فهذا حديث متصل الإسناد صحيح ، ما فيه معنى يدل على فتح مكة عنوة ، وينفي أن يكون صلحا ، ويثبت أن الهدنة التي كانت تقدمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش قد كانت انقطعت ، وذهبت قبل ورود رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة .
ألا يرى إلى قول العباس رضي الله عنه : ( واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر ) .
أفترى العباس - على فضل رأيه وعقله - يتوهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرض قريشا وهم منه في أمان وصلح وهدنة ؟
هذا من المحال الذي لا يجوز كونه ولا ينبغي لذي لب أو لذي عقل أو لذي دين أن يتوهم ذلك عليه .
ثم هذا العباس رضي الله عنه قد خاطب أبا سفيان بذلك فقال : ( والله لئن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنك ، والله إنه لهلاك قريش إن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ) .
فلا يدفع أبو سفيان قوله ولا يقول له : ( وما خوفي وخوف قريش من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونحن في أمان منه ؟ ) إنما يقصد بدخوله أن ينتصف خزاعة من بني نفاثة دون قريش وسائر أهل مكة .
ولم يقل له أبو سفيان : ( ولم يضرب عنقي ؟ ) إذ قال له العباس رضي الله تعالى عنه : ( والله لئن ظفر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضربن عنقك ) ، وأنا في أمان منه .
ثم هذا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم - لما رأى أبا سفيان - : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بلا عهد ولا عقد ، فدعني أضرب عنقه .
ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ، إذ كان أبو سفيان - عنده - ليس في أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا في صلح منه .
ثم لم يحاج أبو سفيان عمر رضي الله عنه بذلك ، ولا حاجه عنه العباس رضي الله عنه ، بل قال له العباس رضي الله عنه : ( إني قد أجرته ) .
[ ص: 323 ] فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ، ولا على العباس ما كان منهما من القول الذي ذكرناه عنهما .
فدل ذلك أنه لولا جوار العباس رضي الله عنه ، إذا لما منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فيما أراد من قتل أبي سفيان .
فأي خروج من الصلح منعدم ؟ وأي نقض له يكون أبين من هذا ؟ ثم أبو سفيان لما دخل مكة بعد ذلك نادى بأعلى صوته بما جعله له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ) .
ولم يقل له قريش : وما حاجتنا إلى دخولنا دارك وإلى إغلاقنا أبوابنا ونحن في أمان ، قد أغنانا عن طلب الأمان بغيره ؟
ولكنهم عرفوا خروجهم من الأمان الأول وانتقاض الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم عندما خوطبوا بما خوطبوا به من هذا الكلام غير آمنين إلا أن يفعلوا ما جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم به آمنين أن يفعلوه من دخولهم دار أبي سفيان أو من إغلاقهم أبوابهم .
ثم قد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=94أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وهي دار حرب لا دار أمان .