فكان ذلك عندنا على أنه جاز عنده أن يكون فيمن استثنى الله -عز وجل - فلم تصبه الصعقة ، ففضل بذلك ، أو صعق فأفاق قبله فكان في منزلته ؟ لأنهما قد صعقا جميعا ، فكره النبي -عليه السلام - لذلك تفضيله عليه لما احتمل تخطي الصعقة إياه .
[ ص: 127 ] ش: أي : وروي عن النبي -عليه السلام - أنه قال : "لا تفضلوني على موسى " ، أشار بهذا إلى أنه -عليه السلام - قد نهى أمته عن التفضيل بين الأنبياء -عليهم السلام - مطلقا ، ونهى أيضا عن تفضيلهم إياه على موسى -عليه السلام - خصوصا ، وجاء كلاهما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
فالأول : رواه nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عنه ، عن النبي -عليه السلام - .
والثاني : رواه nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، عنه ، عن النبي -عليه السلام - .
وكلا الإسنادين صحيح .
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا : عن nindex.php?page=showalam&ids=14274الدارمي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11931أبي اليمان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
قوله : "فإن الناس يصعقون يوم القيامة " الصعق : أن يغشى على الإنسان من صوت شديد يسمعه ، وربما مات منه ، ثم استعمل في الموت كثيرا ، وليس المراد به ها هنا إلا المعنى الأول ; وذلك لأن الناس لا يموتون يوم القيامة ، وإنما يصعقون ، أي يغشى عليهم من شدة الأهوال حتى يصيروا كالموتى ، ثم يفيقون ، للحساب ، فيكون أول من يفيق منهم رسول الله -عليه السلام - ، فيرى موسى -عليه السلام - باطشا بجانب العرش أي متعلقا به بقوة .
[ ص: 128 ] و"البطش " : الأخذ القوي الشديد .
ثم إنه -عليه السلام - أخبر أنه لا يدري أكان موسى -عليه السلام - صعق فيمن كانوا صعقوا ، فأفاق قبله -عليه السلام - أو كان فيمن استثنى الله -عز وجل - من الملائكة ممن لا يصعقون ; وذلك لأجل مجازاته بصعقة الطور كما جاء في رواية nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري .
وها هنا قد نهاهم أن يفضلوا بين الأنبياء كلهم لما ذكرنا من المعنى ، ثم خصص موسى بالذكر قطعا لمادة النزاع وتطييبا لقلب اليهودي ، ثم عمم نفي تفضيل الأنبياء كلهم على يونس بن متى -عليه السلام - ، ولكن هذا له تأويلان :
أحدهما : أن يكون أراد من سواه من الأنبياء دون نفسه .
والثاني : أن يكون ذلك مطلقا فيه وفي غيره من الأنبياء -عليهم السلام - فيكون هذا
[ ص: 129 ] القول على سبيل الهضم من نفسه وإظهار التواضع لربه -عز وجل - حتى قال في رواية أخرى : "لا ينبغي لي أن أقول : أنا خير منه" ; لأن الفضيلة التي بيننا كرامة من الله سبحانه وخصوصية منه لم أنلها من قبل نفسي ، ولا بلغتها بحولي وقوتي ; فليس لي أن أفتخر بها ، وإنما يجب علينا من شأنه و [ما] كان من قلة صبره على أذى قومه فخرج مغاضبا ولم يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ، وبهذا حصل التوفيق أيضا بين قوله -عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=104597 "أنا سيد ولد آدم " ، وقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=890473 "لا ينبغي لعبد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " .
والجواب القاطع الفاصل في هذا الباب : أن الأنبياء كلهم سواء في حق النبوة والرسالة ، ولا نفضل بعضهم على بعض في هذا المعنى ، وإنما التفاضل في زيادات الأحوال والكرامات ، ونفي النبي -عليه السلام - تفضيل نفسه على موسى أو على غيره ، وتفضيل الأنبياء على يونس ونحو ذلك كله يرجع إلى تفضيل في حق النبوة ، وقد يقال : إن هذا كله يحتمل أن يكون قبل أن يوحى إليه بأنه خير الأنبياء وأفضلهم . والله أعلم .