء بالخروج لخرجوا، ولكنهم إنما نادوا يا مالك ليقض علينا ربك [الزخرف: 77] وقالوا: ربنا أخرجنا الآية [المؤمنون: 107] وقد علم سبحانه أنهم سيعودون لو أخرجوا، فلو لم يشترطوا أنهم لا يعودون وأخلصوا الدعاء لخرجوا.
فصل:
أمر الله عباده بالدعاء وضمن لهم الإجابة في الآية المذكورة. وقيل: المعنى ادعوني بطاعتكم إياي، أستجب لكم في الذي التمستم مني بعبادتكم إياي، ومن طاعة العبد ربه دعاؤه إياه، ورغبته في حاجته إليه دون ما سواه، والمخلص له العبادة المتضرع إليه في حاجته،
[ ص: 179 ] موقن أن قضاءها بيده، مفترض لعجزها منه، ومن عبادته إياه تضرعه إليه فيها. وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع، عن سفيان، عن صالح -مولى التوأمة- عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=37331 "من لم يدع الله غضب (الله) عليه".
[ ص: 180 ] فإن قلت: قول nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء: يكفي من الدعاء مع العمل ما يكفي من الطعام مع الملح. وقيل لسفيان: ادع الله. قال: إن ترك الذنوب هو الدعاء، مخالف لما جاء في فضل الإلحاح في الدعاء، والأمر بالدعاء والضراعة إلى الله.
قلت: لا; لأن الذي جبلت عليه النفوس، أن من طلب حاجة ممن هو ساخط عليه لأمر تقدم منه، استوجب به سخطه، أنه بالحرمان أولى، ممن هو عنه راض لطاعته له واجتنابه سخطه فإذا علم من عبده المطيع له حاجة إليه، كفاه اليسير من الدعاء.
فإن قلت: فما علامة الإجابة؟
قلت: روى nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب أن أم الدرداء قالت له: يا شهر، إن شفق المؤمن في قلبه كسعفة أحرقتها في النار، ثم قالت: يا شهر، ألا تجد القشعريرة؟ قلت: نعم قالت: فادع الله; فإن الدعاء يستجاب عند ذلك. وروى nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، عن nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة، عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب، عن nindex.php?page=showalam&ids=17060أبي الخير أنه سمع أبا رهم السماعي يقول: ما يشعر به عند الدعاء العطاس.
فصل:
فإن قلت: ما معنى قوله: "لكل نبي دعوة مستجابة" وقد قال تعالى للناس كافة: ادعوني أستجب لكم [غافر: 60] فعم كل الدعاء، وهذا وعد من الله لعباده وهو لا يخلف الميعاد، وإنما خص كل نبي بدعوة واحدة مستجابة فأين فضل درجة النبوة. قيل: ليس الأمر كما ظننت ولا تدل الآية على أن كل دعاء مستجاب لداعيه، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: إنما يستجاب من الدعاء ما وافق القدر. وليس الحديث مما يدل أنه
[ ص: 181 ] لا يستجاب للأنبياء إلا دعوة واحدة، وقد أجيبت لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوات بأسانيد ثابتة كما سلف، ومنها دعاؤه على المشركين بسبع كسبع يوسف، ودعاؤه على صناديد قريش المعاندين له فقتلوا يوم بدر، وغير ذلك مما يكثر إحصاؤه مما أجيب من دعائه، بل لم يبلغنا أنه رد من دعائه إلا سؤاله ألا يجعل (الله تعالى) بأس أمته بينهم خاصة كما سلف; لما سبق في أم الكتاب من كون ذلك، قال تعالى: ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد [البقرة: 253].
فصل:
قد سلف معنى قوله: "لكل نبي دعوة مستجابة" وعبارة nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال: يريد أن لكل نبي دعوة عند الله من رفيع الدرجة، وكرامة المنزلة أن جعل له أن يدعوه فيما أحب من الأمور، ويبلغه أمنيته فيدعو في ذلك وهو عالم بالإجابة، على ما ثبت عنه أن جبريل قال: "يا محمد إن أردت أن يحول الله لك جبال تهامة ذهبا فعل"، وخيره الله بين أن يكون نبيا عبدا، ونبيا ملكا، فاختار الآخرة على الدنيا، وليست هذه (الدرجة) لأحد من الناس، وإنما أمرنا بالدعاء راجين الإجابة (غير) قاطعين عليها ليقفوا (بين) الرجاء والخوف.
[ ص: 182 ] فصل:
وفي هذا الحديث بيان فضيلة نبينا على سائر الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- حين آثر أمته بما خصه الله به من إجابة الدعوة بالشفاعة له، ولم يجعل ذلك في خاصة نفسه وأهل بيته، فجزاه الله عن أمته أفضل الجزاء، وصلى الله عليه أطيب الصلاة، (فهو) كما وصفه الله بالمؤمنين رءوف رحيم [التوبة: 128].