ثم قال: " ألا أدلك على أبواب الخير؟: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم قرأ: تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، حتى بلغ: يعملون [السجدة: 16، 17] ثم قال: " ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ " فقلت: بلى يا رسول الله. قال: " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد " ثم قال: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " فقلت له: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه، فقال: " كف عليك هذا " فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: " ثكلتك أمك يا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم؟ "
* قوله: "يدخلني ": من الإدخال، وهو - بالرفع - صفة العمل، وإسناد الإدخال إلى العمل مجاز، أو - بالجزم - على أنه جزاء شرط محذوف، أي: إن عملته يدخلني الجنة، أو لأنه جواب الأمر؛ لأنه مترتب على فعل العمل المترتب على الإخبار، فرتبه على الإخبار إشارة إلى سرعة الامتثال بعد الاطلاع على حقيقة الحال، وعطف "يباعدني من النار" على "يدخلني الجنة" يفيد أن مراده دخول الجنة من غير سابقة عذاب.
* "عن عظيم ": أي: عن أمر متعسر الحصول؛ لصعوبته على النفوس، إلا على من سهله الله تعالى عليه.
* "تعبد الله ": خبر بمعنى الأمر، أو هو خبر مبتدأ محذوف على تقدير "أن" المصدرية، أو استعمال الفعل موضع المصدر مجازا، أي: هو، أي: ذلك العمل أن تعبد الله.
* "على أبواب الخير": أي: على الأعمال الموصلة إلى الخير. [ ص: 89 ]
* "جنة": أي: ستر عن النار والمعاصي المؤدية إليها.
* "تطفئ": من الإطفاء، فيه تنزيل للخطيئة منزلة النار المؤدية هي إليها.
* "وصلاة الرجل ": مبتدأ حذف خبره، أي: هي مما لا يكتنه كنهها، أو هي مما نزلت فيها الآية المذكورة.
* "برأس الأمر ": أي: بما هو للدين بمنزلة الرأس للرجل.
* "وعموده ": أي: ما يعتمد عليه الدين، وهو له بمنزلة العمود للبيت.
* "وذروة سنامه ": السنام - بالفتح -: ما ارتفع من ظهر الجمل وذروته - بالضم والكسر -: أعلاه، أي: ما هو للدين بمنزلة ذروة السنام للجمل في العلو والارتفاع.
* "بملاك ذلك ": الملاك - بكسر الميم، وفتحها لغة، والرواية الكسر - أي: بما به يملك الإنسان ذلك كله؛ بحيث يسهل عليه جميع ما ذكر.
* "كف": أي: احبس واحفظ.
* "ثكلتك": - بكسر الكاف - أي: فقدتك، وهو دعاء عليه بالموت ظاهرا، والمقصود التعجب عن الغفلة عن مثل هذا الأمر.
* "يكب ": - بفتح الياء وضم الكاف وتشديد الباء -؛ من كبه: إذا صرعه.
* "حصائد ألسنتهم": بمعنى: محصوداتها، على تشبيه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل، فكما أن المنجل يقطع من غير تمييز بين رطب ويابس، وجيد ورديء، كذلك لسان المكثار في الكلام، يتكلم بكل فن من الكلام من غير تمييز بين ما يحسن وما يقبح، والله تعالى أعلم.