(الثانية) ذكر في الصحاح أن الوجع المرض ، وكذا قال في المحكم الوجع اسم لكل مرض ، وحينئذ فيشكل عطفه عليه بأو وكيف يعطف الشيء على نفسه ، والذي يظهر أن الوجع أعم من المرض فإنه قد يكون عن مرض ، وقد يكون عن غيره كضرب ، ونحوه تقول أوجعني الضرب أي آلمني ، وإن لم ينشأ عن ذلك الألم مرض ، وقد قال في الصحاح بعد ذلك ، والإيجاع الإيلام ، وضرب وجيع أي موجع مثل أليم بمعنى مؤلم ، وقال في المشارق العرب تسمي كل مرض وجعا انتهى .
وهذا لا ينافي ما ذكرته من أن الوجع أعم فغاية ما فيه أن كل أنواع المرض عظم أو خف يسمى وجعا ، وليس فيه أن الوجع لا يطلق على غير المرض ، وآكد من ذلك في موافقة ما قلته قول النووي في الكلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=664691ما رأيت رجلا أشد عليه الوجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلماء الوجع هنا المرض ، والعرب تسمي كل مرض وجعا فقوله الوجع هنا المرض يقتضي أنه [ ص: 238 ] في غير هذا المحل يستعمل بمعنى آخر ، وحينئذ فعطف الوجع على المرض من ذكر العام بعد الخاص فخص المرض بالذكر لشدة الأمر فيه ثم بين أن مطلق الألم ، وإن لم يكن لمرض كذلك .
(الثالثة) ظاهر قوله إلا كان كفارة لذنبه رتب تكفير جميع الذنوب على مطلق المرض والوجع للعموم الذي في قوله لذنبه فإنه مفرد مضاف لكن العلماء لم يقولوا بذلك في الكبائر بل قالوا إن تكفيرها لا يكون إلا بالتوبة ، وطردوا ذلك في سائر المكفرات من الأعمال ، والمشاق ، وأصلهم في ذلك وروده في قوله عليه الصلاة والسلام nindex.php?page=hadith&LINKID=846611الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر فحملوا المطلقات الواردة في التكفير على المقيد ، والقول بتكفير المرض وإن خف ، والوجع وإن خف لجميع الصغائر فيه بعد ، وقد عرفت أن الذي في رواية الصحيحين كفر الله بها عنه ، ولم يذكر تكفير جميع الذنوب بل قوله في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم قص الله بها من خطيئته صريح في تكفير البعض ، وورد في رواية أخرى أن المكفر خطيئة واحدة ، وفي رواية أخرى ضعيفة عشر سيئات فيحمل لفظ الرواية التي رواها المصنف رحمه الله تعالى من طريق الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على أن المرض صالح لتكفير الذنوب فيكفر الله به ما يشاء منها ، وتكون كثرة التكفير ، وقلته باعتبار شدة المرض وخفته ، وقد ورد أن تكفير جميع الذنوب بمرض ثلاثة أيام ، وورد بحمى ليلة ، وكلاهما لم يصح فروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجميه الأوسط ، والصغير عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد ثلاثة أيام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وفي سندهإبراهيم بن الحكم بن أبان ، وهو متروك ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا في كتاب المرض والكفارات عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن رفعه قال إن الله عز وجل ليكفر عن المؤمن خطاياه كلها بحمى ليلة قال nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك هذا من جيد الحديث قلت لكن مرسلات nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن غير محتج بها عند أهل الحديث .
(الرابعة) المراد بتكفير الذنب ستره ، ومحو أثره المترتب عليه من استحقاق العقوبة قال في الصحاح التكفير في المعصية كالإحباط في الثواب أي إن معنى تكفير المعصية محو أثرها المترتب عليها ، وهو العقوبة كما أن معنى إحباط [ ص: 239 ] الطاعة محو أثرها المترتب عليها ، وهو الثواب ، والله أعلم .
(الخامسة) ظاهره ترتب تكفير الذنب على مجرد المرض أو الوجع سواء انضم إليه صبر أم لا ، واعتبر أبو العباس القرطبي في حصول ذلك وجود الصبر فقال لكن هذا كله إذا صبر المصاب ، واحتسب ، وقال ما أمره الله به في قوله الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون فإذا كان كذلك وصل إلى ما وعده الله ، ورسوله من ذلك انتهى .
وهو مطالب بالدليل على ذلك فإن ذكر أحاديث فيها التقييد بالصبر فجوابه أن تلك الأحاديث أكثرها ضعيف ، والذي صح منها فهو مقيد بثواب مخصوص فاعتبر فيها الصبر لحصول ذلك الثواب المخصوص ، ولن تجد حديثا صحيحا رتب فيه مطلق التكفير على مطلق المرض مع اعتبار الصبر في ذلك ، وقد اعتبرت الأحاديث في ذلك فتحرر لي ما ذكرته ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجمه الكبير عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=911639من مات له ولد ذكر أو أنثى سلم أو لم يسلم رضي أو لم يرض صبر أو لم يصبر لم يكن له ثواب إلا الجنة، وإسناده ضعيف ، ويناقش nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي في قوله ما أمره الله به في قوله الذين إذا أصابتهم مصيبة الآية ، وليس في هذه الآية أمر ، والله أعلم .
