(الأولى) حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا [ ص: 30 ] أخرجه الأئمة الستة من طرق nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من رواية nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17257همام nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين وعجلان nindex.php?page=showalam&ids=13948، والترمذي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17257همام nindex.php?page=showalam&ids=15397، والنسائي من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17257همام nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين وأبي السائب مولى هشام nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من رواية عجلان خمستهم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
(الثانية) في اختلاف ألفاظه ففي بعضها ، ثم يتوضأ منه أو يغتسل منه وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=688374لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه ، وهي مخالفة لرواية nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17257همام وفي رواية ولا يغتسل فيه من الجنابة وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13933للبيهقي ، ثم يتوضأ منه أو يشرب منه ، وفي رواية : الدائم أو الراكد nindex.php?page=showalam&ids=17080ولمسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر الراكد nindex.php?page=showalam&ids=13478ولابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الناقع ولا تعارض في هذا الاختلاف ، وإن اختلف معنى الوضوء ، والغسل ، والشرب فقد صح الكل ومحمله أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الثلاثة فأدى بعضهم واحدا وأدى بعضهم اثنين على ما حفظ كل واحد من الرواة .
وقال الحافظ عبد الكريم : هذا الاختلاف يدل على أنها أحاديث متعددة لأن الاغتسال ، والوضوء مما يمكن السؤال عنه ، وهي مختلفة المعنى ، وأنها لو كانت حديثا واحدا لكان مختلف اللفظ ، والمعنى واحد انتهى ، وما ذكرناه من الجمع ممكن من غير تعارض .
(الثالثة) الدائم بالدال المهملة من قولهم دام بالمكان أي أقام به ، وهو الراكد ، والناقع كما تقدم وقوله بعده (الذي لا يجري) هل هو على سبيل الإيضاح ، والبيان أم له معنى آخر ؟ وبالأول جزم ابن دقيق العيد وبه صدر النووي كلامه ، ثم قال : ويحتمل أنه احترز به عن راكد لا يجري بعضه كالبرك ونحوها هكذا في النسخ الصحيحة من شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ولعله عن راكد يجري بعضه أي فليس بمحل النهي ، فأما الراكد الذي لا يجري بعضه ، فإنه لا يحترز عنه ؛ لأنه في حكم الراكد والله أعلم .
قال صاحب المفهم : ولم يروه أحد بالجزم ولا تخيله فيه أي قوله ، ثم يضاجعها .
وأما يغتسل فحكى النووي عن العلامة أبي عبد الله بن مالك أنه يجوز أيضا جزمه عطفا [ ص: 31 ] على موضع يبولن ونصبه بإضمار " أن " وإعطاء " ثم " حكم واو الجمع قال النووي : فأما الجزم فظاهر ، وأما النصب فلا يجوز ؛ لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما .
قال : وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهي عنه قال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام : إن هذا التعليل الذي علل به امتناع النصب ضعيف ؛ لأنه ليس فيه أكثر من أن هذا الحديث لا يتناول النهي عن البول في الماء الراكد بمفرده وليس يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة بلفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع من هذا الحديث ويؤخذ النهي عن الإفراد من حديث آخر انتهى وقال أبو العباس القرطبي : لا يجوز النصب إذ لا ينصب بإضمار أن بعد ثم ، وقال أيضا : إن الجزم ليس بشيء إذ لو أراد ذلك لقال : ثم لا يغتسلن ؛ لأنه إذ ذاك يكون عطف فعل على فعل لا عطف جملة على جملة .
وحينئذ يكون الأصل مساواة الفعلين في النهي عنهما وتأكيدهما بالنون الشديدة ، فإن المحل الذي توارد عليه هو شيء واحد ، وهو الماء فعدوله عن ، ثم لا يغتسلن إلى ، ثم يغتسل دليل على أنه لم يرد للعطف ، وإنما جاء ثم يغتسل على التنبيه على مآل الحال ومعناه أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فيمتنع عليه استعماله لما أوقع فيه من البول .
وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام نحو ذلك في تضعيف الجزم أيضا (قلت) لا يلزم في عطف النهي على النهي ورود التأكيد فيهما معا كما هو معروف في العربية وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ولا يغتسل فيه من الجنابة فأتى بأداة النهي ولم يؤكده والله أعلم .
(الخامسة) وقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17257همام ، ثم يغتسل منه بالميم ، والنون وهكذا هو عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في رواية nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، ثم يغتسل فيه بالفاء ، والمثناة من تحت قال ابن دقيق العيد : ومعناهما مختلف يفيد كل واحد منهما حكما بطريق النص وآخر بطريق الاستنباط ، ولو لم يرد لاستويا لما ذكرناه .
