* قوله: "إلا أوتوا الجدل": هو استثناء من أعم الأحوال، بتقدير: قد، وذو الحال: فاعل "ما ضل "، لا الضمير المستتر الذي في خبر "كان " كما توهمه الطيبي؛ فإنه فاسد معنى، وإن كان الضمير المذكور راجعا إلى فاعل "ما ضل "، فليفهم.
والمراد بالجدل: الخصام بالباطل؛ وضرب الحق به، وضرب الحق بعضه ببعض بما بدأ التعارض والتدافع والتنافي بينهما، لا المناظرة لطلب الصواب مع تفويض الأمر إلى الله تعالى عند العجز عن معرفة الكنه.
* "ثم تلا": أي: توضيحا لما ذكر بذكر مثال له، لا للاستشهاد به على الحصر المذكور؛ فإنه لا يدل عليه.
(فإن قلت): قريش ما كانوا على الهدى، فلا يصلح ذكرهم مثالا.
قلت: ينزل تمكنهم منه بواسطة البراهين الساطعة منزلة كونهم عليه، فحيث دفعوا بعد ذلك الحق بالباطل، وقدروا الباطل بقولهم: أآلهتنا خير أم هو [الزخرف: 58]، يريدون أنهم يعبدون الملائكة، وهم خير من عيسى، وقد عبده النصارى، فحيث صح لهم عبادته، صح لنا عبادتهم بالأولى، صاروا مثالا لما فيه الكلام، والله تعالى أعلم بالمرام.