2911 2912 ص: وقد جاءت الآثار متواترة عن رسول الله - عليه السلام - بما قد ذكرنا عنه في صلاته في نعليه ومن خلعه إياهما في وقت ما خلعهما للنجاسة التي كانت فيهما ، ومن إباحته للناس الصلاة في النعال ، فمن ذلك :
ش: لما ذكر فيما مضى وقد رأينا رسول الله - عليه السلام - صلى وعليه نعلاه . . . إلى آخره شرع يبين ذلك ، فقال : "وقد جاءت الآثار " أي الأحاديث "متواترة " أي متكاثرة "عن رسول الله - عليه السلام - بما قد ذكرنا عنه " أي عن النبي - عليه السلام - "من صلاته في نعليه . . . " إلى آخره .
قوله : "فمن ذلك " أي فمن مجيء الآثار في ذلك ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : ثنا أبو غسان وهو مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، قال : ثنا nindex.php?page=showalam&ids=15932زهير بن معاوية بن حديج روى له الجماعة ، قال : ثنا أبو حمزة -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- واسمه ميمون قاله البزار . وفي "التكميل " : ميمون أبو حمزة الأعور القصاب الكوفي الراعي ، قال : فيه مقال كثير ، فعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : ضعيف . وعنه : متروك .
وهو يروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة بن قيس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه - .
قلت : قال أصحابنا : ولو رأى في ثوبه نجاسة ولم يدر متى أصابته لا يعيد صلاته حتى يتحقق ، بالإجماع ، وفي رواية : "يعيد صلاة يوم وليلة " .
فإن قيل : هذا إذا علم بها بعد أن صلى ، وأما إذا علم بها وهو في الصلاة ، فلا خلاف فيه أنه تفسد صلاته وعليه أن يستأنفها ، فكيف يكون الجواب عن الحديث ; لأنه - عليه السلام - علم بالنجاسة وهو في الصلاة بإخبار جبريل - عليه السلام - ومع هذا لم يعدها ؟
قلت : الجواب عن ذلك من وجهين :
الأول : أن الحظر مع النجاسة نزل حينئذ .
والثاني : يحتمل أنه كان أقل من قدر الدرهم ، وهذا لا يمشي إلا على مذهب الحنفية ، فافهم .
الثالث : أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة وهو الذي لا يحتاج فيه إلى استعمال اليدين .
الرابع : ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أن الاقتداء برسول الله - عليه السلام - في أفعاله واجب كهو في أقواله ، وهو أنهم لما رأوا رسول الله - عليه السلام - خلع نعله خلعوا نعالهم ، وقد قال الشيخ جلال الدين في كتابه "المغني " : إن الأمر يتوقف على الصيغة عندنا خلافا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ; حتى لا تكون أفعال النبي - عليه السلام - موجبة لأنه يصح أن يقال : فلان يفعل كذا ويأمر بخلافه ، ولو كان الفعل أمرا لكان هذا تناقضا ، انتهى . [ ص: 441 ] قلت : كأنه بنى على هذا الاختلاف أن أفعال النبي - عليه السلام - غير موجبة .
فإن قيل : يرد عليه أن النبي - عليه السلام - إذا فعل فعلا وواظب عليه من غير تركه مرة ; تكون واجبة مع أنه لم توجد فيه صيغة الأمر .
قلت : يمكن أن يقال : المواظبة أمر زائد على نفس الفعل ، والنزاع ليس فيه ، ثم تحرير الخلاف في هذا الموضع : أنه إذا نقل إلينا فعل من أفعاله - عليه السلام - التي ليست بسهو مثل الزلات ، ولا طبع مثل الأكل والشرب ، ولا من خصائصه مثل وجوب التهجد والضحى ، ولا بيان لمجمل مثل المسح على الناصية ، هل يسعنا أن نقول فيه : أمر النبي - عليه السلام - بكذا ، وهل يجب علينا في ذلك اتباعه أم لا ؟ فعند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في رواية وبعض الشافعية يصح إطلاق الأمر عليه بطريق الحقيقة ، ويجب علينا الاتباع ، وعندنا : لا ، من وجوه ثلاثة :
الأول : يلزم التناقض في قولنا : فلان يفعل كذا ويأمر بخلافه ، على تقدير كون الفعل أمرا والتناقض محال ، وكل تقدير يلزم منه المحال فهو محال .
الثاني : لو كان الأمر حقيقة في الفعل لاطرد في كل فعل ; إذ الاطراد من غير مانع من أمارات الحقيقة ولكنه لم يطرد إذ لا يقال : الآكل أو الشارب آمرا فوجب أن لا يكون حقيقة فيه ; لأن كل مقصود من مقاصد الفعل كالماضي والحال والاستقبال مختصة بصيغ وضعت لها ، والمراد بالأمر من أعظم المقاصد لحصول الابتلاء به فاختصاصه بالعبارة أحق من غيره ، فإذا ثبت أصل الموضوع كان حقيقة ، ولا يكون حقيقة في غيره ، وإلا يلزم الاشتراك ، وهو خلاف الأصل ، ويؤيد هذا كله أنه - عليه السلام - لما خلع نعليه في الصلاة خلع الناس نعالهم ، فقال - عليه السلام - منكرا عليهم بعد فراغه من الصلاة : "ما حملكم على خلع نعالكم ؟ " فلو كان الفعل موجبا وأمرا لصار كأنه أمر بخلع النعال ثم أنكر عليهم وهو باطل ، وفيه نظر ; لأنه - عليه السلام - علل الإنكار في خلع النعال بأن جبريل - عليه السلام - قد أتاه وأخبره بأن في إحداهما قذرا ، فالإنكار وقع لأمر زائد على الاتباع وكيف يجوز الإنكار على نفس الاتباع وقد أمرنا [ ص: 442 ] بالاتباع والتأسي به لقوله تعالى : فاتبعوني ولقوله : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ولقوله : وما آتاكم الرسول فخذوه وفعله مما أتى به .
قلت : الصحيح المختار عند فخر الإسلام وشمس الأئمة ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر الرازي الجصاص : أن ما علمنا من أفعال النبي - عليه السلام - واقعا على صفة من كونها واجبة أو مندوبة أو مباحة علينا اتباعه ، والاقتداء على تلك الصفة ، وما لم نعلم من أفعاله على أي صفة فعلها فلنا متابعته على أدنى منازل أفعاله وهي الإباحة ; لأن الاتباع والاقتداء برسول الله - عليه السلام - هو الأصل لما تلونا ، والله أعلم .