(السادسة) إذا جعلنا قوله : ثم يغتسل منه نهيا على أحد القولين فيكون فيه النهي عن شيئين ، والنهي عن الشيئين قد يكون نهيا عن الجمع ، وقد يكون نهيا عن الجميع فالأول لا يقتضي النهي عن كل فرد وحده ، والثاني يقتضي النهي عن كل فرد ويدل على الثاني رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة .
(السابعة) احتج به الحنفية في تنجيس الماء الراكد بحلول النجاسة فيه ، وإن كان أكثر من قلتين ، فإن الصيغة صيغة عموم وأجاب أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عنه بأن هذا الحديث يتعذر العمل بعمومه إجماعا ؛ لأن الماء الدائم الكثير المستبحر لا تؤثر فيه النجاسة اتفاقا منا ومنكم ، وإذا بطل عمومه وتطرق إليه التخصيص خصصناه بحديث القلتين فيحمل عمومه على ما دون القلتين جمعا بين الحديثين ، فإن حديث القلتين يقتضي عدم تنجيس القلتين فما فوقهما ، وذلك أخص من مقتضى الحديث العام الذي ذكرناه ، والخاص مقدم على العام .
(الثامنة) فيه حجة للقول القديم nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي أن الماء الجاري ، وإن كان قليلا لا تؤثر فيه النجاسة إلا إذا غيرته ، فإنه ينجس إجماعا ، فأما إذا لم يتغير فمفهوم الحديث إخراجه عن الماء الدائم في أنه ليس منهيا عن البول فيه ولا عن الاغتسال منه ، وهو مفهوم صفة ، وهو حجة على الصحيح في الأصول وحكى nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي عن طائفة من الأصحاب اختيار القول القديم وأشار إلى أنه اختيار nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وخصص جمهور أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مفهوم هذا الحديث بمفهوم حديث القلتين ، فإن مفهومه تأثير النجاسة فيما دونها جاريا كان أو راكدا والله أعلم .
(التاسعة) احتج به nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على أن بول الآدمي ، وما في معناه من العذرة ينجس الماء الراكد ، وإن كان أكثر من قلتين ، وإن غير ذلك من النجاسات يعتبر فيه القلتين فلم نعد حكم البول ، والعذرة إلى غيرهما من النجاسات ، وفي كلام بعض الشراح عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد تقييد العذرة بالمائعة ، وكأنها هي التي عنده في معنى البول دون الجامدة إذ لا امتناع في الماء .
قال ابن دقيق العيد : وكأنه رأى الخبث المذكور في حديث القلتين عاما بالنسبة إلى الأنجاس ، وهذا الحديث خاص بالنسبة إلى بول الآدمي فقدم الخاص على العام بالنسبة إلى النجاسات الواقعة في الماء الكثير وأخرج بول الآدمي ، وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلتين بخصوصه فتنجس الماء دون غيره من النجاسات ، ثم قال : ولمخالفهم أن يقول قد علمنا جزما أن هذا النهي جزما إنما هو لمعنى النجاسة [ ص: 33 ] وعدم التقرب إلى الله تعالى بما خالطها .
وهذا المعنى يستوي فيه سائر الأنجاس فلا يتجه تخصيص بول الآدمي منها بالنسبة إلى هذا المعنى إلى أن قال : فيحمل الحديث على أن ذكر البول ورد تنبيها على غيره مما يشاركه في معناه من الاستقذار ، والوقوف على مجرد الظاهر ههنا مع وضوح المعنى وشموله لسائر الأنجاس ظاهرية محضة .
قال ابن دقيق العيد : وهذا يلتفت على حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين ، وهي مسألة أصولية قال ، وقد يقال على هذا : إن حالة التغير مأخوذة من غير هذا اللفظ فلا يلزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين قال ، وهذا متجه إلا أنه يلزم منه التخصيص في هذا الحديث ، فإن جعلنا النهي للتحريم كان استعماله في الكراهة ، والتحريم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه ، والأكثرون على منعه انتهى وأجاب صاحب المفهم عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بأنه وإن كان مشهور مذهبه أنه طهور ، فإنه يصح أن يحمل هذا الحديث على سد الذريعة ؛ لأنه ربما أدى إلى تغيره فنهى عن ذلك .
(الحادية عشر) استدل به بعض الحنفية على أن الماء المستعمل نجس ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أو رواية عنه ، فإنه قرن فيه بين البول فيه ، والاغتسال منه ، والبول ينجسه فكذلك الاغتسال ، ورده الجمهور بوجهين أحدهما أن دلالة الاقتران ضعيفة قال بها nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني وخالفهما غيرهما من الفقهاء ، والأصوليين ومما يرد عليهما قوله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده فلا يلزم من اقتران الأكل بإيتاء الزكاة وجوب الأكل والله أعلم .
والوجه الثاني أنا ولو سلمنا دلالة الاقتران فلا يلزم من ذلك القول بنجاسته بل يحصل ذلك باشتراكهما في كون كل منهما لا يتطهر به بعد ذلك أما كون الامتناع في كل منهما للنجاسة فغير لازم بل الأول لتنجسه به ، والثاني لاستعماله وهكذا قال [ ص: 34 ] nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي إن نهيه عن الاغتسال فيه يدل على أنه يسلبه حكمه كالبول فيه يسلبه حكمه إلا أن الاغتسال فيه لا ينجسه ، والبول ينجسه لنجاسته في نفسه والله أعلم .
(الثانية عشر) استدل به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، والجمهور على أن الماء المستعمل مسلوب الطهورية فلا يتطهر به مرة أخرى ، ولولا أن الاغتسال فيه يخرجه عن كونه يغتسل به مرة أخرى لما نهى عنه ، وهذا الاستدلال إنما يجعل على القول بأن قوله ، ثم يغتسل مجزوم على النهي ، فإن قيل : ولو جعلناه نهيا ، فإنما النهي بعد تقدم البول فيه فلا يلزم النهي عن الاغتسال فيه من غير تقدم بول قلنا أما على رواية الأصل فنعم .
(الثالثة عشر) النهي عن الاغتسال في الماء الراكد ليس على إطلاقه اتفاقا ، فإن الماء المستبحر الكثير كالبحر الملح لا يتناوله النهي اتفاقا ، وكذلك ما هو أكثر من القلتين عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن وافقه فهو مخصوص بحديث القلتين كما ذكرنا في النجاسة لكنه يكره الاغتسال فيه .
وإن كان كثيرا فقد نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي فقال فيه وسواء قليل الراكد وكثيره أكره الاغتسال فيه قال النووي ، وكذا صرح أصحابنا وغيرهم بمعناه قال ، وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم .
(الرابعة عشر) إذا تقرر أن البول أو الاغتسال في الماء الراكد ليس على عمومه فيفترق الحكم فيه بسبب قلته وكثرته قال nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب بن أبي صفرة : النهي عن البول في الماء الراكد مردود إلى الأصول ، فإن كان الماء كثيرا فالنهي عن ذلك على وجه التنزه ، وإن كان قليلا فالنهي على الوجوب وقال النووي ، وهذا النهي في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة ويؤخذ ذلك من حكم المسألة ، فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه .
وإن كان قليلا جاريا فقد قال جماعة من أصحابنا يكره ، والمختار أنه يحرم ؛ لأنه يقدره وتنجسه على المشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره ويغر غيره فيستعمله مع أنه نجس ، وإن كان الماء كثيرا راكدا فقال أصحابنا يكره ولا [ ص: 35 ] يحرم ، ولو قيل يحرم لم يكن بعيدا ، فإن النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحققين ، والأكثرين من أهل الأصول .
وفيه من المعنى أنه يقدره وربما أدى إلى تنجيسه بالإجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك طرفه بتحريك الطرف الآخر ينجس بوقوع نجاسة فيه .
وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه ، والصواب المختار أنه يحرم البول فيه ؛ لأنه ينجسه ويتلف مائيته ويغر غيره باستعماله والله أعلم .
وقوله في الجاري القليل : إن البول ينجسه على المشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره فما نقله عن غير nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ليس بجيد بل المشهور عند أكثر أهل العلم أنه لا ينجس إلا بالتغير بل القليل الراكد كذلك عند أكثر أهل العلم كما حكاه الشيخ تقي الدين بن تيمية في بعض مسائله التي سئل عنها .
(الخامسة عشر) فرق قوم من الشافعية في البول ، والاغتسال في الماء الراكد بين الليل ، والنهار وجعلوا الكراهة في الليل أشد ، وذلك لما قيل أن الماء بالليل للجن فلا ينبغي أن يبال فيه ولا يغتسل خوفا من آفة تصيبه من جهتهم هكذا جزم به nindex.php?page=showalam&ids=14345الرافعي وجزم ابن الرفعة في الكفاية بكراهة البول في الماء الكثير الجاري في الليل لما قيل : إن الماء بالليل للجن ، وهو يخالف ما ذكره النووي من إطلاق كونه خلاف الأولى فقط والله أعلم .
(السادسة عشر) مفهوم الحديث أن الاغتسال بالماء الجاري ليس داخلا في النهي سواء حملناه على التحريم أو الكراهة وجزم [ ص: 36 ] النووي في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بالكراهة فقال قال العلماء من أصحابنا وغيرهم يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا ، وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى في nindex.php?page=showalam&ids=13920البويطي : أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة وفي الماء الراكد الذي لا يجري انتهى .
