(الأولى) إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام قال في الصحاح يقال هو مضاف إلى إيل يعني وإيل اسم لله تعالى قال أبو علي الفارسي هذا خطأ من . [ ص: 224 ] وجهين :
(أحدهما) أن إيل لا تعرف في أسماء الله تعالى في اللغة العربية .
(والثاني) أنه لو كان كذلك لم يتصرف آخر الاسم في وجوه العربية ولكان آخره مجرورا أبدا كعبد الله قال nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي هذا الذي قاله أبو علي أراد به أنه ليس هذا في العربية وقد قال بالأول جماعة من العلماء ، وقال النووي الصواب قول أبي علي فإن ما ادعوه لا أصل له انتهى .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش هو يهمز ولا يهمز قال ويقال في لغة إسرايين بالنون كما قالوا جبرين وإسماعين انتهى .
والمراد بنو إسرائيل الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام واغتسالهم عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض هل كان في شرعهم جوازه ، وإن كان الأكمل خلافه أو كان في شرعهم منعه كما في شرعنا وكان فعلهم ذلك من عصيانهم ومخالفتهم اختلف في ذلك ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض فيه أن ستر العورة لم يكن واجبا في شرع موسى إذ ذكر أنه إنما فعل ذلك يعني الاغتسال وحده حياء وأنه لم ينكر على قومه ما كانوا يفعلونه وأن الله تعالى أظهر ذلك منه لقومه حتى نظروا إليه .
وقال أبو العباس القرطبي إنما كان بنو إسرائيل تفعل هذا معاندة للشرع ومخالفة لموسى وهو من جملة عتوهم وقلة مبالاتهم باتباع شرع موسى ألا ترى أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يستتر عند الغسل فلو كانوا أهل توفيق وعقل اتبعوه ثم لم تكفهم مخالفتهم له حتى آذوه بما نسبوا إليه من آفة الأدرة فأظهر الله براءته مما قالوا فيه بطريق خارق للعادة زيادة في أدلة صدق موسى ومبالغة في قيام الحجة عليهم انتهى .
وسبقه إلى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال فقال وأما اغتسال بني إسرائيل عراة ينظر بعضهم إلى بعض فيدل أنهم كانوا عصاة له في ذلك غير مقتدين بسنته إذ كان هو يغتسل حيث لا يراه أحد ويطلب الخلوة فكان الواجب عليهم الاقتداء به في ذلك ولو كان اغتسالهم عراة في غير الخلوة عن علم موسى وإقراره لذلك لم يلزمنا فعله لأن في شريعتنا الأمر بستر العورة عن أعين الآدميين وذلك فرض علينا انتهى .
وأشار قبل ذلك إلى الاعتذار عن رؤيتهم موسى بقوله فيه إباحة النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية إلى ذلك من مداواة أو براءة مما رمي به من العيوب كالبرص وغيره من الأدواء التي [ ص: 225 ] يتحاكم الناس فيها مما لا بد فيها من رؤية أهل البصر لها فلا بأس برؤية العورات للبراءة من ذلك أو لإثبات العيوب فيه والمعالجة انتهى .
وسبقه إلى نحو هذا الكلام الأخير nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي فقال فيه جواز الاطلاع على عورات البالغين لإقامة حق واجب كالختان ونحوه انتهى .
وما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض أظهر ومجرد تستر موسى عليه السلام لا يدل على وجوبه لما تقرر في الأصول أن الفعل لا يدل بمجرده على الوجوب وليس في الحديث أن موسى أمرهم بالتستر ولا أنكر عليهم التكشف وأما إباحة النظر للعورة للبراءة مما رمي به من العيوب فذلك إنما هو حيث ترتب على العيب حكم كفسخ النكاح ونحوه .
فإذا ادعى أحد الزوجين على الآخر عيبا يفسخ به في العورة جاز النظر إليه ليرتب عليه الفسخ أو منعه وأما قضية السيد موسى عليه السلام فليس هناك أمر شرعي ملزم يترتب على ذلك فلولا إباحة النظر إلى العورة لما مكنهم موسى عليه السلام من ذلك ولا خرج مارا على مجالسهم وهو كذلك .
وأما اغتساله خاليا فكان يأخذ في حق نفسه بالأكمل والأفضل وخرج بين أظهرهم عريانا لهذه المصلحة وهي إظهار البراءة مما اختلقوه عليه مع إباحة ذلك ويدل على إباحة كشف العورة في الشرع الأول ما وقع له عليه الصلاة والسلام وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على كتفيه بإشارة nindex.php?page=showalam&ids=18العباس عليه بذلك ليكون أرفق به في نقل الحجارة ولولا إباحته لما فعله لكنه ألزم بالأكمل والأفضل لعلو مرتبته والله أعلم .
