صفحة جزء
5044 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن [ ص: 194 ] ابن شهاب ، أنه قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال - حين قتل عمر - : مررت على أبي لؤلؤة ، ومعه هرمزان .

فلما بغتهم ثاروا ، فسقط من بينهم خنجر له رأسان ممسكه في وسطه .

قال : قلت : فانظروا لعله الخنجر الذي قتل به عمر ، فنظروا فإذا هو الخنجر الذي وصف عبد الرحمن .

فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن ومعه السيف حتى دعا الهرمزان ، فلما خرج إليه قال : انطلق ، حتى تنظر إلى فرس لي ، ثم تأخر عنه ، إذا مضى بين يديه علاه بالسيف ، فلما وجد مس السيف قال : ( لا إله إلا الله ) . قال عبيد الله : ودعوت حفينة وكان نصرانيا من نصارى الحيرة ، فلما خرج إلي علوته بالسيف ، فصلت بين عينيه ، ثم انطلق عبيد الله ، فقتل ابنة أبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام .

فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار ، فقال : أشيروا علي في قتل هذا الرجل الذي فتق في الدين ما فتق .

فاجتمع المهاجرون فيه على كلمة واحدة يأمرونه بالشدة عليه ، ويحثون عثمان على قتله ، وكان فوج الناس الأعظم مع عبيد الله يقولون لحفينة والهرمزان : أبعدهما الله ، فكان في ذلك الاختلاف .

ثم قال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الأمر قد أعفاك الله من أن تكون بعدما قد بويعت ، وإنما كان ذلك قبل أن يكون لك على الناس سلطان ، فأعرض عن عبيد الله .

وتفرق الناس عن خطبة عمرو بن العاص ، وودى الرجلين والجارية
.

ففي هذا الحديث أن عبيد الله رضي الله عنه قتل حفينة وهو مشرك ، وضرب الهرمزان وهو كافر ، ثم كان إسلامه بعد ذلك .

فأشار المهاجرون رضوان الله عليهم على عثمان رضي الله عنه بقتل عبيد الله وعلي فيهم .

فمحال أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مؤمن بكافر ، يراد به غير الحربي ثم يشير المهاجرون وفيهم علي على عثمان بقتل عبيد الله بكافر ذي عهد ، ولكن معناه هو على ما ذكرنا من إرادته الكافر الذي لا ذمة له .

فإن قال قائل : ففي هذا الحديث أن عبيد الله رضي الله عنه قتل بنتا لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام ، فيجوز أن يكون إنما استحلوا سفك دم عبيد الله بها لا بحفينة والهرمزان .

[ ص: 195 ] قيل له : في هذا الحديث ما يدل على أنه أراد قتله بحفينة والهرمزان ، وهو قولهم : " أبعدهما الله " .

فمحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد أن يقتله بغيرهما ، ويقول الناس له : ( أبعدهما الله ) ، ثم لا يقول لهم : ( إني لم أرد قتله بهذين ، إنما أردت قتله بالجارية ) ، ولكنه أراد قتله بهما وبالجارية .

ألا تراه يقول : ( فكثر في ذلك الاختلاف ) .

فدل ذلك أن عثمان رضي الله عنه إنما أراد قتله بمن قتل ، وفيهم الهرمزان وحفينة .

فقد ثبت بما ذكرنا ما صح عليه معنى هذا الحديث أن معنى حديثه على الأول على ما وصفنا ، فانتفى أن يكون فيه حجة تدفع أن يقتل المسلم بالذمي .

وقد وافق ذلك أيضا رشده ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان منقطعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية