صفحة جزء
1641 [ 983 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مطرف، عن معمر، عن الزهري، عن عروة قال: كان أبو حذيفة بن اليمان شيخا كبيرا فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض للشهادة، فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول: أبي أبي، فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه، فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بديته .


الشرح

مروان: هو ابن معاوية الفزاري، ذكره الحافظ أبو الحسن الدارقطني في شيوخ الشافعي، ويقال له: عبد الله، كوفي سكن مكة.

وسمع: الأعمش، وابن أبي خالد، وعاصما الأحول: مات قبل التروية بيوم سنة ثلاث وتسعين ومائة فجاءة .

ومطرف في شيوخه: هو مطرف بن مازن الكناني الصنعاني. روى [ ص: 276 ] عن: معمر، وابن جريج، ويعلى بن مقسم، وتكلم فيه بعضهم .

وحديث قيس مرسل، لكنه روي موصولا من رواية أبي معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس، عن جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود ... وقال: "أنا بريء من مسلم مقيم بين أظهر المشركين" .

وقصة والد حذيفة أورد البخاري طرفا منها في الصحيح عن فروة عن علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه، وعن محمد بن حرب عن يحيى بن أبي زكريا الواسطي عن هشام، وعن إسحاق عن أبي أسامة عن هشام.

ولما روى الشافعي الحديث الأول قال : إن كان هذا يثبت فأحسب النبي - صلى الله عليه وسلم -والله أعلم-[أعطى] من أعطى منهم متطوعا، وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك [في دار الشرك] ليعلمهم أن لا دية لهم ولا قود.

وقال أبو سليمان الخطابي: إنما لم يكمل لهم الدية وأمر لهم بنصفها; لأنهم قد أعانوا على نفسهم بمقامهم بين الكفار فكانوا كمن [ ص: 277 ] هلك بجناية نفسه وجناية غيره.

واعلم أن من قتل رجلا في دار الحرب وهو يظنه كافرا فبان مسلما فلا قصاص في قتله وتجب الكفارة، وفي الدية قولان:

أصحهما: أنها لا تجب أيضا; لأن دار الحرب مباحة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير عليهم بعد ما بلغتهم الدعوة.

وقول الشافعي: "أعطى من أعطى منهم متطوعا" جرى على هذا القول الأصح، واحتج له بأن الله تعالى ذكر الدية والكفارة حيث قال: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ، وذكرهما أيضا في قتل من بيننا وبينه ميثاق فقال: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ، وقال فيما بينهما: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة أي: في قوم عدو لكم، فذكر الكفارة ولم يذكر الدية، وكان ذلك ظاهرا في أنه لا دية فيه.

قال: ويحتمل أنه أعطى الدية قبل نزول الآية فلما نزلت قال: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك"، وقد يقال: إن الحكم ينفي القصاص والدية على القول الأصح فيما إذا كان المقتول على زي أهل الشرك.

وفي الحديث أنهم استعصموا بالسجود والصلاة وهذا هيئة المسلمين لا ينبغي أن تنفى الدية، وقد يستدل بقوله: "أعطوهم نصف العقل لصلاتهم" على أن الكافر لا يحكم بإسلامه بسبب إتيانه بالصلاة.

وقوله: "لا تراءى ناراهما" أي: لا ينزل المسلم بالموضع الذي تراءى ناره نار المشرك إذا أوقد أي: تقابله وتحاذيه، يقال: منازلهم تتراءى أي: يقابل بعضها بعضا، وقيل: "لا تراءى ناراهما" أي: لا [ ص: 278 ] يتسم المسلم بسمة المشرك ولا يتشبه به في هديه وشكله ولا يتخلق بأخلاقه من قولك: ما نار نعمك، أي: ما سمتها ذكره في الغريبين.

وأما إذا قتل في غير دار الحرب من ظنه مشركا فكان مسلما وجبت الدية، إذ ليس الغالب في أهل ذلك الموضع الشرك وعليه يدل حديث والد حذيفة.

والآطام: الأبنية المرتفعة، واحدها: أطم.

وقوله: "يتعرض للشهادة" أي: يطلبها ويقصد.

وقوله: "فتوشقوه بأسيافهم" كأنه يريد أنهم قطعوه، من قولهم: وشقت اللحم أشقه وشقا واتشقته إذا قطعته للتقديد، والوشيق والوشيقة: اللحم يغلى إغلاءة ثم يقدد ويحمل في الأسفار.

ويقال أن حذيفة لما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية أبيه تصدق بها على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

التالي السابق


الخدمات العلمية