صفحة جزء
869 - ثم قد روي عن عائشة رضي الله عنها من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، عن [ ص: 141 ] شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود قال : قلت يا أم المؤمنين ، متى توترين ؟ قالت " إذا أذن المؤذن .

قال الأسود : وإنما كانوا يؤذنون بعد الصبح وهذا تأذينهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الأسود إنما كان سماعه عن عائشة رضي الله عنها بالمدينة ، وهي قد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ما روينا عنها ذلك ، فلم تنكر عليهم تركهم التأذين قبل الفجر ، ولا أنكر ذلك غيرها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فدل ذلك أن مراد بلال بأذانه ذلك الفجر ، وأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " إنما هو لإصابة طلوع الفجر .

فلما رويت هذه الآثار على ما ذكرنا ، وكان في حديث حفصة رضي الله عنها أنهم كانوا لا يؤذنون حتى يطلع الفجر ، فإن كان ذلك كذلك ، فقد بطل المعنى الذي ذهب إليه ، أبو يوسف .

وإن كان المعنى على غير ذلك ، وكانوا يؤذنون قبل الفجر على القصد منهم لذلك فإن حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين أن ذلك التأذين كان لغير الصلاة .

وفي تأذين ابن أم مكتوم بعد طلوع الفجر دليل أن ذلك موضع أذان لتلك الصلاة . ولو لم يكن ذلك موضع أذان لها لما أبيح الأذان فيها . فلما أبيح ذلك ثبت أن ذلك الوقت ، وقت للأذان ، واحتمل تقديمهم أذان بلال قبل ذلك ما ذكرنا . ثم اعتبرنا ذلك أيضا من طريق النظر لنستخرج من القولين قولا صحيحا فرأينا سائر الصلوات ، غير الفجر لا يؤذن لها إلا بعد دخول أوقاتها .

واختلفوا في الفجر ، فقال قوم : التأذين لها قبل دخول وقتها . وقال آخرون : بل هو بعد دخول وقتها .

فالنظر على ما وصفنا أن يكون الأذان لها كالأذان لغيرها من الصلوات ، فلما كان ذلك بعد دخول أوقاتها ، كان أيضا في الفجر كذلك . فهذا هو النظر ، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه ، ومحمد وسفيان الثوري .

التالي السابق


الخدمات العلمية