(السادسة) لم يذكر في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إلا التكفير ، وفي إحدى طريقي nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة ، وهو إما شك من الراوي ، وإما تنويع من النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الناس فالمذنب يحط عنه خطيئة ، ومن لا ذنب له كالأنبياء ، ومن عصمه الله تعالى ترفع له درجة أو باعتبار المصائب فبعضها يترتب عليه حط الخطيئة ، وبعضها يترتب عليه رفع الدرجة ، وفي طريق nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الآخر الجمع بين رفع الدرجة ، وحط الخطيئة ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني كتابة عشر حسنات ، وتكفير عشر سيئات ، ورفع عشر درجات ، والزيادة مقبولة إذا صح سندها ، وذلك يقتضي حصول الأجور على المصائب ، وبهذا قال الجمهور ، وخالف في ذلك طائفة منهم nindex.php?page=showalam&ids=5أبو عبيدة بن الجراح nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود فقالوا إنما يترتب على المصائب التكفير دون الأجر ، روى nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده عن عياض بن غطيف قال nindex.php?page=hadith&LINKID=682443دخلنا على nindex.php?page=showalam&ids=5أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته ، وامرأته قاعدة [ ص: 240 ] عند رأسه فقلت كيف بات أبو عبيدة ؟ قالت ، والله لقد بات بأجر فقال أبو عبيدة ما بت بأجر ، وكان مقبلا بوجهه على الحائط فأقبل على القوم ، وقال ألا تسألوني عما قلت قالوا ما أعجبنا ما قلت نسألك عنه ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ابتلاه الله ببلاء في جسده فهو له حطة ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن أبي معمر الأزدي أن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال ذات يوم ألا إن السقم لا يكتب له أجر فساءنا ذلك ، وكبر علينا فقال ، ولكن تكفر به الخطايا فسرنا ذلك وأعجبنا ، وكان هؤلاء لم يبلغهم الأحاديث المصرحة برفع الدرجات ، وكتب الحسنات ، وقد تقدم ذكر بعضها .
(الثامنة) قوله حتى الشوكة يجوز فيه الجر عطفا على لفظ المرض ، والرفع عطفا على محله فإن من زائدة ، وكذا الوجهان في قوله أو النكبة ، وقد نقل أبو العباس القرطبي الوجهين عن تقييد المحققين إلا أنه قال إن رفع الشوكة على الابتداء لا يجوز عطفا على المحل [ ص: 241 ] لأن ما قبلها ليس له موضع رفع قلت : وفيما ذكره نظر لأن ما قبلها ، وهو المرض في محل رفع على الابتداء فالعطف عليه سائغ لا تقدير فيه بخلاف ما ذكره من الابتداء فإنه يحتاج معه إلى تقدير خبر فهذا الوجه إن جاز فهو مرجوح ، وما ذكرته راجح أو متعين ، والله أعلم .
(التاسعة) النكبة بفتح النون وإسكان الكاف ، وفتح الباء الموحدة قال القاضي ، وتبعه النووي مثل العثرة يعثرها برجله ، وربما جرحت أصبعه ، وأصله من النكب ، وهو القلب والكب ، وقال أبو العباس القرطبي هي العثرة والسقطة ، وقوله ينكبها بضم الياء ، وفتح الكاف مبنيا للمفعول قلت ، وما ذكروه في ذلك ظاهر ، ويحتمل أن يراد بالنكبة هنا المصيبة ، وهو معناها المشهور فيكون قد ذكر أمرا حسيا ، وهو الشوكة ، وأمرا معنويا ، وهو المصيبة لكن النكبة بمعنى المصيبة ليست داخلة فيما تقدم ذكره ، وهو المرض ، والوجع وشرط المعطوف بحتى أن يكون داخلا فيما سبق ، ولهذا ضبط العطف بها بأنها تدخل حيث يصح دخول الاستثناء ، ويمتنع حيث يمتنع إلا أن يحمل الوجع على الأمر المعنوي فيدخل فيه النكبة لكن يبقى فيه نظر من جهة أخرى ، وهي أن المعطوف بحتى لا يكون إلا غاية لما قبلها إما في زيادة نحو مات الناس حتى الأنبياء أو في نقص نحو زارك الناس حتى الحجامون ، والذي يقتضيه السياق هنا أن تكون غاية في النقص لأن المعنى أن الوجع وإن خف وهان أمره مكفر ، ومتى حمل الوجع على مدلوله المعنوي لم تكن النكبة بمعنى المصيبة غاية له في النقص فظهر بذلك حمل النكبة على العثرة كما تقدم ، والشوكة والعثرة غايتان للوجع فإنه قد لا ينشأ عنهما مرض ، والله أعلم .
(العاشرة) فيه بشارة عظيمة للمؤمنين فإنه قل أن ينفك الواحد منهم عن مرض أو وجع ، وإن خف في غالب أوقاته .