قال : فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية ، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ، فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينيه ، وسمع بأذنيه ، فلم يهجه ، حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله !
[ ص: 372 ] إني جئت أهلي عشاء ، فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ، واشتد عليه ، واجتمعت الأنصار ، فقالوا : قد ابتلينا بما قال nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة ، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في المسلمين . فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا ، فقال هلال : يا رسول الله ! إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به ، والله يعلم إني لصادق .
فوالله ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، وكان إذا نزل عليه الوحي ، عرفوا ذلك في تربد جلده ، يعني : فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي ، فنزلت : والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم [النور : 6] ، الآية كلها ، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : "أبشر يا هلال ، قد جعل الله لك فرجا ومخرجا " ، فقال هلال : قد كنت أرجو ذاك من ربي - عز وجل - . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أرسلوا إليها " ، فأرسلوا إليها ، فجاءت ، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ، وذكرهما ، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، فقال هلال : والله يا رسول الله ! لقد صدقت عليها . فقالت : كذب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لاعنوا بينهما " ، فقيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كان في الخامسة ، قيل : يا هلال اتق الله ; فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فقال : لا والله لا يعذبني الله عليها ، كما لم يجلدني عليها فشهد في الخامسة : أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قيل لها : اشهدي أربع شهادات بالله : إنه لمن الكاذبين . فلما كانت الخامسة ، قيل لها : اتق الله ; فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فتلكأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي . فشهدت في الخامسة : أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن
[ ص: 373 ] لا يدعى ولدها لأب ، ولا ترمى هي به ، ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها ، فعليه الحد ، وقضى أن لا بيت لها عليه ، ولا قوت ; من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها ، وقال : "إن جاءت به أصيهب ، أريسح حمش الساقين ، فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الأليتين ، فهو للذي رميت به " ، فجاءت به أورق ، جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لولا الأيمان ، لكان لي ولها شأن " .
قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر ، وكان يدعى لأمه ، وما يدعى لأب .
* قوله : "أهكذا أنزلت " : هذا تعريض منه بأنه حكم شديد ، ولم يرد رده وإنكاره .
* "ما يقول سيدكم " : قيل : في ذكر السيد إشعار بأن الغيرة من عادات السادات .
* "لا تلمه " : من اللوم .
* "لكاعا " : - بفتح اللام والكاف - : يقال ذلك لمن تستحقر من النساء ; أي : المرأة الساقطة الدنية .
* "تفخذها رجل " : كناية عن الجماع .
* قوله : "أن أهيجه " : من هاجه : إذا أثاره .
* "أحد الثلاثة الذين تيب عليهم " : أي : المذكورون في قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا [التوبة : 118] . الآية .
* "فكره " : لكونه قذفا يوجب عليه الحد .
* "إلا أن يضرب " : هكذا في غالب "الأصول " ، و"الترتيب " ، وفي نسخة :
[ ص: 374 ] "الآن يضرب " ، وهو الظاهر ، وكأن معنى "إلا أن يضرب . . . إلخ " : أنه إذا ضرب ، ينقطع الكلام من بين الناس .
* "في تربد جلده " : - براء موحدة ودال مهملة - ; أي : تغيره إلى الغبرة .
* "فسري " : على بناء المفعول - مشددا ومخففا - ; أي : أزيل وكشف .
* "التي توجب عليك العذاب " : أي : إن كنت كاذبا .
* "فتلكأت " : أي : توقفت .
* "والله لا أفضح " : من فضحه ; كمنع ، وكأن هذا قالته في النفس .
* "أن لا بيت لها عليه ولا قوت " : هكذا في أصلنا ، وكذلك في "الترتيب" ; أي : لا سكنى لها عليه ، ولا نفقة ، وهذا هو الموافق لرواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود .
وفي بعض النسخ : "أن لا يثبت لها عليه قوت " .
* "ولا متوفى عنها " : أي : ولا هي متوفى عنها .
* "أصيهب " : تصغير أصهب ، وهو الذي في شعره حمرة يعلوها سواد ، وحمل ها هنا على أن لونه كذلك .
* قوله : "أريسح " : تصغير أرسح - براء وسين وحاء مهملات - ، وهو الخفيف الأليتين ، ويقال له : أرصح - بالصاد بدل السين - .