صفحة جزء
5905 - وروي في ذلك عن عطاء بن أبي رباح ما قد حدثنا ابن مرزوق قال : ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء في رجل رهن رجلا جارية ، فهلكت قال : ( هي بحق المرتهن ) .

[ ص: 104 ] فهذا عطاء يقول بهذا ، وقد روينا عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يغلق الرهن .

فهذا أيضا حجة على مخالفنا إذا كان من أصله أن من روى حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتأويله فيه حجة .

فقد خالف هذا كله في هذا الباب ، وخالف ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن عمر ، وعلي رضي الله عنهما ، وعمن ذكرنا من التابعين رحمة الله عليهم ، فمن إمامه في هذا ؟ أو بمن اقتدى به ؟

ثم النظر في هذا أيضا يدفع ما قال وما ذهب إليه ، إذ جعل الرهن أمانة يضيع بغير شيء .

وقد أجمعوا أن الأمانات لربها أن يأخذها ، وحرام على المرتهن منعه منها .

والرهن مخالف لذلك إذ كان للمرتهن حبسه ومنع مالكه منه حتى يستوفي دينه ، فخرج بذلك حكمه من حكم الأمانات .

ورأينا الأشياء المغصوبة حرام على الغاصبين حبسها ، وحلال للمغصوبين منهم أخذها ، والرهن ليس كذلك ؛ لأن المرتهن حلال له حبس الرهن ، ومنع الراهن منه حتى يستوفي منه دينه .

ورأينا العواري للمستعير الانتفاع بها ، وللمعير أخذها منه متى أحب .

والرهن ليس كذلك ؛ لأن المرتهن حرام عليه استعمال الرهن ، وليس للراهن أخذه منه حتى يوفيه دينه .

فبان حكم الرهن عن حكم الودائع ، والغصوب ، والعواري ، وثبت أن حكمه بخلاف حكم ذلك كله .

وقد أجمعوا أن للمرتهن حبسه حتى يستوفي الدين ، وحلال للراهن أخذه إذا برئ من الدين .

فلما كان حبس الرهن مضمنا بحبس الدين ، وسقوط حبسه مضمنا بسقوط حبس الدين ، كان كذلك أيضا ثبوت الدين مضمنا بثبوت الرهن ، فما كان الرهن ثابتا فالدين ثابت ، ومتى كان الرهن غير ثابت فالدين غير ثابت .

وكذلك رأينا المبيع في قولنا ، وقول هذا المخالف لنا ، للبائع حبسه بالثمن ، ومتى ضاع في يده ضاع بالثمن .

فالنظر على ما اجتمعا عليه نحن وهو ، من هذا أن يكون الرهن كذلك ، وأن يكون ضياعه يبطل الدين كما كان ضياع المبيع يبطل الثمن .

فهذا هو النظر في هذا الباب ، غير أن أبا حنيفة ، وأبا يوسف ، ومحمدا ، رحمة الله عليهم ، ذهبوا في الرهن إلى ما قد رويناه في هذا الباب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وإبراهيم النخعي رحمة الله عليه .

واحتجوا في ذلك بما قد أجمعوا عليه في الغصب ، فقالوا : رأينا الأشياء المغصوبة لا يوجب ضياعها من غصبها أكثر من ضمان قيمتها ، وغصبها حرام .

قالوا : فالأشياء المرهونة التي قد ثبت أنها مضمونة أحرى أن لا يجب بضمانها على من قد ضمنها أكثر من مقدار قيمتها .

وكانوا يذهبون في تفسير قول سعيد بن المسيب : له غنمه وعليه غرمه ، إلى أن ذلك في البيع .

[ ص: 105 ] يريدون إذا بيع الرهن بثمن فيه نقص عن الدين غرم المرتهن ذلك النقص ، وهو غرمه المذكور في الحديث ، وإذا بيع بفضل عن الدين أخذ الراهن ذلك الفضل ، وهو غنمه المذكور في الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية