قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به، ونعم المجيء جاء، فأتيت على آدم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي.
ثم أتينا السماء الثانية قيل: من هذا؟ قيل: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد فمثل ذلك، فأتيت على يحيى، وعيسى،، فسلمت عليهما فقالا: مرحبا بك من أخ ونبي. [ ص: 376 ]
ثم أتينا السماء الثالثة، فمثل ذلك، فأتيت على يوسف فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي.
ثم أتينا السماء الرابعة، فمثل ذلك، فأتيت على إدريس، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي.
ثم أتينا السماء الخامسة، فمثل ذلك، فأتيت على هارون فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي.
ثم أتينا السماء السادسة، فمثل ذلك، ثم أتيت على موسى فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من أخ ونبي، فلما جاوزته بكى، قيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب هذا الغلام الذي بعثته بعدي يدخل من أمته الجنة أكثر وأفضل مما يدخل من أمتي.
ثم أتينا السماء السابعة، فمثل ذلك فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه، فقال: مرحبا بك من ابن ونبي، قال: ثم رفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل، فقال هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه آخر ما عليهم.
قال: ثم رفعت لي سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران، فسألت جبريل فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالفرات، والنيل .
قال: ثم فرضت علي خمسون صلاة، فأتيت على موسى، فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت علي خمسون صلاة.
فقال: إني أعلم بالناس منك، إني عالجت بني إسرائيل، أشد المعالجة، وإن أمتك لن يطيقوا ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك، قال: فرجعت إلى ربي فسألته أن يخفف عني، فجعلها أربعين، ثم رجعت إلى موسى فأتيت عليه، فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها أربعين، فقال لي: مثل مقالته الأولى فرجعت إلى ربي، فجعلها ثلاثين، فأتيت موسى فأخبرته، [ ص: 377 ] فقال لي: مثل مقالته الأولى، فرجعت إلى ربي فجعلها عشرين، ثم عشرة، ثم خمسة، فأتيت على موسى، فأخبرته، فقال لي: مثل مقالته الأولى، فقلت: إني أستحيي من ربي من كم أرجع إليه، فنودي: أن قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي، وأجزي بالحسنة عشر أمثالها " .
* قوله : "عند البيت ": أي: الكعبة المشرفة .
* قوله : إذ أقبل أحد الثلاثة ": ظاهر النسخ أن "إذ" بلا ألف، والفعل بعده من الإقبال، والمعنى: أنه جاءه ثلاثة، فأقبل منهم واحد إليه .
* "بين الرجلين ": حال من مقدر، أي: أقبل إلي واحد من الثلاثة، والحال أني كنت بين الرجلين، أي: هو أوسطهم، وقد جاء في رواية: أنهم جاؤوه وهم ثلاثة، وفي رواية: سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، ولا منافاة بين الروايتين، فالوجهان في كلام المصنف صحيحان لفظا ومعنى .
* "من ذهب ": لا شك أنه كان بإذنه تعالى، فهو إذن مباح، بل بأمره، فهو واجب، فمن قال: استعمال الذهب حرام، فسؤاله ليس في محله حتى يحتاج إلى جواب .
* "فشق": على بناء الفاعل; أي: الآتي، أو على بناء المفعول، وكذا قوله: فغسل ثم ملئ" في الوجهين.
* "إلى مراق البطن ": - بفتح الميم وتشديد القاف - : هو ما سفل من البطن ورق من جلده .
* "قيل ": أي: قال أهل السماء الدنيا لجبريل: من هذا الفاتح؟. [ ص: 378 ]
* "ومن معك ": كأنه ظهر لهم ببعض الأمارات أن معه أحدا.
* "وقد أرسل إليه؟ ": أي: الرسول للإسراء لا بالوحي؟ إذ بعيد أن يخفى عليهم أمر نبوته صلى الله عليه وسلم إلى هذه المدة .
* "ونعم المجيء جاء": قيل: فيه تقديم وتأخير وحذف، الأصل: جاء، ونعم المجيء مجيئه، وقيل: بل هو من باب حذف الموصول أو الموصوف، أي: نعم المجيء الذي جاء، أو مجيء جاء .
قلت: بل هو من تنزيل "نعم المجيء" منزلة خير مقدم، كأنه قيل: خير مقدم قدم، ولا بعد في وجود استعمال أغفله النحاة .
* "فأتيت على آدم ": على بناء الفاعل، أي: مررت عليه .
* "فمثل ذلك ": أي: فجرى مثل ذلك، أو ففعلوا مثل ذلك، أو فقالوا مثله .
* "ما أبكاك؟ ": قالوا: لم يكن بكاء موسى - عليه الصلاة والسلام - حسدا على فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم وأمته؟ فإن الحسد مذموم من آحاد المؤمنين، وأيضا منزوع منهم في ذلك العالم، فكيف كليم الله الذي اصطفاه الله تعالى برسالته وكلامه؟ بل كان أسفا على ما فاته من الأجر بسبب قلة اتباع قومه، وكثرة مخالفتهم، وشفقة عليهم; حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمة بمتابعة نبيهم، وقيل: بل أراد بالبكاء تبشير نبينا صلى الله عليه وسلم، وإدخال السرور عليه بأن أتباعه أكثر، ولعل تحصيل هذا الغرض بالبكاء آكد من تحصيله بوجه آخر، ففيه إظهار أنه نال منالا يغبطه مثل موسى، والله تعالى أعلم .
وإطلاق الغلام لم يرد به استقصار شأنه; فإن الغلام قد يطلق ويراد به القوي الطري الشاب، والمراد منه: استقصار مدته، مع استكثار فضائله، واستتمام سواد أمته . [ ص: 379 ]
* "رفع ": على بناء المفعول، أي: قرب إلي.
* "آخر ما عليهم ": أي: ذلك الدخول آخر دخول كتب عليهم، فهو - بالرفع - خبر محذوف، أو لا يعودون آخر أجل كتب عليهم، فهو - بالنصب - ظرف.
* "نبقها": - بفتح فكسر - . -
* "قلال ": - بكسر القاف - : جمع قلة - بالضم - ، وهي الجرة، و"هجر" - بفتحتين - : اسم موضع كان بقرب المدينة .
* "الفيلة": - بكسر فاء وفتح تحتانية - جمع الفيل .
* "باطنان ": عن أبصار الناظرين، وهذا لا يستبعد عن قدرة القادر الحكيم الفاعل لما يشاء .
* "ثم فرضت ": على بناء المفعول، وكأنه تعالى أراد بذلك: تشريف نبيه صلى الله عليه وسلم، وإظهار فضله حتى يخفف عن أمته بمراجعته .
* "ما صنعت ": على بناء الفاعل بالخطاب، والمراد: ما جرى لك؟ ولعل من جملة أسرار هذه القضية رفع التهمة عن جناب موسى، حيث بكى بألطف وجه حيث وفقه الله تعالى من جملة الأنبياء لهذا النصح في حق هذه الأمة، حتى لا يخطر ببال أحد أنه بكى حسدا، فهذا يشبه قضية رفع الحجر ثوبه دفعا للتهمة عنه كما ذكر الله تعالى بقوله: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [الأحزاب: 69]، وبهذا ظهر شرف هذه الأمة; حيث رفع عنهم سبب التهمة قبل وقوعهم فيها، بخلاف بني إسرائيل; فقد رفع عنهم بعد وقوعهم فيها .
* قوله : "لن يطيقوا": كأنه علم ذلك من أنهم أضعف منهم جسدا، وأقل منهم قوة، والعادة أن ما يعجز عنه القوي يعجز عنه الضعيف .