صفحة جزء
1648 الأصل

[ 984 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، أبنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى [في] جنين امرأة من بني لحيان ( سقطا) ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن ميراثها لبنيها وزوجها [و] العقل على عصبتها.


[ ص: 279 ] الشرح

هذا حديث صحيح، رواه البخاري في كتابه عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن قتيبة، بروايتهما عن الليث، ورواه مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة عبد أو أمة .

[و] هذا رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك، ورواه الشافعي عن مالك وقال: بغرة عبد أو وليدة.

وروى مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى في الجنين يقتل في بطن أمة بغرة عبد أو أمة، فقال الذي قضي عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، ومثل ذلك بطل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا من إخوان الكهان" .

هكذا رواه الشافعي عن مالك مرسلا، ورواه البخاري في الصحيح عن قتيبة عن مالك كذلك، ورواه يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى فقتلتها وما في بطنها، [ ص: 280 ] فاختصموا في الدية إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بديتها على عاقلتها وورثها ولدها ومن معهم، فقال حمل بن [النابعة] الهذلي: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع .

وفي الباب عن جابر بن عبد الله وابن عباس ومحمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة، وحمل بن مالك بن النابعة; فروى الشافعي عن سفيان، عن عمرو بن دينار عن طاوس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أذكر الله امرأ سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنين شيئا؟ [فقام] حمل بن مالك بن النابعة، فقال: كنت بين جاريتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنينا ميتا، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة، فقال عمر: إن عندنا أن نقضي في مثل هذا برأينا .

ورواية من روى أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى ... لا تخالف رواية من روى أنه قضى في جنين امرأة من بني لحيان قبيلة من هذيل، واللام من لحيان تفتح وتكسر.

وقوله: "سقطا ميتا" كذا هو في بعض الروايات، وفي بعضها: [ ص: 281 ] سقط ميتا.

وقوله: "بغرة عبد أو أمة" أكثر الرواة يضيف الغرة إلى ما بعدها، ومنهم من نون الغرة وجعل بدلا عنها، ثم قيل: الغرة: النسمة كيف كانت وأصلها غرة الوجه، وقيل: الغرة أنفس الشيء، ويقرب منه قول من يقول أن الغرة الخيار، وعن [أبي] عمرو بن العلاء أن الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء، وأنه لا يؤخذ في الجنين عبد أسود ولا أمة سوداء.

وقوله: "و [العقل] على عصبتها" يريد دية المرأة على ما ذكرنا في رواية يونس: أنه رمت إحدى المرأتين الأخرى فقتلتها وما في بطنها ثم قال: فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بديتها على عاقلتها.

وفي الحديث بيان أن الجاني إذا مات وقد ضربت الدية على عاقلته تؤخذ منهم ويكون ماله لورثته، وفي رواية الشعبي عن جابر بن عبد الله أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة [منهما] زوج وولد، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها. فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا، ميراثها لزوجها .

واحتج بقوله: "جعل دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها" على أن الولد ليس من العاقلة .

[ ص: 282 ] وذكر الإمام أبو سليمان الخطابي أن قوله: ومثل ذلك بطل يروى على وجهين:

أحدهما: بطل، على الفعل الماضي من البطلان.

والثاني: يطل على الفعل الغابر من قولهم: طل دمه إذا هدر.

وأن قوله: "هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه" ليس تعييبا بمجرد السجع وإنما عابه بالسجع في الباطل وشبهه بالكهان الذين يروجون الباطل بأسجاع تروق السامعين، فأما السجع في الحق فلا بأس به وقد تكلم به - صلى الله عليه وسلم - في مواضع، والقضاء بالدية على العاقلة في الواقعة يشعر بأن القتل كان شبه عمد.

وقوله في حديث حمل: "فضربت إحداهما الأخرى بمسطح" يشعر به أيضا; فإن المسطح: عود من عيدان الخباء، والقتل به قريب بالعصا، لكن أبا داود روى في السنن عن محمد بن مسعود، عن أبي عاصم، عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أن عمر رضي الله عنه سأل عن قضية النبي في ذلك، فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها، فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنينها بغرة وأن تقتل.

وهذا خلاف ما في عامة الروايات، ويذكر أن عمرو بن دينار شك فيه بعدما رواه. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية