كتاب قتال أهل البغي وأهل الردة باب فيمن يجب قتاله من أهل البغي
( أخبرنا
الربيع بن سليمان ) قال . ( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى قال الله تبارك وتعالى {
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى فذكر الله عز وجل اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان كل واحدة تمتنع أشد الامتناع أو
[ ص: 227 ] أضعف إذا لزمها اسم الامتناع وسماهم الله تعالى المؤمنين وأمر بالإصلاح بينهم فحق على كل أحد دعاء المؤمنين إذا افترقوا وأرادوا القتال أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وبذلك قلت لا يبيت أهل البغي قبل دعائهم لأن على الإمام الدعاء كما أمر الله عز وجل قبل القتال وأمر الله عز وجل بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت لم يكن لأحد قتالها لأن الله عز وجل إنما أذن في قتالها في مدة الامتناع بالبغي إلى أن تفيء .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها وأي حال ترك بها القتال فقد فاء والفيء بالرجوع عن القتال الرجوع عن معصية الله تعالى ذكره إلى طاعته في الكف عما حرم الله عز وجل قال وقال
أبو ذؤيب - يعير نفرا من قومه انهزموا عن رجل من أهله في وقعة فقتل :
لا ينسأ الله منا معشرا شهدوا يوم الأميلح لا غابوا ولا جرحوا عقوا بسهم فلم يشعر به أحد
ثم استفاءوا وقالوا حبذا الوضح
.
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى وأمر الله تعالى إن فاءوا أن يصلح بينهما بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال وإنما ذكر الله تعالى الصلح آخرا كما ذكر الإصلاح بينهم أولا قبل الإذن بقتالهم فأشبه هذا والله تعالى أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم قال وقد يحتمل قول الله عز وجل {
فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل } أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل {
بالعدل } أخذ الحق لبعض الناس من بعض .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين ( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى أخبرنا
مطرف بن مازن عن
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر بن راشد عن
الزهري قال أدركت الفتنة الأولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقتص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه ( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) وهذا كما قال
الزهري عندنا قد كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول وأتلفت فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما علمته اقتص أحد من أحد ولا غرم له مالا أتلفه ولا علمت الناس اختلفوا في أن ما حووا في البغي من مال فوجد بعينه فصاحبه أحق به .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن
الزهري عن
طلحة بن عبد الله بن عوف عن
nindex.php?page=showalam&ids=85سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36996من قتل دون ماله فهو شهيد } .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن للمرء أن يمنع ماله وإذا منعه بالقتال دونه فهو إحلال للقتال والقتال سبب الإتلاف لمن يقاتل في النفس وما دونها قال ولا يحتمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36996من قتل دون ماله فهو شهيد } إلا أن يقاتل دونه ولو ذهب رجل إلى أن يحمل هذا القول على أن يقتل ويؤخذ ماله كان اللفظ في الحديث من قتل وأخذ ماله أو قتل ليؤخذ ماله ولا يقال له ، قتل دون ماله ومن قتل بلا أن يقاتل فلا يشك أحد أنه شهيد .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي )
وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان ، منهم قوم أغروا بعد الإسلام مثل
طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات فإن قال قائل ما دل على ذلك والعامة تقول لهم أهل الردة ؟ ( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) رحمه الله تعالى : فهو لسان عربي فالردة الارتداد عما كانوا عليه بالكفر والارتداد يمنع الحق قال ومن رجع عن شيء جاز أن يقال ارتد عن كذا وقول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر لأبي بكر أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=2081أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا [ ص: 228 ] إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله } في قول
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر هذا من حقها لو منعوني عناقا مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه معرفة منهما معا بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر في قتالهم ولقال
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش
أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم
لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم :
ألا أصبحنا قبل نائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري
أطعنا رسول الله ما كان وسطنا فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر
فإن الذي يسألكمو فمنعتم لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعهم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر
وقالوا
لأبي بكر بعد الإسار ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) وقول
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر لا تفرقوا بين ما جمع الله يعني فيما أرى والله تعالى أعلم أنه مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها ولعل مذهبه فيه أن الله عز وجل يقول {
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } وأن الله تعالى فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضا قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) فسار إليهم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر بنفسه حتى لقي أخا
بني بدر الفزاري فقاتله معه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمضى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معا فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ففي هذا الدليل على أن من منع ما فرض الله عز وجل عليه فلم يقدر الإمام على أخذه منه بامتناعه قاتله وإن أتى القتال على نفسه وفي هذا المعنى كل حق لرجل على رجل منعه قال فإذا امتنع رجل من تأدية حق وجب عليه والسلطان يقدر على أخذه منه أخذه ولم يقتله وذلك أن يقتل فيقتله أو يسرق فيقطعه أو يمنع أداء دين فيباع فيه ماله أو زكاة فتؤخذ منه فإن امتنع دون هذا أو شيء منه بجماعة وكان إذا قيل له أد هذا قال لا أؤديه ولا أبدؤكم بقتال إلا أن تقاتلوني قوتل عليه لأن هذا إنما يقاتل على ما منع من حق لزمه وهكذا من منع الصدقة ممن نسب إلى الردة فقاتلهم
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) ومانع الصدقة ممتنع بحق ناصب دونه فإذا لم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتاله فالباغي يقاتل الإمام العادل في مثل هذا المعنى في أنه لا يعطي الإمام العادل حقا إذا وجب عليه ويمتنع من حكمه ويزيد على مانع الصدقة أن يريد أن يحكم هو على الإمام العادل ويقاتله فيحل قتاله بإرادته قتاله الإمام قال وقد
قاتل أهل الامتناع بالصدقة وقتلوا ثم قهروا فلم يقد منهم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلا هذين متأول أما أهل الامتناع فقالوا قد فرض الله علينا أن نؤديها إلى رسوله كأنهم ذهبوا إلى قول الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم {
خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } وقالوا لا نعلمه يجب علينا أن نؤديها إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما أهل البغي فشهدوا على من بغوا عليه بالضلال ورأوا أن جهاده حق فلم يكن على واحد من الفريقين عند تقضي الحرب قصاص عندنا والله تعالى أعلم . ولو أن رجلا واحدا قتل على التأويل أو جماعة غير ممتنعين ثم كانت لهم بعد ذلك جماعة ممتنعون أو لم تكن كان عليهم القصاص في القتل والجراح وغير ذلك كما يكون على غير المتأولين فقال لي قائل فلم قلت في الطائفة الممتنعة الغاصبة المتأولة تقتل وتصيب المال أزيل عنها القصاص وغرم المال إذا تلف ولو أن
رجلا تأول [ ص: 229 ] فقتل أو أتلف مالا اقتصصت منه وأغرمته المال ؟ فقلت له وجدت الله تبارك وتعالى يقول {
ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=77652وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم مسلم أو قتل نفس بغير نفس } وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=77653من اعتبط مسلما بقتل فهو قود يده } ووجدت الله تعالى قال {
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } فذكر الله عز وجل قتالهم ولم يذكر القصاص بينهما فأثبتنا القصاص بين المسلمين على ما حكم الله عز وجل في القصاص وأزلناه في المتأولين الممتغين ورأينا أن المعنى بالقصاص من المسلمين هو من يكن ممتنعا متأولا فأمضينا الحكمين على ما أمضيا عليه وقلت له :
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه ولي
قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله
ابن ملجم متأولا فأمر بحبسه وقال لولده إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل وقتله
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وفي الناس بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحدا أنكر قتله ولا عابه ولا خالفه في أن يقتل إذ لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها ولم يقد
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر قبله ولي من قتلته الجماعة الممتنع بمثلها على التأويل كما وصفنا ولا على الكفر .
( قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ) والآية تدل على أنه إنما أبيح قتالهم في حال وليس في ذلك إباحة أموالهم ولا شيء منها ، وأما قطاع الطريق ومن قتل على غير تأويل فسواء جماعة كانوا أو وحدانا يقتلون حدا وبالقصاص بحكم الله عز وجل في القتلة وفي المحاربين .