4997 4998 ص: وقالوا: هذا الحديث الذي رويتموه يحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله إذ كان إنما قتل على مال، قد بين ذلك في بعض الحديث.
الثاني: يحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- رأى ذلك واجبا لأولياء الجارية بقتله لهم، ولم يكن ذلك حقا لله تعالى.
الثالث: يحتمل أن يكون -عليه السلام- قتله كما فعل; لأن الذي وجب عليه كان يقتضي ذلك بأن كان نقض العهد ولحق بدار الحرب لقرب محال اليهود من المدينة، فأخذه بعد ذلك فقتله على أنه حربي ناقض للعهد متهم بقتل الصبي; لأنه لا يجوز أن يكون بإيماء الصبية وإشارتها أنه قتلها; لأن ذلك لا يوجب قتل المدعى عليه القتل عند الجميع، فلا محالة قد كان هناك سبب آخر استحق به القتل لم ينقله الراوي على جهته.
الرابع: أن يكون أولياؤها قد اختاروا الرضخ; لكون الواجب سفك دمه بأي ما شاءوا، ففعل رسول الله -عليه السلام- ما فعله لأجل ذلك.
فإذا كان هذا الحديث محتملا هذه الوجوه; لم يكن الاستدلال به في أن يقتل [ ص: 248 ] القاتل بما قتل به صحيحا، والأحسن أن يقال: إنه منسوخ بنسخ المثلة; وذلك لأن النهي عن المثلة مستعمل عند الجميع، والقود على الوجه مختلف فيه، ومتى ورد عنه -عليه السلام- خبران واتفق الناس على استعمال أحدهما واختلفوا في استعمال الآخر; كان المتفق منهما قاضيا على المختلف فيه، خاصا كان أو عاما.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم: عن محمد بن مثنى ومحمد بن بشار، كلاهما عن nindex.php?page=showalam&ids=16936محمد بن جعفر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة .... إلى آخره.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود: عن nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16410ابن إدريس ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن هشام، به نحوه.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي: عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة نحوه.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه: عن nindex.php?page=showalam&ids=15573بندار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر، وعن إسحاق بن منصور المروزي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل، جميعا، عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن هشام نحوه.
قوله: "فأخذ أوضاحا" الأوضاح: جمع وضح، وهو نوع من الحلي يعمل من الفضة، سميت بها لبياضها.
[ ص: 249 ] قوله: "ورضخ رأسها" بالضاد والخاء المعجمتين، من الرضخ وهو الدق والكسر هاهنا، ويجيء بمعنى الشدخ أيضا، وبمعنى العطية.
قوله: "في آخر رمق" الرمق: بقية الروح التي تتردد في الحلق.
قوله: "وقد أصمتت" جملة حالية على صيغة المعلوم، يقال: صمت العليل وأصمت، فهو صامت، ومصمت إذا اعتقل لسانه.
قوله: "أفلان" الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: "أن لا" أي ليس بفلان، و"أن" تفسيرية في الموضعين.
قوله: "فرض رأسه" من الرض وهو الدق الجريش، وقد مر مرة.
فإن قيل: كيف قتل رسول الله -عليه السلام- ذلك اليهودي بلا بينة ولا اعتراف؟
قلت: قد قيل بأن هذا كان في ابتداء الإسلام، وكان يقتل القاتل بقول القتيل.
وقوله: "كان يقتل فيه" وقال هذا المجيب: هذا معنى الحديث، وما جاء من اعتراف اليهودي فإنما جاء من رواية قتادة، ولم ينقله غيره، وهو مما عد عليه.
قلت: وفيه نظر; فإن لفظة الاعتراف أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في "صحيحه" nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي، وفي "صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم": "فأخذ اليهودي فاعترف" وفي لفظ nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري "فلم يزل به حتى أقر".
فإذا كان كذلك لا يرد السؤال المذكور; لأن القتل حينئذ يكون بالاعتراف.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي: أقل ما يؤخذ من هذا الحديث لفظة: "فاعترف فقتل" وفيها الشفاء والبيان أن النبي -عليه السلام- لم يقتل اليهودي بإيماء المدعي، أو بقوله، وقد شغب بعض الناس في هذا حين وجد أكثر الروايات خاليا عن هذه اللفظة، فقال: كيف يجوز أن يقتل أحد بقول المدعي أو بكلامه فضلا عن إيمائه برأسه؟! وأنكروا هذا الحديث، وهذه اللفظة لو لم تكن مروية في هذه القصة لم يكن ضرر; لأن من العلم الشائع المستفيض على لسان الأمة خاصتهم وعامتهم: أنه [ ص: 250 ] لا يستحق دم ولا مال إلا ببينة، وقد روي كثير من الحديث على الاختصار; اعتمادا على أفهام المخاطبين.
قلت: يمكن أن يكون -عليه السلام- قتل بلا بينة ولا اعتراف لسبب موجب لقتله غير إيماء الصبية، قد ظهر عنده ذلك وثبت، كما ذكرناه عن قريب، أو نقول: كان -عليه السلام- قد علمه بالوحي فلذلك قتله.
قلت: لا اختلاف في ذلك في المعنى; لأن الرجم والرضخ والرض كله عبارة عن الضرب بالحجارة، لكن بين قتادة الموضع الذي ضرب عليه، ولم يبينه أبو قلابة، فيؤخذ بالبيان. والله أعلم.