(الثانية) قوله وكان موسى يغتسل وحده أي عريانا ففيه دليل على إباحة كشف العورة في الخلوة في حالة الاغتسال وبه قال الأئمة الأربعة وجمهور العلماء من السلف والخلف وخالفهم nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى فذهب إلى المنع منه واحتج بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لا تدخلوا الماء إلا بمئزر فإن للماء عامرا وهو حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به وإن صح فهو محمول على الأكمل ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال بإسناد فيه جهالة أن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لم يكن يغتسل في بحر ولا نهر إلا وعليه إزاره فإذا سئل عن ذلك قال إن له عامرا [ ص: 226 ]
قال وروى برد عن nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول عن عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من اغتسل بليل في فضاء فليتحاذر على عورته ومن لم يفعل ذلك فأصابه لمم فلا يلومن إلا نفسه وفي مرسلات nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن لا تجدوا متوارى فإن لم تجدوا متوارى فليخط أحدكم كالدائرة ثم يسمي الله تعالى ويغتسل فيها وفي مصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري قال إني لأغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري إذا أخذت ثوبي حياء من ربي - عز وجل - وعنه أيضا ما أقمت صلبي في غسلي منذ أسلمت .
(الثالثة) وجه إيراد المصنف رحمه الله لهذا الحديث في شروط الصلاة موافقة nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال nindex.php?page=showalam&ids=11963والقرطبي على أنه كانت شريعة موسى عليه السلام وجوب ستر العورة في سائر الأحوال وإن تكشف بني إسرائيل حالة اغتسالهم مجتمعين إنما كان من عتوهم وعصيانهم لنبيهم ومن الأحوال التي أمر بستر العورة فيها حالة الصلاة بل هي أولى الأحوال بذلك والصحيح في الأصول أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ .
وهذه القصة فيها زيادة على عدم ورود ناسخ فيها وهي ورود هذه الشريعة بتقريرها وموافقتها وإذا ثبت الأمر بستر العورة في حالة الصلاة كان كشفها في حالة الصلاة منهيا عنه تفريعا على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده وإذا كان الكشف في الصلاة منهيا عنه فالنهي يدل على الفساد إما مطلقا أو في العبادات خاصة كما قرر في الأصول وهذا من النهي في العبادات فيكون دالا على الفساد .
ومتى قام الدليل على فساد صلاة من صلى مكشوف العورة دل ذلك على أن ستر العورة شرط في صحة الصلاة وذلك هو المقصود بعد ثبوت هذه المقدمات ويدل لذلك أيضا قوله عليه الصلاة والسلام nindex.php?page=hadith&LINKID=672469لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه والمراد بالحائض من بلغت سن الحيض ودلالة انتفاء العقول على انتفاء الصحة تقدم تقريرها في الكلام على الحديث الذي قبله .
وهذا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة وجمهور العلماء من السلف والخلف وهو المشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أيضا ، وقال بعض المالكية هو شرط مع الذكر دون السهو ، وقال بعضهم هو واجب وليس بشرط وقال بعضهم : هو سنة قال nindex.php?page=showalam&ids=13256ابن شاس في الجواهر هل [ ص: 227 ] يجب ستر العورة في الخلوات أو يندب إليه قولان فإذا قلنا لا يجب فيها فهل يجب للصلاة أو يندب إليه ذكر الشيخ أبو الطاهر عن أبي الحسن اللخمي أنه حكى في ذلك قولين ثم قال الشيخ أبو الطاهر وليس الأمر كما ظنه وإنما المذهب على قول واحد في وجوب الستر لكن الخلاف في وجوب الإعادة في الوقت أو فيه وبعده على الخلاف في ستر العورة هل هو شرط صحة الصلاة أم لا وقد ذكر القاضي أبو محمد أن القاضيين أبا إسحاق وابن بكير والشيخ أبا بكر ذهبوا إلى أن الستر من سنن الصلاة وهذا يعضد ما حكاه أبو الحسن اللخمي ويحققه انتهى .
وإذا فرعنا على اشتراط ستر العورة في الصلاة فمتى انكشف منها شيء ولو كان يسيرا بطلت الصلاة عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي والأكثرين وقال الحنفية والحنابلة لا يضر انكشاف شيء يسير من العورة وقدر الحنفية ذلك فيما إذا كان من السوأتين بقدر الدرهم وفيما إذا كان من غيرهما بأقل من ربع العورة هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ومحمد وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف لا إعادة إن كان أقل من النصف وعنه في النصف روايتان ولم يقدر الحنابلة ذلك بل جعلوا اليسير ما لا يفحش ومرجع ذلك للعادة وأما قدر العورة التي تستر في الصلاة من الرجل والمرأة فهي مقررة في كتب الفقه . .
