صفحة جزء
4000 - واحتج محمد بن الحسن في ذلك على أبي حنيفة - رحمه الله - بما حدثنا ابن مرزوق قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج قال : أخبرني محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح ، عن عاصم بن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يتعاقبوا ، فكانوا يرمون غدوة يوم النحر ويدعون ليلة ويوما ، ثم يرمون من الغد .

ففي هذا الحديث أنهم كانوا يرمون غدوة يوم النحر ثم يدعون يوما وليلة ، ثم يرمون الغد .

فقد كانوا يرمون رمي اليوم الثاني في اليوم الثالث ، ولم يكن ذلك بموجب عليهم دما ولا بموجب أن حكم اليوم الثالث في الرمي لليوم الثاني خلاف حكم اليوم الرابع .

ففي ذلك دليل أن من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فذكرها في شيء من أيام التشريق أنه يرمي ولا شيء عليه .

ثم النظر في ذلك يشهد لهذا قول أيضا ، وذلك أنا رأينا أشياء تفعل في الحج الدهر كله وقت لها ؛ منها السعي بين الصفا والمروة ، وطواف الصدر ، ومنها أشياء تفعل في وقت خاص هو وقتها خاصة منها رمي الجمار . فكأنما الدهر وقت له من هذه الأشياء متى فعل فلا شيء على فاعله مع فعله إياه من دم ولا غيره .

وما كان منها له وقت خاص من الدهر إذا لم يفعل في وقته وجب على تاركه الدم .

فكان ما كان منها يفعل لبقاء وقته فلا شيء على فاعله غير فعله إياه ، وما كان منها لا يفعل لعدم وقته وجب مكانه الدم .

وكانت جمرة العقبة إذا رميت من غد يوم النحر قضاء عن رمي يوم النحر ، فقد رميت في يوم هو من وقتها ، ولولا ذلك لما أمر برميها كما لا يؤمر تاركها إلى بعد انقضاء أيام التشريق برميها بعد ذلك .

فلما كان اليوم الثاني من أيام النحر هو وقت لها ، وقد ذكرنا مما قد أجمعوا عليه أن ما فعل في وقته من أمور الحج فلا شيء على فاعله ، وكان كذلك هذا الرامي لها لما رماها في وقتها فلا شيء عليه .

فإن قال قائل : إنما أوجبنا عليه الدم بتركه رميها يوم النحر وفي الليلة التي بعده للإساءة التي كانت منه في ذلك .

قيل له : فقد رأينا تارك طواف الصدر حتى يرجع إلى أهله ، وتارك السعي بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله مسيئين ، وأنت تقول : إنهما إذا رجعا ففعلا ما كانا تركا من ذلك أن إساءتهما لا توجب عليهما دما ؛ لأنهما قد فعلا ما فعلا من ذلك في وقته .

فكذلك الرامي اليوم الثاني من أيام منى جمرة العقبة لما كان وجب عليه في يوم النحر راميا لها في وقتها فلا شيء عليه في ذلك غير رميها .

فهذا هو النظر في هذا الباب ، وهو قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية