هذا وقت شريف مرغب فيه، خصه الله تعالى بالتنزل فيه، وتفضل على عباده بإجابة من دعا فيه وإعطاء من سأله; إذ هو وقت خلوة وغفلة واستغراق في النوم واستلذاذ له، ومفارقة الدعة واللذة صعب على العباد لا سيما لأهل الرفاهية في زمن البرد، ولأهل التعب والنصب في زمن قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع إليه في غفران ذنوبه وفكاك رقبته من النار وسأله التوبة في هذا الوقت الشاق على خلوة نفسه ولذتها ومفارقة دعتها وسكنها فذلك دليل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه، فضمنت له الإجابة التي هي مقرونة بالإخلاص وصدق النية في الدعاء، إذ لا يقبل الله دعاء من قلب غافل لاه.
[ ص: 227 ] وقد أشار - عليه السلام - إلى هذا المعنى بقوله: "والصلاة بالليل والناس نيام". فلذلك نبه (- عليه السلام -) على الدعاء في هذا الوقت الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا وعلقها; ليستشعر العبد الجد والإخلاص لربه، فتقع الإجابة منه; رفقا من الله بخلقه رحمة له، فله الحمد والشكر دائما كثيرا على إلهام ذلك لمصالحهم ومنافعهم.
فصل:
إن قلت: كيف ترجم الدعاء نصف الليل وذكر الحديث أن التنزل في ثلث الليل الآخر؟ قيل: إنما أخذ ذلك من قوله تعالى: قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا [المزمل: 2، 3] فالترجمة تقوم من دليل القرآن، والحديث يدل على أن وقت الإجابة ثلث الليل إلا أن ذكر النصف في كتاب الله يدل على تأكيد المحافظة على وقت التنزل قبل دخوله; (ليأتي) أول وقت الإجابة، والعبد مرتقب له مستعد للإنابة، فيكون ذلك سببا للإجابة. وينبغي ألا يمر وقت ليلا كان أو نهارا إلا أحدث العبد فيه دعاء وعبادة لله تعالى.
[ ص: 228 ] فصل:
سلف ذكر حديث النزول، فإن كان ملكا ينزل بأمره، فإن أمره لا يفارقه، وإنما هو مأمور، وإن يظهر فعل عن أمره فيضاف إليه كضرب الأمير، وإنما أمر به، وإذا كان كذلك لم ينكر أن يكون لله تعالى ملائكة يأمرهم بالنزول إلى السماء الدنيا بهذا النداء والدعاء، فيصرف ذلك إليه لاسيما وقد صح الخبر بذلك.
ورواه بعض (الثقات) (ينزل) بضم الياء وهو يؤيد هذا التأويل وقيل: حكمه. وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي أنه سئل عن هذا الخبر فقال: يفعل الله ما يشاء. وهذه إشارة إلى أن كل ذلك فعل يظهر منه.