(الرابعة) قوله ما يمنع موسى يغتسل كذا رويناه هنا بحذف أن ورفع يغتسل وهو على حد قوله تعالى قل أفغير الله تأمروني أعبد وقد أجاز أبو الحسن الأخفش حذف أن ورفع الفعل دون نصبه وجعل منه هذه الآية وتبعه ابن مالك وجعله قياسا مطردا ومثل له في شرح التسهيل بقوله تعالى ومن آياته يريكم البرق وقال يريكم صلة لأن حذفت وبقي يريكم مرفوعا .
وهذا هو القياس لأن الحرف عامل ضعيف فإذا حذف بطل عمله وذهب آخرون إلى أن حذف (أن) ولو مع رفع الفعل بعدها مقصور على السماع فلم يجوزوا من ذلك إلا ما سمع كما في هذا الحديث ويجوز في مثل ذلك النصب أيضا بإضمار أن ومنه قراءة nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري قل أفغير الله تأمروني أعبد بالنصب والصحيح أنه مقصور على السماع وصححه ابن مالك .
وذهب الكوفيون إلى جوازه قياسا فعلى هذا يجوز هنا النصب وإن لم يسمع وحاصل [ ص: 228 ] هذا ثلاثة مذاهب أحدها أن الرفع والنصب مع حذف أن قياسان مطردان والثاني أنهما مسموعان ، والثالث أن الرفع قياس ، والنصب سماع وهو الذي صححه ابن مالك والحديث في الصحيحين بإثبات أن بلفظ ما يمنع موسى أن يغتسل ولا إشكال في ذلك .
(الخامسة) الأدرة بضم الهمزة وإسكان الدال المهملة نفخة في الخصية يقال رجل آدر بمد الهمزة وفتح الدال من الأدر بفتح الهمزة والدال ذكره في الصحاح والنهاية وغيرهما قال في النهاية وهي التي تسميها الناس القيلة وقال في المحكم الآدر والمأدور الذي ينفتق صفاقه فيقع قصبه ولا ينفتق إلا من جانبه الأيسر وقيل هو الذي يصيبه فتق في إحدى الخصيتين وقيل الخصية الأدراء العظيمة من غير فتق ، وقال النووي هو عظيم الخصيتين .
(السادسة) فيه بيان عتو بني إسرائيل واختلافهم فإنهم أولا خالفوا نبيهم ولم يتبعوه في طريقته إما التي يجب اتباعه فيها أو يستحب ثم لم يكتفوا بذلك حتى لم يحملوا فعله الذي هو في غاية الحسن على محمل حسن وهو التمسك بالدين والشرع ومحاسن الأخلاق بل جعلوا سببه نقصا في بدنه ثم لم يذكروا ذلك على سبيل الاحتمال بل جزموا به وقطعوا وأكدوا ذلك بأن أقسموا عليه وحصروا الأمر فيه فلم يجعلوا الحامل له عليه سواه .
وهذا غاية العتو ونهاية الاختلاق وليت شعري لم عينوا الأدرة دون غيرها من العيوب وكيف تجرءوا على الاختلاق على ذلك النبي الكريم بما ليس لهم فيه شبهة ولهذا أظهر الله براءته بأمر اشتمل على عدة من خوارق العادات وقص قصته على نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل فيها قوله يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا الآية .
(السابعة) قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض الأنبياء منزهون عن النقائص في الخلق والخلق سالمون من المعايب ولا يلتفت إلى ما قاله من لا تحقيق عنده في هذا الباب من أصحاب التاريخ في صفات بعضهم وإضافته بعض العاهات إليهم فالله تعالى قد نزههم عن ذلك ورفعهم عن كل ما هو عيب ونقص مما يغض العيون وينفر القلوب انتهى .
وكذا ذكر النووي nindex.php?page=showalam&ids=11963والقرطبي هذا في فوائد هذا الحديث .
وقد يقال دل الحديث على سلامته عليه السلام من ذلك وأما كونه يجب تنزيهه [ ص: 229 ] وتنزيه غيره من الأنبياء عن هذا العيب وغيره فهو مقرر من خارج وفي أخذه من هذا الحديث نظر ولا يؤخذ هذا من كون الله تعالى سماه أذى لأن هذا الاختلاق أذى وإن لم يكن واجب التنزيه عما اختلق عليه وقد يقال إنما يتم هذا الاستدلال إذا كان كشف العورة محرما في شريعة موسى عليه السلام ومع هذا فألجأه الله تعالى إلى ظهوره بينهم على تلك الهيئة فلولا أن براءته عنه أصل من أصول الدين وقاعدة من قواعد الشرع يجب الإيمان بها لما ارتكب كشف العورة لأجله فعارض مصلحة سترها مصلحة إظهار هذا الأمر الديني وكان هذا الثاني أهم مقدما ولما ذكر nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي هذا الكلام قيده بقوله في أول خلقهم ثم قال ولا يعترض علينا بعمى يعقوب وبابتلاء أيوب فإن ذلك كان طارئا عليهم محنة لهم وليقتدي بهم من ابتلي ببلاء في حالهم وصبرهم وفي أن ذلك لم يقطعهم عن عبادة ربهم ثم إن الله تعالى أظهر كرامتهم ومعجزتهم بأن أعاد يعقوب بصيرا عند وصول قميص يوسف له وأزال عن أيوب جذامه وبلاءه عند اغتساله من العين التي أنبع الله له عند ركضه الأرض برجله فكان ذلك زيادة في معجزاتهم وتمكينا في كمالهم ومنزلتهم انتهى .
(أحدها) مشي الحجر بثوبه إلى بني إسرائيل لإظهار براءته مما ادعوه فيه من الأدرة على وجه خارق للعادة ولهذا جعل الله تعالى ذلك نعمة عليه حيث قال فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها
(الثاني) حصول الندب في الحجر من ضرب موسى .
(الثالث) وجود التمييز في الجماد الذي لا يعقل ولهذا عامله موسى عليه الصلاة والسلام معاملة من يعقل لأنه صدرت منه أفعال [ ص: 230 ] العقلاء وهذا مثل تسليم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وحنين الجذع إليه ونحو ذلك لكن تأمل ما بين المقامين وإن كان في الكل تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم وإظهار لمعجزته والله أعلم .
(الحادية عشرة) قوله فجمح موسى بأثره بجيم وميم مفتوحتين ثم حاء مهملة أي أسرع ومنه قوله تعالى لولوا إليه وهم يجمحون أي يسرعون وقال أبو العباس القرطبي نحو ما ذكرته ثم قال والجموح من الخيل هو الذي يركب رأسه في إسراعه ولا يثنيه شيء وهو عيب فيها وإنما أطلق على إسراع موسى خلف الحجر جماحا لأنه اشتد خلفه اشتدادا لا يثنيه شيء عن أخذ ثوبه انتهى .
ولا حاجة لما ذكره من أنه مأخوذ من جماح الخيل المذموم فقد ذكر أهل اللغة أن الجماح بمعنى الإسراع قال في الصحاح جمح الفرس جموحا وجماحا إذا اعتز فارسه وغلبه فهو فرس جموح ثم قال والجموح من الرجال الذي يركب هواه فلا يمكن رده ثم قال وجمح أي أسرع .
وقال في النهاية في شرح هذا الحديث أسرع إسراعا لا يرده شيء وكل شيء مضى لوجهه على أمر فقد جمح وقال في المشارق جمح أسرع فرس جموح سريع ، وهو مدح وفرس جموح إذا كان لا يثبت للجام بل يركب رأسه في جريه وهو ذم ودابة جموح إذا كانت تميل في أحد شقيها وهو ذم وقال في المحكم جمح الفرس بصاحبه ذهب يجري جريا غالبا وكل شيء مضى لشيء على وجهه فقد جمح ثم قال وجمحت السفينة تركت قصدها فلم يضبطها الملاحون انتهى .
وقال النووي جمح الحجر أي ذهب مسرعا إسراعا بليغا وقوله بأثره بفتح الهمزة والثاء المثلثة ويجوز فيه أيضا كسر الهمزة وإسكان الثاء وهما لغتان مشهورتان .
(الثانية عشرة) قوله : ثوبي منصوب بفعل محذوف تقديره دع ثوبي أو أعطني ثوبي ويحتمل أن يكون مرفوعا بمبتدأ محذوف تقديره هذا ثوبي وعلى هذا الثاني يكون المعنى استعظام كونه يأخذ ثوبه مع علمه بأنه ثوبه فعامله معاملة من لا يعلم كونه ثوبه كي يرجع عن فعله ويرد له ثوبه ، وقوله حجر منادى مفرد مبني على الضم وحذف حرف النداء استعجالا للمنادى ومذهب البصريين أنه لا يجوز حذف حرف النداء من اسم الجنس إلا شاذا حيث سمع كما في هذا الحديث [ ص: 231 ] أو في ضرورة الشعر ومذهب الكوفيين أنه قياس مطرد .