وكأن النووي أخذ كراهة الاغتسال في العين الجارية من نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وليس في نصه ما يقتضي ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لم يذكر الجاري ، وإنما ذكر البئر المعينة ، والدائمة فالمعينة هي التي تمدها عين فيها ، والدائمة هي التي لا تمدها عين وليس في كلامه تعرض للجارية ومقتضى الحديث أن الجاري لا بأس بالاغتسال فيه خصوصا إن كانت عينا كبيرة فلا وجه للكراهة والله أعلم .
(السابعة عشر) هل يلحق بالنهي عن البول في الماء الراكد الاستنجاء فيه لما فيه من تقديره أو ليس الاستنجاء في حكم البول قال النووي : إن كان قليلا فهو حرام ، وإن كان كثيرا فليس بحرام ولا تظهر كراهته ؛ لأنه ليس في معنى البول ولا يقاربه قال : ولو اجتنب الإنسان هذا كان أحسن انتهى .
فإن كان أراد الاستنجاء من البول فواضح ، وإن أراد الاستنجاء من الغائط ففي عدم الكراهة نظر خصوصا لمن لم يخففه بالحجر ومع الانتشار ، والكثرة فربما كان أفحش من البول والله أعلم .
(الثامنة عشر) قال ابن دقيق العيد : اعلم أن هذا الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد ؛ لأن الاتفاق واقع على أن الماء المستبحر الكثير جدا لا تؤثر فيه النجاسة ، والاتفاق واقع على أن الماء إذا غيرته النجاسة امتنع استعماله nindex.php?page=showalam&ids=16867فمالك رحمه الله إذا حمل النهي على الكراهة لاعتقاده أن الماء لا ينجس إلا بالتغير لا بد أن يخرج صورة التغير بالنجاسة أعني عن الحكم بالكراهة ، فإن الحكم ثم التحريم .
فإذا لا بد من الخروج عن الظاهر عند الكل .
(التاسعة عشر) قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : ولم يأخذ أحد من الفقهاء بظاهر هذا الحديث إلا رجل ينسب إلى العلم وليس من أهله يقال له داود بن علي فقال : من بال في الماء الدائم فقد حرم عليه الوضوء به قليلا كان أو كثيرا قال : فإن بال في إناء وصبه في الماء الدائم كان له الوضوء به ؛ لأنه إنما نهي عن البول فيه فقط بزعمه ، وصبه للبول من الإناء ليس ببول فيه فلم ينه عنه .
فلو بال خارجا عن الماء الدائم فسال فيه جاز أن [ ص: 37 ] يتوضأ به قال : ويجوز لغيره أي لغير البائل أن يتوضأ فيما بال فيه غيره ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى البائل ولم ينه غيره وقال ما هو أشنع من هذا إنه إذا تغوط في الماء الدائم كان له ولغيره أن يتوضأ به ؛ لأن النهي إنما جاء في البول فقط ولم ينه عن الغائط قال : وهذا غاية في السقوط وإبطال المعقول إلى أن قال ويقال له خبرنا عن البائل في البحر أو الحوض الكبير أو الغدير الواسع هل يجوز له أن يتوضأ منه ؟
فإن قال لا قال ما نعرف أن الحق في خلافه ، وإن أجاز ذلك قيل له قد تركت ظاهر الحديث وفي ضرورتك إلى ترك ظاهره ما يوجب عليك أن تقول : إن معنى الحديث ما ذكرناه من تحريم الوضوء بالماء النجس وتأديبهم بأن يتنزهوا عن البول في الماء الذي لا يجري فيحتاجون على الوضوء منه إلى آخر كلامه .
وما ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=15858داود قاله أيضا nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم وصرح بأنه لا فرق في ذلك بين أن يقل الماء أو يكثر قال صاحب المفهم : ومن التزم هذه الفضائح وجمد هذا الجمود فحقيق أن لا يعد من العلماء بل ولا في الوجود قال : وقد أحسن القاضي أبو بكر حيث قال : إن أهل الظاهر ليسوا من العلماء ولا من الفقهاء فلا يعتد بخلافهم بل هم من جملة العوام وعلى هذا جل الفقهاء ، والأصوليين ومن اعتد بخلافهم إنما ذلك ؛ لأن من مذهبه أنه يعتبر خلاف العوام فلا ينعقد الإجماع مع وجود خلافهم .
والحق أنه لا يعتبر إلا خلاف من له أهلية النظر ، والاجتهاد على ما يذكر في الأصول وقال النووي : إن هذا من أقبح ما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود في الجمود على الظاهر وقال ابن دقيق العيد : إنه يعلم بطلانه قطعا ، والعلم القطعي حاصل ببطلان قولهم لاستواء الأمرين في الحصول في الماء ، وأن المقصود اجتناب ما وقعت فيه النجاسة من الماء .