الحديث الأول قد سبق مختصرا بالإسناد المذكور، وذكرنا بعض ما يتعلق به، وفيه بيان شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمته حيث ناداه الأسير مرة بعد أخرى ويجيئه ويأتيه ويصغي إليه، وأن الأسير من الكفار يجوز أن يقيد ويعذب، وأن جريرة بعض الحلفاء والمعاهد تؤثر في حق الآخرين، وفي كلام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه ليس جهة التأثير مؤاخذة الإنسان بذنب غيره؛ فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولكن شرك المشرك يقتضي [ ص: 106 ] إباحة التعرض لدمه وماله إلا أن الحال قد يقتضي المسامحة والإمهال، فإذا سالمناهم وعهدنا على أن يمتنعوا فلا يجوز واحد منهم وفينا ما وفوا، فإذا خان بعضهم فقد فات شرط الوفاء فجاز لنا أن نعود إلى أسر الباقين وقتلهم لشركهم.
وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" أي: لو كان إسلامك قبل الأسر لعصمك عن القتل والإرقاق جميعا، فأما بعد الأسر فإنه لا يوجب التخلية ولا منع الإرقاق.
واحتج بعضهم بالحديث على أن الكافر إذا قال:" أنا مسلم" لا يحكم بإسلامه؛ لأنه قد يريد أنه منقاد مستسلم، بل لا بد وأن يشهد بالوحدانية والرسالة، ولو كان محكوما إسلامه لما رده إلى الكفار، ولكن ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم: إنما رده لعلمه بأنهم لا يتعرضون لشرفه فيهم، أو لأن قومه يحمونه، وهذا مصير الحكم بإسلامه، ويجوز أن يقال: أنه تلفظ بما لا بد منه ثم قال: "أنا مسلم"، وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك ... إلى آخره" يشعر أيضا بالحكم بإسلامه.
وقوله: "فيم أخذت و [فيم ] أخذت سابقة الحاج" قد يسبق إلى الفهم منه أنه يعني نفسه ويقول: أنا من سابقة الحاج فلم أخذت، لكن روى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في "الصحيح" عن أبي الربيع العتكي، عن nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب، عن nindex.php?page=showalam&ids=12134أبي قلابة بإسناده وقال: "كانت العضباء لرجل من بني عقيل وكانت من سوابق الحاج، وكان ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 107 ] [وهو في الوثاق، قال: يا محمد ... ] الحديث، وهذا يبين أن قوله: وفيم أخذت سابقة الحاج يريد: العضباء.
وقول [.. ..] أي: فداه وأمسك ناقته تلك.
والحديث الثاني مخرج في "الصحيحين" وقد يجمع بين القصتين ويعدان حديثا واحدا.
وقوله: وهي "ناقة هدرة" أي: صائحة، يقال: هدر البعير إذا صاح أي: لم ترغ في تلك الحالة مع كونها هدرة، ويروى: وكانت مجرسة أي: مجربة في الركوب والسير.