(الثالثة عشرة) قوله فقام الحجر أي وقف وثبت من قولهم قامت الدابة أي وقفت ومنه قولهم قام قائم الظهيرة أي وقف والمراد به وقوف الشمس عند الهاجرة عن السير إما مجازا أو أريد أثرها وهو الظل .
وقوله : بعد مبني على الضم لقطعه عن الإضافة أي بعد أن نظرت بنو إسرائيل إليه ، وقوله حتى نظر إليه ببناء نظر للمفعول والضمير في إليه يعود على موسى وحتى الظاهر أنها للتعليل وليس هذا تعليلا لما قبله ، وهو قيام الحجر ووقوفه وإنما هو تعليل لما قبل ذلك وهو فرار الحجر بثوب موسى يعني أن السبب في هذه الخارقة نظر بني إسرائيل إلى موسى عليه السلام وتبرئته مما اختلقوا عليه .
(فإن قلت) هذا مكرر فقد تقدم في قوله حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى .
(قلت) حتى هنالك غاية لما قبلها وهو فرار الحجر بثوب موسى عليه السلام وجماحه خلفه لانتزاعه منه وأما حتى الثانية فالظاهر أنها للتعليل كما تقدم ويحتمل أنها متعلقة بقيام الحجر إما غاية له أو تعليلا له والمراد أن الحجر وقف حتى نظرت إليه بنو إسرائيل وشاهدوه حجرا جمادا وعلموا تلك المعجزة العظيمة والخارقة العجيبة ليرتدعوا عن اختلاقهم على نبيهم والله أعلم .
(الرابعة عشرة) قوله وطفق بكسر الفاء وفتحها ويقال فيه طبق بالباء أيضا إلا أنه غير مروي هنا وهو من أفعال الشروع كجعل وأخذ وقوله ضربا مصدر بدل من فعله أي جعل يضرب الحجر ضربا والندب بفتح النون والدال المهملة وبالباء الموحدة هنا الأثر وأصله أثر الجرح إذا لم يرتفع عن الجلد فشبه به أثر الضرب في الحجر وقوله ستة أو سبعة شك من الراوي وهو منصوب على أنه نعت لقوله ندبا وهو نعت مؤول بمعدود .
وقوله ضرب موسى بالحجر هو منصوب على أنه مفعول لأجله ويحتمل أن يكون بدلا من قوله ندبا ويكون بدل أعم من أخص ويجوز فيه الرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره وهو أي الندب ضرب موسى بالحجر وهذه معجزة لموسى عليه السلام بعد انقضاء المراد من المعجزة الأولى وهو فرار الحجر بثوبه وإلجاؤه إلى الخروج على بني إسرائيل على تلك الهيئة وكأن المعنى في هذه المعجزة [ ص: 232 ] أمور :
(أحدها) بقاء هذا الأثر في الحجر على طول الزمان فيتذكر به هذه الواقعة ويعلم به فضل موسى عليه السلام وبراءته مما اختلقوا عليه .
(ثانيها) أنه حصل عند السيد موسى عليه السلام في ذلك الوقت حدة فلولا تأثر الحجر بضربه وظهور أثره فيه لزادت حدة السيد موسى من عدم حصول مقصوده وهذا كتشبيه من يحاول أمرا ولا يصل إليه بالضارب في حديد بارد فلولا تأثر الحجر بالضرب لكان الضرب فيه كالضرب في حديد بارد .
(ثالثها) أنه لولا تأثر الحجر بالضرب وبقاء الندب فيه لعد أهل السفاهة والجهل والعتو والاختلاق هذا عبثا فكان يحصل لموسى عليه السلام بذلك أذى زايد على ما تقدم والقصد رفع الأذى عنه لا جلبه إليه وإقسام nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه على ذلك تأكيد للأمر وتقوية له ومستنده فيه خبر الصادق وإن لم يعاينه فهو أقوى من المعاينة فإنه لا يخطئ والمعاينة قد تخطئ والله أعلم .
(الخامسة عشرة) قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال فيه إجراء خلق الإنسان عند الضجر على من يعقل ومن لا يعقل كما جرى من موسى عليه السلام في ضربه الحجر وإن كان الحجر قد جعل الله فيه قوة مشي فلذلك ضربه لأنه إذا أمكن أن يمشي بثوبه أمكن أن يخشى الضرب ألا ترى قول nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة والله إنه لندب بالحجر يعني آثار ضرب موسى عليه السلام بقيت في الحجر آية له عليه السلام .