قوله : "أن رجلا " قيل : هو سلمة بن صخر البياضي ، وقيل : سليمان بن صخر .
قوله : "أنه احترق " أي : هلك ، والاحتراق الهلاك ، وهو من إحراق النار ، شبه ما وقع فيه من الجماع في الصوم بالهلاك .
قوله : "وقعت على امرأتي " كناية عن وطئها كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : "أصبت " .
قوله : "بمكتل " المكتل بكسر الميم : الزبيل الكبير ، قيل : إنه يسع خمسة عشر صاعا ، كان فيه كتلا من التمر أي قطعا مجتمعة ، ويجمع على مكاتل ، وفي "الدستور " :
[ ص: 303 ] المكتل : الزنبيل الكبير . وقال القاضي : المكتل والقفة والزبيل واحد ، وسمي زبيلا ; لحمل الزبل فيه ، قال ابن دريد : والزبيل بكسر الزاي ويقال : بفتحها وكلاهما لغتان ، والعرق : بفتح العين والراء ، زبيل منسوج من نسائج الخوص ، وكل شيء مضفور فهو عرق ، وعرقة أيضا بفتح الراء فيهما ، قال القاضي : وسمي عرقا لأنه جمع عرقة وهي الضفيرة الواسعة من الخوص يخاط ويجمع حتى يصير زبيلا ، ومن سماه عرقة فلأنه منها ، ويجمع أيضا على عرقات ، وقد رواه كثير من شيوخنا وغيرهم : عرق بإسكان الراء ، والصواب رواية الجمهور بالفتح ، وقال المنذري : صحح بعضهم سكون الراء ، والفتح أشهر .
ويستنبط منه أحكام :
الأول : استدلت به طائفة على أن الذي جامع امرأته في نهار رمضان لا يجب عليه غير الصدقة على ما يجيء -إن شاء الله تعالى- بيانه .
الثاني : استدل قوم بقوله : "بمكتل يدعى العرق " أن الصدقة مد لكل مسكين ; لأن العرق تقديره عندهم خمسة عشر صاعا ، وهو مفسر في الحديث ، فتأتي قسمته على ستين مسكينا الذي أمره النبي - عليه السلام - بإطعامهم مدا لكل مسكين .
قلت : هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : لا يجزئ أقل من نصف صاع ، ولا يتم استدلالهم بهذا ; لأنه جاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود فأتي بعرق فيه عشرون صاعا ، فلا يستقيم التقسيم حينئذ ، وجاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : "عرقان " ، وهو يدل على صحة قول أصحابنا ; لأن العرق إذا كان خمسة عشر صاعا يكون العرقان ثلاثين صاعا ، وثلاثون صاعا على ستين مسكينا يكون لكل مسكين نصف صاع .
الثالث : قول المجامع امرأته : "احترقت " ، وفي قوله في الحديث الآخر : "هلكت " ، استدل به الجمهور على أن ذلك في العامد لجماعه دون الناسي ، وهو
[ ص: 304 ] مشهور قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وبعض أهل الظاهر وعبد الملك بن الماجشون nindex.php?page=showalam&ids=13056وابن حبيب وأصحابنا ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إلى إيجابها على الناسي والعامد في الجماع ، وحجتهم ترك استفسار النبي - عليه السلام - له ، وأن قوله : "وقعت على امرأتي " ظاهره عموم الوقوع في العمد والجهالة والنسيان ، إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء يلزمونه القضاء ، وغيرهم لا يلزمه .
قلت : التكفير شرع لتمحيص الذنوب ، والناسي غير مذنب ولا آثم فلا يلزمه الكفارة ، ولأن صومه لا يفسد فلا يجب شيء .
الرابع : استدل به الجمهور على وجوب الكفارة على المجامع في نهار رمضان عامدا ، وإن كانوا اختلفوا في كيفية الكفارة ، وقد قال بعضهم : لا كفارة على المجامع أصلا وإن تعمد ، واغتروا في ذلك بقوله - عليه السلام - لما أمره أن يتصدق بالعرق من التمر وشكى الفاقة : "اذهب فأطعمه أهلك " فدل ذلك عندهم على سقوط الكفارة ، ويروى ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير .
والجواب عن ذلك : أن الحديث ليس فيه ما يدل على إسقاط الكفارة جملة ، وأنه محمول على أنه أباح له تأخيرها لوقت يسره لا على أنه أسقطها عنه ، فافهم .
الخامس : استدل به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وداود وأهل الظاهر على مذهبهم في أنه لا يلزم في الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة ; إذ لم يذكر له النبي - عليه السلام - حكم المرأة ، وهو موضع البيان ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وافقهم إلا إذا كفر بالصيام فعليهما جميعا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور : تجب الكفارة على المرأة أيضا إن طاوعته ، قال القاضي : وسوى nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي بين المكرهة والطائعة على مذهبه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في مشهور مذهبه في المكرهة : يكفر عنها بغير الصوم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا شيء عليها ولا عليه لها ، وبهذا قال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ، ولم يختلف مذهبنا في قضاء المكرهة والنائمة إلا ما ذكر ابن القصار عن nindex.php?page=showalam&ids=12425القاضي إسماعيل عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : أنه لا غسل على الموطوءة نائمة ولا مكرهة ولا شيء عليها إلا أن تلتذ .
[ ص: 305 ] قال ابن القصار : فتبين من هذا أنها غير مفطرة ، وقال القاضي : وظاهره أنه لا قضاء على المكرهة إلا أن تلتذ ولا على النائمة ; لأنها كالمحتلمة ، وهو قول أبي ثور في النائمة والمكرهة .
واختلف في وجوب الكفارة على المكره على الوطء لغيره على هذا .
وحكى ابن القصار عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : أنه لا يلزم المكره عن نفسه ولا على من أكره .
وقال صاحب "البدائع " : وأما على المرأة فيجب عليها أيضا الكفارة إذا كانت مطاوعة .
وأما الجواب عن قولهم : إن النبي - عليه السلام - لم يذكر حكم المرأة وهو موضع البيان . أن المرأة لعلها كانت مكرهة أو ناسية لصومها ، أو من يباح لها الفطر ذلك اليوم لعذر المرض أو السفر أو الطهر من الحيض ، فافهم .