صفحة جزء
11617 5242 - (12028) - (3\106) عن أنس، قال اشتكى ابن لأبي طلحة، فخرج أبو طلحة إلى المسجد، فتوفي الغلام، فهيأت أم سليم الميت، وقالت لأهلها: لا يخبرن أحد منكم أبا طلحة بوفاة ابنه. فرجع إلى أهله ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه، قال: ما فعل الغلام؟ قالت: خير ما كان. فقربت إليهم عشاءهم فتعشوا، وخرج القوم، وقامت المرأة إلى ما تقوم إليه المرأة، فلما كان آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة! ألم تر إلى آل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبت كأنهم كرهوا ذاك؟! قال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله - تبارك وتعالى - وإن الله قبضه. فاسترجع، وحمد الله، فلما أصبح، غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: " بارك الله لكما في ليلتكما " .

فحملت بعبد الله،
فولدته ليلا، وكرهت أن تحنكه حتى يحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحملته غدوة ومعي تمرات عجوة، فوجدته يهنأ أباعر له، أو يسمها، [ ص: 108 ] فقلت: يا رسول الله! إن أم سليم ولدت الليلة، فكرهت أن تحنكه حتى يحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: " أمعك شيء " ، قلت: تمرات عجوة. فأخذ بعضهن فمضغهن، ثم جمع بزاقه فأوجره إياه، فجعل يتلمظ، فقال: " حب الأنصار التمر " ، قال: قلت: يا رسول الله! سمه، قال: " هو عبد الله " .



* قوله : " اشتكى ابن لأبي طلحة " : أي: مرض، وهذا الابن هو أبو عمير صاحب النغير، كذا قالوا.

* قوله : " فهيأت " : - بتشديد الياء بعدها همزة - ; أي: فعلت ما يحتاج إليه أمر الميت من الغسل وغيره.

* " ما فعل الغلام؟ " : أي: ما حصل له؟ كأنه فاعل الذي يعرض له من الأحوال.

* " خير ما كان " : - بالنصب - ; أي: حاله خير مما كان; حيث كان في شدة النزع، وقد خلص منه بالموت، وفهم منه أبو طلحة أنه خف مرضه، وهذا من باب المعاريض المباحة عند الحاجة.

* " فقربت " : من التقريب.

* " عشاءهم " : بفتح العين - .

* " إلى ما تقوم إليه المرأة " : أي: من إصلاح نفسها للزوج.

* " ألم تر إلى فلان " : قال النووي: ضربها المثل بالعارية دليل لكمال علمها وفضلها، وعظم إيمانها وطمأنينتها.

* " فلما طلبت " : على بناء المفعول.

* " بعبد الله " : استجاب الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم؟ فإنه جاء من أولاد عبد الله إسحاق وإخوته التسعة صالحين علماء - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - .

* " أن تحنكه " : من التحنيك، وهو أن يمضغ شيء حلو حتى يصير مائعا

[ ص: 109 ] بحيث يبتلع، ثم يفتح فم المولود ويوضع فيه؟ ليدخل شيء منها جوفه.

* " هنء أباعر له " : ضبط - بفتح فسكون - على لفظ المصدر، وآخره همزة، وهو مصدر منصوب مضاف إلى ما بعده، والأباعر: جمع بعير، والظاهر أن تقديره: يهنأ الأباعر له هنئا، وهو أن يطليه بالقطران.

* " أو يسمها " : من الوسم، وفيه جواز وسم الحيوان ليتميز وليعرف، فيرده من وجده.

* " فأوجره " : أي: جعله في فمه.

* " يتلمظ " : أي: يحرك لسانه ليبتلع.

* " حب الأنصار التمر " : قال النووي: روي - بضم الحاء وكسرها، - فالكسر بمعنى المحبوب؟ كالذبح بمعنى المذبوح، وعلى هذا فالباء مرفوعة; أي: محبوب الأنصار التمر، وأما من ضم الحاء، فهو مصدر، وفي الباء على هذا وجهان: النصب، وهو الأشهر بتقدير: انظروا حب الأنصار، والرفع - على أنه مبتدأ حذف خبره; أي: حب الأنصار التمر عادة لهم من صغرهم، و " التمر " على الأول مرفوع، وعلى الوجهين الأخيرين منصوب.

وفي الحديث مناقب لأم سليم - رضي الله تعالى عنها - من عظيم صبرها، وحسن رضاها بقضاء الله، وجزالة عقلها في إخفاء موته على أبيه في أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن، ثم عشته وتعشت، ثم تصنعت له حتى أصابها.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية