قلنا: يا رسول الله، ما لبثه في الأرض؟ قال: " أربعين يوما: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم " قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي هو كسنة، أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: " لا اقدروا له قدره "، قلنا: [ ص: 302 ]
يا رسول الله، فما إسراعه في الأرض؟ قال: " كالغيث استدبرته الريح " .
قال: " فيمر بالحي فيدعوهم، فيستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، وتروح عليهم سارحتهم، وهي أطول ما كانت ذرا، وأمده خواصر، وأسبغه ضروعا، ويمر بالحي فيدعوهم، فيردوا عليه قوله، فتتبعه أموالهم، فيصبحون ممحلين ليس لهم من أموالهم شيء، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل " .
قال: " ويأمر برجل فيقتل، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل إليه، يتهلل وجهه "، قال: " فبينا هو على ذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعا يده على أجنحة ملكين، فيتبعه، فيدركه، فيقتله عند باب لد الشرقي ".
قال: " فبينا هم كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى ابن مريم: إني قد أخرجت عبادا من عبادي، لا يدان لك بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، فيبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم كما قال الله. من كل حدب ينسلون [الأنبياء: 96]، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل عليهم نغفا في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة، فيهبط عيسى وأصحابه، فلا يجدون في الأرض بيتا إلا قد ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله" .
قال ابن جابر: فحدثني عطاء بن يزيد السكسكي ، عن كعب، أو غيره قال: " فتطرحهم بالمهبل "، قال nindex.php?page=showalam&ids=16351ابن جابر، فقلت: يا أبا يزيد، وأين المهبل؟ قال: " مطلع الشمس ".
قال: " ويرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر، ولا وبر أربعين يوما، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك.
قال: فيومئذ يأكل النفر من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، [ ص: 303 ] حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر تكفي الفخذ والشاة من الغنم، تكفي أهل البيت. قال: فبينا هم على ذلك، إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم، فتقبض روح كل مسلم، - أو قال: كل مؤمن - ويبقى شرار الناس، يتهارجون تهارج الحمير، وعليهم، - أو قال: وعليه - تقوم الساعة " .
* قوله : "فخفض فيه ورفع ": المشهور - تخفيف الفاء - في خفض، ورفع، وروي - تشديدها - فيهما على التضعيف والتكثير، والمعنى; أي: بالغ في تقريبه، واستعمل فيه كل فن من خفض ورفع، حتى ظنناه لغاية المبالغة في تقريبه أنه في طائفة من نخل المدينة، وقيل; أي: حقر أمره بأنه أعور، وأهون على الله، وأنه يضمحل أمره، وعظمه بجعل الخوارق بيده، أو خفض صوته بعد تعبه; لكثرة التكلم فيه، ثم رفعه بعد الاستراحة ليبلغ كاملا.
قلت: والمعنيان لا يناسبهما الغاية، والله تعالى أعلم .
* "فسألناه ": - بفتح اللام - ; أي: سأل النبي صلى الله عليه وسلم إيانا ذلك السبب الذي غير وجوهنا.
* "أخوف منه ": أي: من الدجال، هكذا صحح في أصلنا، وهو الصواب .
* "فإن يخرج ": كلمة "إن " شرطية، قاله قبل أن يوحى إليه بوقته، ثم علم بوقته، وأن عيسى يقتله، ويحتمل أنه أراد إعلام الناس بقرب خروجه .
* و"الحجيج ": الغالب بالحجة.
* "فامرؤ": من باب عموم النكرة في الإثبات؟ مثل: علمت نفس [التكوير: 14 ]،، وتمرة خير من جرادة، فلذلك صح وقوعه مبتدأ مع كونه نكرة .
* "قطط ": - بفتحتين - ; أي: شديد جعودة الشعر .
* "طافئة": - بهمز - ; أي: لا نور فيها ، أو بلا همز أي: مرتفعة عن محلها . [ ص: 304 ]
قال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي: روي - بفتح الثاء - على أنه فعل ماض، و - بكسرها - منونا على أنه اسم فاعل، على الأول من العيث، وعلى الثاني من العثي أو العثو، كل ذلك بمعنى الإفساد .
* "يا عباد الله اثبتوا": قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي: هذا من كلام النبي تثبيتا صلى الله عليه وسلما للخلق .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي: اثبتوا; أي: على الإسلام، يحذرهم من فتنته .
* "رمية الغرض": - بفتح عين مهملة وراء - ، وهو الهدف.
في "النهاية": أراد أن بعد ما بين القطعتين يكون بقدر رمية السهم إلى الهدف، وقيل: معناه: وصف الضربة; أي: تصيبه إصابة رمية العرض .
* فيقبل": من الإقبال.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي: إحياء الموتى فتنة عظيمة، لا يدعي النبوة فيمتزج الصادق بالكاذب، وإنما يدعي الربوبية، فكلما ظهر على يديه فإنها فتنة معارضة للدلالة الظاهرة اليقينية .
* "عند المنارة": بفتح الميم - كما في "الصحاح " . [ ص: 306 ]
قال الحافظ ابن كثير: هذا هو الأشهر في موضع نزوله، قال: وقد وجدت منارة في زماننا في سنة إحدى وأربعين وسبع مئة من حجارة بيض، ولعل هذا يكون من دلائل النبوة الظاهرة .
قال السيوطي: هو من الدلائل بلا ريب; فإنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه بجميع ما يحدث بعده ما لم يكن في زمنه، وقد رويت من الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها،، فبلغني عن بعض من لا علم عنده أنه استنكر ذلك، وقال: ما كان التاريخ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى يقول: "على رأس كل مئة سنة"، وإنما حدث التاريخ بعده، فقلت: إنه صلى الله عليه وسلم عالم بجميع ما يحدث، فعلق أمورا كثيرة على ما علم أنه سيحدث بعده، وإن لم يكن موجودا في وقته صلى الله عليه وسلم .
وقال الحافظ ابن كثير: وقد ورد في بعض الأحاديث: أن عيسى - عليه الصلاة والسلام - ينزل ببيت المقدس، وفي رواية: بمعسكر المسلمين، فالله تعالى أعلم .
قال السيوطي: حديث نزول عيسى - عليه الصلاة والسلام - ببيت المقدس عندي أرجح، ولا ينافيه سائر الروايات; لأن بيت المقدس هو شرقي دمشق، وهو معسكر المسلمين إذ ذاك، والأردن اسم الكورة كما في "الصحاح "، وبيت المقدس داخل فيه، فاتفقت الروايات، فإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة بيضاء، فلا بد أن تحدث قبل نزوله .
* "بين مهرودتين ": أي: بين حلتين شبيهتين بالمصبوغ بالهرد، والهرد - بالضم - : عرق معروف، وقيل: الثوب المهرود: الذي يصبغ بالورس، ثم بالزعفران . [ ص: 307 ]
* "فيتبعه ": أي: يتبع الدجال ليقتله .
* "عند باب لد": - بضم اللام وتشديد الدال: اسم جبل أو قرية بالشام .
* "لا يدان ": أي: لا قوة ولا قدرة ولا طاقة، ومعنى التثنية: تضعيف القوة، قاله الطيبي .
وفي "النهاية": المباشرة والدفاع إنما يكون باليد، فكأن يديه معدومتان; لعجزه عن الدفع .