5042 5043 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أن هذا الكلام الذي حكاه nindex.php?page=showalam&ids=9473أبو جحيفة في هذا الحديث عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - لم يكن مفردا، ولو كان مفردا لاحتمل ما قالوا، ولكنه كان موصولا بغيره.
فهذا هو حديث علي - رضي الله عنه - بتمامه، والذي فيه من نفي قتل المؤمن بالكافر هو قوله: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" فاستحال أن يكون معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى; لأنه لو كان معناه على ما ذكروا لكان ذلك لحنا ، من رسول الله -عليه السلام- ورسول الله -عليه السلام- أبعد الناس من ذلك، ولكان لا يقتل [ ص: 340 ] مؤمن بكافر ولا ذي عهد في عهده، فلما لم يكن لفظه كذلك، وإنما هو: ولا ذو عهد في عهده علمنا أن ذا العهد هو المعني بالقصاص; فصار ذلك كقوله: "لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر" . وقد علمنا أن ذا العهد كافر، فدل هذا أن الكافر الذي نسخ النبي -عليه السلام- أن يقتل به المؤمن في هذا الحديث هو الكافر الذي لا عهد له، فهذا مما لا اختلاف فيه بين المسلمين أن المؤمن لا يقتل بالكافر الحربي، وأن ذا العهد الكافر الذي قد صارت له ذمة لا يقتل به أيضا، وقد نجد مثل هذا كثيرا في الكلام، قال الله -عز وجل-: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر فقدم وأخر، فكذلك قوله: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" إنما مراده فيه -والله أعلم- لا يقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر، فقدم وأخر; فالكافر الذي منع - صلى الله عليه وسلم - أن يقتل به المؤمن هو الكافر غير المعاهد.
[ ص: 341 ] فإن قيل: كل واحد من الحديثين كلام مستقل مفيد فيعمل به، فما الحاجة إلى جعلهما واحدا حتى نحتاج إلى هذا التأويل؟
قلت: قد ذكرنا لك أن أصل الحديث واحد، فبتقطيعه لا يزول المعنى الأصلي، ولئن سلمنا أن أصله ليس بواحد، وأن كل واحد حديث برأسه، ولكن الواجب حملهما على أنهما وردا معا; وذلك لأنه لم يثبت أن النبي -عليه السلام- قال ذلك في وقتين: مرة من غير ذكر ذي العهد، ومرة مع ذكر ذي العهد.
أحدهما: أهل الحرب ومن لا عهد بينه وبين النبي -عليه السلام-.
[ ص: 342 ] والآخر: أهل عهد إلى مدة، ولم يكن هناك أهل ذمة فانصرف الكلام إلى الضربين من المشركين، ولم يدخل فيه من لم يكن على أحد هذين الوضعين.
وفحوى هذا الخبر ومضمونه على أن الحكم المذكور في نفي القصاص على الحربي المعاهد دون الذمي; وذلك أنه عطف عليه قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=679163 "ولا ذو عهد في عهده" ومعلوم أن قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=679163 "ولا ذو عهد في عهده" غير مستقل بنفسه في إيجاب الفائدة لو انفرد عما قبله، فهو إذا مفتقر إلى ضمير، وضميره ما تقدم ذكره، ومعلوم أن الكافر الذي هو ذو العهد هو الحربي المستأمن فثبت أن مراده مقصور على الحربي، ولا يجوز أن يجعل الضمير: ولا يقتل ذو عهد في عهده من وجهين:
الأول: أنه لما كان القتل المبدوء بذكره قتلا على وجه القصاص، وكان ذلك القتل بعينه سبيله أن يكون مضمرا في الثاني; لم يجز لنا إثبات الضمير قتلا مطلقا; إذا لم يتقدم على الخطاب ذكر قتل مطلق غير مقيد بصفة، وهو القتل على وجه القود، فوجب أن يكون هو المعني بقوله: "ذو عهد في عهده" فالكافر المذكور بدا ولو أضمرنا قتلا مطلقا كنا مثبتين لضمير لم يجر له ذكر في الخطاب، وهذا لا يجوز، وإذا ثبت ذلك وكان الكافر الذي لا يقتل به ذو العهد هو الكافر الحربي، كان قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=679163 "لا يقتل مؤمن بكافر" في منزلة قوله: لا يقتل مؤمن بكافر حربي، فلم يثبت عن النبي -عليه السلام- نفي قتل المؤمن بالذمي.
