وعزتك! لا يسمع بها أحد إلا دخلها. فأمر بها فحجبت بالمكاره، قال: ارجع إليها، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها". قال: "فرجع إليها، فإذا هي قد حجبت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزتك! قد خشيت ألا يدخلها أحد. قال: اذهب إلى النار، فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها. فجاءها، فنظر إليها وإلى ما أعد لأهلها فيها، فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع فقال: وعزتك! لا يسمع بها أحد فيدخلها. فأمر بها، فحفت بالشهوات، فرجع إليه، قال: وعزتك! لقد خشيت ألا ينجو منها أحد إلا دخلها.
* قوله : " أرسل جبريل"؛ أي: إلى الجنة كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي.
* "وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها"؛ يريد أن مقتضى ما فيها من اللذة والخير والنعمة ألا يتركها أحد سمع بها في أي نعمة كان، ولا يمنع عنها شيء من النعم، ولا يستغني عنها أحد بغيرها أي شيء كان، والمطلوب: مدحها، ومدح ما أعد فيها، وتعظيمها، وتعظيم ما فيها، وأنها دار لا تساويها دار، وليس المراد الحقيقة حتى يقال: يلزم أن يكون جبريل بهذا الحلف حانثا، ويكون في هذا الخبر كاذبا، وهذا ظاهر، ويحتمل أن المراد: لا يسمع بها أحد إلا دخلها إن بقيت على هذه الحال.
* "فحجبت بالمكاره"؛ أي: جعلت سبل الوصول إليها المكاره والشدائد على الأنفس؛ كالصوم، والزكاة، والحج، والجهاد، ولعل لهذه الأعمال وجودا مثاليا ظهر بها في ذلك العالم، وأحاطت الجنة من كل جانب، وقد جاء الكتاب والسنة بمثله، ومن جملة ذلك قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم [ البقرة : 31] ؛ أي: المسميات على الملائكة [ البقرة : 31] ، ومعلوم أن فيها المعقولات والمعدومات، والله تعالى أعلم.
[ ص: 27 ]
* "ألا يسمع بها أحد فيدخلها"؛ المراد: أنه خشي ألا يتحقق هذا، وهو أن يسمع بها فيدخلها.
وبالجملة؛ فالنفي منصرف إلى الدخول عقب السماع، ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي: "لقد خشيت ألا يدخلها أحد".
* "ألا ينجو منها أحد إلا دخلها"؛ الظاهر أن جملة: "إلا دخلها" حال بتقدير "قد" مستثنى من أعم الأحوال، ولا يخفى أنه لا يتصور النجاة منها إذا دخلها، فالاستثناء من قبيل التعليق بالمستحيل؛ أي: لا ينجو منها أحد في حال إلا حال دخوله فيها، والنجاة منها حال دخوله فيها مستحيل، فصارت النجاة مستحيلة، وقد قيل بمثله في قوله: لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما [ مريم : 62] ، وقوله: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى [ الدخان : 56] .