(الثانية) قال في الصحاح : مادهم يميدهم لغة في مارهم من الميرة ومنه المائدة وهي خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان .
قال أبو عبيدة : مائدة فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية بمعنى مرضية وقال في المحكم المائدة الطعام نفسه وإن لم يكن هناك خوان وقيل هي نفس الخوان قال الفارسي لا تسمى مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان انتهى .
وهذا الحديث يرد تفسير المائدة بالطعام نفسه .
(الثالثة) في هذه الرواية أن هدية nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان كانت رطبا وفي رواية أخرى أنها تمر رواها nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجمه الكبير من حديث nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان من طريقين في إحداهما ضعيف وفي الأخرى مجهول وفي رواية أخرى عن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان أيضا فاحتطبت حطبا فبعته فصنعت طعاما فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار في مسنديهما بإسناد جيد وفي رواية عنه فاشتريت لحم جذور بدرهم ثم طبخته فجعلت قصعة من ثريد فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بإسناد جيد ولعل الهدية كانت [ ص: 38 ] طعاما ورطبا فالإسناد بها صحيح وأما رواية التمر فضعيفة كما تقدم .
(الرابعة) ظاهر هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر له nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان أنها صدقة لم يأكلها هو ولا أصحابه لكن المعروف أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل رواه الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في معجمه وغيرهما من طرق عديدة وهو أصح ويحتمل أن يكون قوله ارفعها أي عني لا مطلقا .
(الخامسة) هذا الذي في هذه الرواية من أنه جاءه بصدقة مرتين تقدم أنه ليس في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي في الشمائل من هذا الوجه ولا رأيته في شيء من الروايات ، فإن صح فكأنه قصد بتكرير ذلك أن يتأكد عنده العلم بأنه لا يأكل الصدقة ولم يحتج إلى تكرير الهدية ؛ لأن الذي من خصائصه الامتناع من أكل الصدقة أما أكل الهدية فمشترك بينه وبين غيره وإنما يحرم قبول الهدية لعارض والله أعلم .
(السادسة) فيه تحريم صدقة التطوع على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح المشهور المنصور ، وقد تقدم ذكره في الحديث الذي قبله ، ومن يقول بإباحتها له يقول لا يلزم من امتناعه من أكلها تحريم وكذا قوله إنا لا نأكل الصدقة ليس فيه ما يدل على تحريم ذلك فلعله يترك ذلك تنزها عنه مع إباحته له ، وهذا خلاف ظاهر الحديث وعلى كل حال ففيه أن من خصائصه عليه الصلاة والسلام الامتناع عن أكل الصدقة إما وجوبا وإما تنزها .
(السابعة) فيه الفرق بين الصدقة والهدية وأنهما حقيقتان متغايرتان ، وقد ذكر أصحابنا الشافعية في الفرق بينهما أنه يعتبر في الهدية حملها إلى مكان المهداة له إعظاما له وإكراما وأنه يعتبر في الصدقة تمليك المحتاج تقربا إلى الله تعالى وطلبا لثواب الآخرة مع اشتراكهما في أن كلا منهما تمليك بلا عوض ، وقد اعترض بعض شيوخنا تقييد الصدقة بالاحتياج وقال : إن الإعطاء بقصد التقرب صدقة سواء كان لغني أو فقير كما هو مقرر في موضعه ؛ وصرح النووي في شرح المهذب بنفي الخلاف في ذلك وبحصول الثواب في إعطاء الغني ، ولك أن تقول كيف تتحقق المنافاة بينهما مع إمكان اجتماع الأمرين أعني حملها إلى مكان المهداة له على سبيل التعظيم له والإكرام ، وكون الإعطاء بقصد التقرب إلى الله تعالى لا لاستمالة ذلك المعطى بل هذا [ ص: 39 ] أبلغ في التقرب إلى الله تعالى وهو تهيئة العطية للفقير وإراحته من التعب والحمل وأبعد عن كسر نفسه بمجيئه إلى باب المتصدق فيتهنأ وينحفظ عليه صوته ، وقد يقال هما أمران متنافيان فإنه إذا كان القصد التقرب إلى الله تعالى فلا نظر إلى خصوصية شخص بعينه حتى يعظم ويكرم بل القصد إرفاق المتصدق عليه كائنا من كان وفي تعظيم المهدى له ما ينافي قصد التقرب بإعطائه وهو النظر إلى خصوصيته فلا يجتمع قصد التقرب مع النظر إلى شخص بخصوصه ، فإن اجتمعا كان من باب التشريك في العبادة ويبقى النظر والحكم للداعية القوية التي هي بحيث لو فقدت لم توجد تلك العطية ، فإن قلت ففي الحديث كل معروف صدقة رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في معجمه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=115بلال ، وهذا يقتضي صدق اسم الصدقة على مطلق العطية ، قلت لم يرد بالصدقة هنا مدلولها الأصلي الذي هو الإعطاء بقصد التقرب إلى الله تعالى وإنما استعمل الصدقة في مطلق العطية على سبيل المجاز والله أعلم .