والوجه الآخر: أنه معلوم أن ذا العهد يحظر قتله ما دام في عهده، فلو حملنا قوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=679163 "ولا ذو عهد في عهده" على أن لا يقتل ذو عهد في عهده لأخلينا اللفظ عن الفائدة، وحكم كلام النبي -عليه السلام- حمله على مقتضاه في الفائدة، ولا يجوز إلغاؤه ولا إسقاط حكمه.
قوله: "فهذا هو" أشار به إلى ما رواه قيس بن عباد والأشتر .
ثم إنه أخرج حديث عباد بن قيس بإسناد صحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=13857إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد بن مسرهد شيخ nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة السدوسي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، عن قيس بن عباد -بضم العين وتخفيف الباء الموحدة- القيسي البصري، روى له الجماعة سوى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
والأشتر هو مالك بن الحارث النخعي، أدرك الجاهلية، وكان من شيعة nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - قال nindex.php?page=showalam&ids=14765العجلي: كوفي تابعي ثقة.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17072ومسدد، قالا: ثنا يحيى بن سعيد، قال: نا nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة، قال: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، عن قيس بن عباد قال: "انطلقت أنا والأشتر إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه -...." إلى آخره نحوه.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا: عن أبي موسى ، عن يحيى. ... إلى آخره نحوه.
[ ص: 344 ] قوله: "عهد إليك" أي أوصى إليك، كما جاء في حديث آخر: "عهد إلي النبي -عليه السلام-" أي أوصى.
قوله: "يسعى بذمتهم أدناهم" أي إذا أعطى أحد الجيش العدو أمانا صار ذلك على جميع المسلمين، وليس لهم أن يخفروه، ولا أن ينقضوا عليه عهده، وقد أجاز nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - أمان عبد على جميع الجيش.
قوله: "ومن أحدث حدثا" الحدث: الأمر المنكر الذي ليس معتادا ولا معروفا في السنة، قيل: الحدث هاهنا: الإثم، وقيل: هو عام في الجنايات والحدث في الدين.
قوله: "أو آوى محدثا" بضم الميم وسكون الحاء، ويروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيا وآواه وأجاره من خصمه، وحال بينه وبين أن يقتص منه، والفتح: هو الأمر المبتدع نفسه، ويكون معنى الإيواء: الرضا به والصبر عليه; فإنه إذا رضي بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكرها عليه; فقد آواه.
[ ص: 345 ] واستفيد منه أحكام:
فيه: أن المسلمين متساوون في الدماء، حتى إن الشريف يقاد بالوضيع، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل، والحر بالعبد، والرجل بالمرأة.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن لا يقتل المسلم بالكافر; لأن دم الكافر لا يساوي دم المسلم.
قلت: قوله: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم" لا ينفي مكافأة دماء غير المؤمنين من أهل الذمة، والدليل على ذلك: أنه لم يمنع تكافؤ دماء الكفار حتى تقاد بعضهم لبعضهم إذا كانوا ذمة لنا، وكذلك لا يمنع تكافؤ دماء المسلمين وأهل الذمة.
وفيه: أن أحدا من أهل العسكر إذا أمن أهل حصن أو أهل مدينة صح أمانه، سواء كان حرا أو حرة، ولا يصح أمان ذمي; لأنه منهم، إلا شاذا عن مالك: يصح، ولا أمان أسير ولا فاجر منهم; لأنهما مقهوران تحت أيديهم. وعن الشافعية وجه: يصح إذا لم يخف.