(الثامنة) فيه حجة لما يقوله الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن العبرة في العطاء بنية الدافع فمن عليه دينان بأحدهما رهن فدفع ما يؤدي أحدهما وقال أردت الدفع عن الدين الذي به الرهن لينفك وقال الآخذ إنما أخذته عن الذي لا رهن به فالقول قول الدافع ، وكذا لو قال أردت الدفع عن دينك علي وقال الآخذ إنما أخذته تبرعا ووجه الدليل أنه عليه الصلاة والسلام سأل nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان عن نيته فيما أحضره ورتب الحكم على ذلك من غير نظر للآخذ وهو استدلال واضح .
(التاسعة) فيه أنه لا يشترط في كل من الهدية والصدقة الإيجاب والقبول باللفظ بل يكفي القبض وتملك به فإن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان رضي الله عنه اقتصر على مجرد وضعه والنبي صلى الله عليه وسلم إنما سأله ليتميز له الهدية المباحة عن الصدقة المحرمة عليه ولم يوجد من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ في قبول الهدية ، وهذا هو الصحيح الذي عليه قرار مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وقطع به غير واحد من الشافعية واحتجوا بهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي فيها حمل الهدايا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبلها ولا لفظ هناك قالوا وعلى هذا جرى الناس في الأعصار ولذلك كانوا يبعثون بها على أيدي الصبيان الذين لا عبارة [ ص: 40 ] لهم وفي المسألة وجه لبعض أصحابنا أنه يشترط فيها الإيجاب والقبول كالبيع والهبة والوصية وهو ظاهر كلام الشيخ أبي حامد والمتلقين عنه .
(الثانية عشرة) قوله فوضعه بين يديه يحمله مشكل الظاهر ؛ لأن الحمل غير الوضع فكيف يكون الحمل حالا من الوضع فيحتمل أن يقال إن في الكلام تقديما وتأخيرا وأصله فجاء من الغد بمثله يحمله فوضعه بين يديه ، ويحتمل أنه لما وضعه بين يديه لم يجعل استقراره على الأرض بل صار مع ذلك حاملا له مستوفزا به فإنه متوقع رده كما فعل في المرتين الأوليين ، ويحتمل أن يكون هذا زيادة في تأكيد كونه هدية لحصول المبالغة في الإكرام باستمرار صورة الحمل له مع وضعه على الأرض والله أعلم .
(الثالثة عشرة) قوله انشطوا بإسكان النون وفتح الشين المعجمة فعل أمر من النشاط والمراد الأمر بالنشاط للأكل معه وكل ما خف المرء لفعله ومال إليه وآثره فقد نشط له وكانت هذه الهدية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه خصه بها وقال هدية لك بخلاف الصدقة التي أحضرها في اليومين الأوليين فإنه قال فيها صدقة عليك وعلى أصحابك ففيه أنه يستحب للمهدى له أن يطعم الحاضرين مما أهدي له وذلك حسن معدود من مكارم الأخلاق .
(الرابعة عشرة) وفيه قبول هدية الكافر فإن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان رضي الله عنه لم يكن أسلم إذ ذاك وإنما أسلم بعد استيعاب العلامات الثلاث التي كان علمها من علامات النبوة وهي امتناعه من الصدقة ، وأكله للهدية وخاتم النبوة وإنما رأى خاتم النبوة بعد قبول هديته .
(الخامسة عشرة) الخاتم فيه لغتان فتح التاء وكسرها ، وقد ذكر في هذه الرواية أنه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين محله من ظهره وفي سائر الأحاديث أنه بين كتفيه .
وقد اختلفت الأحاديث في صفته ، وقدره ففي حديث nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد أنه مثل ذر الحجلة وهو في [ ص: 41 ] الصحيحين .
وفي حديث nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة كأنه بيضة حمام رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم
وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي كأنه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة .
والمراد بالجمع بضم الجيم جمع الكف أو الأصابع وقال أبو الربيع سليمان بن سبع في شفاء الصدور هو شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها عرف فرس بمنكبه الأيمن وفي حديث أبي رمثة مثل الطلعة وفي رواية عنه مثل التفاحة وفي الشمائل nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري بضعة ناشزة .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما مثل البندقة من لحم عليه مكتوب محمد رسول الله رواه ابن عساكر ، وعن ابن هشام تشبيهه بالمحجم وشبهه بعضهم بركبة العنز وقيل في تشبيهه غير ذلك .
فبين في هذا الحديث متى وضع وكيف وضع ومن وضعه ، وذكر عبد الكريم الحلبي في شرح السيرة رواية فيها وأقبل الثالث وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ووجد برده زمانا .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي أيضا قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : " الخاتم هذا شق الملكين بين كتفيه " قال nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي وهذه غفلة فإن الشق إنما كان في الصدر وأثره إنما كان خطا واضحا في صدره إلى مراق بطنه كما هو منصوص عليه في كتابي nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ولم يثبت قط في رواية صحيحة ولا حسنة ولا غريبة أنه بلغ بالشق حتى نفذ إلى ظهره .
ولو كان كذلك لزم أن [ ص: 42 ] يكون مستطيلا من بين كتفيه إلى أسفل من ذلك ؛ لأنه الذي يحاذي الصدر من مسربته إلى مراق بطنه ولعل هذا وقع غلطا من بعض الناسخين لكتابه انتهى . وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر : قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفمي فكان يتم علي مسكا .
وفي معجم nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذهب فاشتر نفسك قال فانطلقت إلى صاحبي فقلت [ ص: 43 ] بعني نفسي ، فقال : نعم على أن تنبت لي مائة نخلة فإذا أنبتت جئتني بوزن نواة من ذهب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشتر نفسك بالذي سألك وأتني بدلو من ماء البئر التي كنت تسقي منها ذلك النخل ، قال فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سقيتها فوالله لقد غرست مائة نخلة فما منها نخلة إلا نبتت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن النخل قد نبتت فأعطاني قطعة من ذهب فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ووضع في الجانب الآخر نواة قال فوالله ما استقلت القطعة من الذهب من الأرض قال وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأعتقني .
وفي معجم nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال : اشترطت لهم أنك عبد فاشتر نفسك منهم فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحيي لهم ثلثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهب ثم هو حر فيحمل قوله في رواية المصنف فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مضاء أمره بشرائه نفسه إما بكتابة أو غيرها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم معنى مشتريا لأمره بالشراء ويدل لذلك الرواية الأخيرة التي سقناها من معجم nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني فإنه جمع فيها بين قوله اشتر نفسك وبين قوله فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(السابعة عشرة) فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم .